أود الحديث عن المرحوم “صدقي علي أزايكو”
(1942_2004) رمز الشموخ الامازيغي الذي لا يرضى الرضوخ. المفكر المجدد، المؤرخ الملتزم، والشاعر الثائر.. ازايكو شخصية متعددة الأبعاد والاهتمامات والمواهب في التفكير والنقد والكتابة والتأويل والترجمة والابداع والحدس والمنهج….
أزايكو أسس مدرسة في التأريخ وأحدث ثورة في الشعر ووضع لبنات أساسية لفكر امازيغي جديد مبني على منهج القطيعة والنقد والجرأة الفكرية لزعزعة الأساطير. إنه “النبي الامازيغي” الذي جاء برسالة تحرير الامازيغ من أوتاد الظلم وقيود الحگرة الجاتمة على رقابهم، لذلك تعرض للمحاكمة الظالمة بسبب هذه الثورة الفكرية الهادئة التي قادها ازايكو لتصحيح التاريخ ورفض العبودية الطوعية، تم اقتياده إلى سجن باب العلو وهو استاذ جامعي بكلية الآداب بباب الرواح بالرباط سنة 1981 بسبب نشره لمقال علمي في التاريخ وحديثه عن المشكلة الثقافية في المغرب..
من باب الرواح إلى باب العلو، استطاع ازايكو أن يهدم أسوار العار التي جعلت من الأمازيغية لغة منسية، وجعلت من الامازيغ مواطنين من الدرجة الثانية، كان اعتقال ازايكو في سجن باب العلو لمدة سنة كاملة رفض فيها طلب العفو من الملك الراحل الحسن الثاني، كان سجنه بمثابة رجة قوية فتحت للامازيغ كل أبواب الحرية والانتفاضة والتحرر والانعتاق.. ازايكو وهو في زنزانة مظلمة باردة داخل المعقل في باب العلو، كتب قصائد شعرية بمداد كالرصاص، وبحروف من ذهب كقصيدة “أوال إينو” منشورة في ديوان “تيميتار” وذبج ديوانه الذي كتب اغلب قصائده في السجن بعنوان “إيزمولن” حتى لا ينسى المخزن اهانته وحكرته وظلمه الذي اقترفه في حق الامازيغ في شخص أزايكو… إيزمولن هو الجرح الغائر الذي لا زال ينزف بالدماء… ازايكو هو مانديلا الامازيغ بامتياز..
أود ان اتحدث عن أزايكو في هذه الاطلالة من خلال ما رواه لنا صديقه المؤرخ ايضا، والوزير الحالي للاوقاف “احمد التوفيق” في الجزء الثاني من سيرته الذاتية تحت عنوان” والد وما ولد”.
تطرق التوفيق في حديثه عن حياته المدرسية الأولى في مراكش أواخر الخمسينات من القرن الماضي، حيث تعرف على صديق جديد في خريف سنة 1958 وهو علي صدقي الذي التحق هو الآخر في نفس السنة باعدادية محمد الخامس بمراكش. وساعدتنا رواية التوفيق في فهم جزء كبير من شخصية” صدقي علي” في مرحلة مهمة من حياته التي لا نعرف عنها الشيئ الكثير مادام لم نقرأ بعد مذكراته، إن كان المرحوم قد تركها.
نعرف أن صدقي على أزايكو عاش في اليتم منذ طفولته بسبب فقدان والده الذي توفي في حادثة سير حافلة نقل عمومي بمنعرجات تيزي نتاست بين تارودانت ومراكش بداية الخمسينيات. ولكن لا نعرف الكثير من المعطيات حول ظروف دراسته الابتدائية ورحلته إلى إمي ن تانوت وإلى مراكش ثم إلى الرباط وباريس فيما بعد..لابد أن نعرف سياقات انتقال ازايكو بين هذه الفضاءات من أجل التعليم والتكوين وونحن شغوفون لمعرفة مسيرته في النضج الفكري والوعي السياسي.
ميزة ازايكو الوحيدة التي تميزه عن الاخرين هي تملكه المبكر للوعي الثقافي الامازيغي وهو تلميذ في الاعدادي بمراكش، وذلك نتيجة ذكائه الثاقب وكثرة اطلاعه ومطالعته، هذا الوعي بأمازيغيته جعله يعاني ويكابد ويدافع وهو صغير السن، يقاوم غطرسة الفكر العروبي منذ نعومة اظافره.
يقول التوفيق في الصفحة رقم 204 :
“زاد من توتره في تلك الايام أن مدير المدرسة ارتكب فعلة شنيعة، وذلك بأن صفع صديقه علي صدقي صفعة كان لها في نفسه أثر بليغ. صفعه لأنه تأخر بضع دقاءق عن وقت دخول المدرسة ….وهذا المدير في غاية الاعجاب عن نفسه….كان سبب ازدياد قلق الولد (اي التوفيق) أن صديقه علي يتيم شديد الحساسية لكل أنواع الظلم، يبدو انه يسقط يتمه الشخصي على حال أهله الامازيغ، ومن ثمة فهو ميال الى تفسير اوجه التفوق الثقافي الذي يدعيه الاخرون بأنه ارادة فرض تفوق عرقي. يشعر أن الظلم الذي يصدر من منطلق هذا النوع من الادعاء هو اشد أنواع الظلم والاذانة. ولم يحمل المضروب صفعة المدير الا على ذلك المحمل وهذا ما سيدفع به الى ترسيخ الاعتقاد بأنه هو وأمثاله من أمازيغ الجبل محقرون جميعا من أهل المدن المحمولين على تغليب أنهم من العرب أصلا، ادعاء استعلاء وترفع، مع أن العدد الكبير من أهل المدن هم من الامازيغ…..وكان النقاش حول هذا الموضوع مستمرا بين الصديقين وكان علي صدقي يعيب على الولد قلة استحضاره لهذا الشعور في تفسير الامور.” انتهى كلام التوفيق.
لماذا صفع مدير المدرسة التلميذ صدقي علي ؟
جاء في الرواية ان هذا الاخير تأخر عن وقت الدخول. لكن الحقيقة هي عكس ذلك وهي الحقيقة التي فطن لها ازايكو، وهي ان المدير صفع ازايكو بسبب موقف ايديلوجي لانه كان متحمسا لايديلوجية القومية العربية، اسمه الكامل عبدالنبي بلعادل وهو من الشباب الذين كانوا في حزب الاستقلال وخرجوا منه بعد 56 وانظموا الى تيار عبدالله ابراهيم، بل كان المدير من اصدقاءه حيث قام عبدالله ابراهيم حين كان وزيرا اولا في الحكومة بزيارة خاصة للمؤسسة التي يدرس بها ازايكو والتوفيق…اذن المدير كان ينتمي الى التيار العروبي اليساري المنشق عن حزب الاستقلال سنة 59…جاء في رواية التوفيق..”……فالولد المصفوع كان يرى أن السماء قد تصرفت بعدل عندما وقع القاء القبض في الايام الموالية على أحد اصحاب المدير، شريكه في الافكار التقدمية، أو “التأخرية ” كما كان يسميها علي صدقي…ابتهج لان ذلك يدخل نكدا على المدير.،”
يتضح إذن، بما ليس فيه شك، أن مدير المؤسسة يعلم جيدا بمواقف تلميذه صدقي علي الذي كان لا يضمر أي شيء.. خاصة وأنه كان تلميذا مجتهدا، متفوقا وذكيا حيث يذكر “أحمد التوفيق” في سيرته الذاتية، أن المدير والاساتذة كانوا يسعون إلى استقطاب التلاميذ للانظمام لتوجهاتهم السياسية والايديولوجيةخاصة وانهم كان جلهم اجانب من مصر ولبنان وفلسطين …اوطان القومية الناصرية…
لنقرأ ماذا حدث لصدقي علي مع احد اساتذته المصريين. دائما من رواية التوفيق احمد:
“زاد المدرسون المصريون اعتدادا بتلك الزيارة….وبلغ به الحماس الى حد ارتكاب حماقة ما فتئ يحاول التكفير عنها. ذلك ان التلميذ علي صدقي ذكر في ايام المؤتمر اسم عبدالناصر بأنه سليل الفراعنة..فما كان من الاستاذ الازهري، الا أن قام من مقعده وقصد التلميذ وونهره وصرخ في وجهه مغضبا وهو يقول له” عبدالناصر أشرف من أبوك” هكذا…كان ذلك الخطأ دفعا جديدا لعلي صدقي في اتجاه مزيد من الانطواء على النفس واحتداد مشاعره الوطنية الامازيغية في تأويله الخاص للتاريخ، ودون ان يذكر تلك الشتيمة من المدرس المصري والصفعة الظالمة السابقة من مدير المدرسة المشهور بميوله العروبية حسب تعبير صدقي، كان يقول للولد” إن أصل هذا الظلم بدأ مبكرا باهانة في عهد عقبة بن نافع، تلك الاهانة التي لحقت زعيم الامازيغ الذي أراد من اأوقعوه في الاسر أن يهينون فكلفوه من الافعال ما لا يليق بكبراء القوم ، ولقبوه “كسيلة” استهزاء، وأغفلت الكتب اسمه الحقيقي عن قصد.” انتهى كلام الوزير احمد التوفيق.
من المؤكد انه اتضح كل شيئ من خلال شهادة احمد التوفيق وهو يتحدث عن سنة 1961 حيث كان عمر صديقه علي صدقي لم يتجاوز 19 سنة. وهو تلميذ يقاوم عبر كل الجهات، يتيم الاب يسكن وحيدا في غرفة سفلية مظلمة في فندق يعرف بمقهى بوالزيت داخل المدينة العتيقة مراكش، وهو فندق ينزل فيه التجار ويبيعون فيه المواد الفلاحية…يقاوم اخطر شيء كان يعاني منه وطنه المغرب وهو الاستلاب الثقافي والهوياتي عن طريق تزوير التاريخ. وبسبب ذلك كرس كل حياته للتصحيح وللقطيعة، كان همه الأول تحرير الامازيغ من الظلم والاستيلاب الثقافي والهوياتي، عن طريق الافهام والتوعية بمخاطر تزوير التاريخ والهيمنة الثقافية والاقصاء، والميز العنصري…
رسالته ورحلته في الحياة، هي تصحيح الفكر وتصحيح التاريخ…بالاجتهاد والتأويل الممكن.
في ذكرى رحيل العظيم ازايكو 10 شتنبر 2004.
عبدالله بوشطارت.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.