أدرار و” ادرني ن ءيدرنان”
من قبيلة أملن تنطلق العادة، أو على الأقل تبدأ من حيث الزمن، أيام قليلة ويدخل علينا شهر ” فبراير الفلاحي أو الامازيغي لتنطلق معه أفراح ومناسبا تحث مسمى ” ءيدرنان” ، وأدرا رأيت صواب الشامخة والمناضلة والعريقة في القدم تعرف هذه العادة وتشمل جميع قبائلها الاثنا عشر بدون استثناء، تنطلق في الخميس الأول من شهر خبراير الامازيغي الذي يصادف عادة إما الخميس منتصف شهر فبراير الميلادي في حالة ما إذا صادف يوم 14 منه يوم الخميس أو الأسبوع الثالث منه ما لم تحصل تلك الصدفة السابقة، والبداية تكون من قبائل ( أزور اغالن ، تاكوشت ، انظريف ، اشتوكن، ايت احيا، تودما، اساكن، اكيسل ) وبعد أسبوع تستقبل قبائل ( أيت عين، امكوين ) تلك العادة وبعد أسبوعين تنتهي العادة بقبائل تاركانتوشكا ( ايت باحمان، أيت أوغان، امديون، تيوازوين ).
ثلاثة أسابيع في الأسبوع، تعرف عادة تسمى ” ءيدرنان” اختلفت حولها الكتابة وان كانت قليلة جدا بين من يربطها بعقد صلح بين القبائل بعد أزمة ثقة واقتتال عنيف وفوضى جعلت من أحد فقهاء سوس آنذاك يفكر في حيلة ذات بعد اجتماعي وإنساني لجمع الشمل وإعادة السلام إلى الأرض والثقة بين النفوس وإنهاء زمن الاقتتال فكانت عادة ” ءيدرنان” وهي الوجبة التي أعدتها خادمة الفقيه لزعماء القبائل حينها وانتهى الاجتماع إلى تبادل الزيارات بين ساكنة القبائل المتناحرة كل في أسبوعه مع المحافظة على السلام والوئام وتناول الطعام جماعة وفرادى بعيدا عن حمل السلاح، مع تنظيم حفلات فنية ” ءيحواشن” بقبائل بعينها أو مناطق محددة لنشر ثقافة التسامح والإخاء، وقد تكون لهذه القراءة نصيبا وافر من الحظ في زمن البحث والتنقيب لأنها اعتمدت الدين والجانب الاجتماعي والإنساني .
وهناك من يفسرها قبل الإسلام، ويربطها بمعتقد جني عملت ساكنة تلك القبائل التي تعرف هذه العادة على الاحتفال بها في تلك الفترة من السنة دفعا لضرر والمضرة على الزرع وتامين الروحانيات للإنسان والمجال، واستندوا إلى فعل تقوم به النساء قبل صلاة المغرب ليوم الخميس بطهي قطعة غريف رقيقة جدا بدون ملح توضع في النافذة الخاريجية لتأكل منها الجن، ومازالت تلك العادة تمارس في البيوت وبدون تحفظ إلى اليوم .
إلا أن الجميل في العادات رغم اختلاف النساق التاريخي، وأسباب النزول والممارسة أنها جامعة وملزمة وبحمولة ثقافية كبيرة تجعلك تنسى الاختلاف والشك أحيانا من طبيعة الاحتفال، وهذا ما يتضح جليا في ” ءيدرنان” ، فالقبيلة التي تعرفها تستعد من خلال العائلات وخاصة بشراء وجبة خاصة بها هي بوزروك ” أوييل” يطبخ في الطاجين مع زيت أركان واللفت البلدي والبصل، في طبق رائع شعبي واجتماعي وطبيعي يقل نظيره، يقدم في كل الوجبات اليومية لأيام الخميس والجمعة والسبت، إضافة إلى ” السفنج” وكم يحلو بزيته مع القهوة الصباحية والمسائية ومع الايدام ( السمن وأملو)، و” ءيدرنان” وهي البرغرير رقيق جدا وهو كذلك ضيف المناسبة ورفيقها إلى النهاية .
لكن الأهم في ذلك ليس الأطباق فقط بل العلاقات الاجتماعية من صلة الأرحام والتي تعرف انتعاش في المناسبة بين الآهل والأحباب والأصدقاء واللقاءات بالمساجد والزوايا وفي أماكن عمومية، تعرف مناقشات في قضايا تهم المنطقة أو الدوار، وتلك الحفلات الختامية بأحواش حيث الشعر القصيدة والكلام الموزون.
وببعض المناطق تتم عادة أخرى تسمى محليا ب “لوزيعت” وان اتضح في الكلمة أنها دارجة وقد اشتقت ربما لغويا من وزع، وتم تمزيغها فهي تعني شراء بقرة كبيرة بثمن مناسب ثم يتم ذبحها وتقسيمها على البيوت بشكل تساوي ويتم تقسيم ثمنها على عدد البيوت ولا يتم إقصاء أحد إلا من طلب دلك، والغاية منها تقاسم الطعام وما له من ايجابيات روحية وعلاقاتية، والتخفيف على دوي الدخل الضعيف ضمانا لاستقبال الضيوف والترحيب بهم .
انه أدرار الذي أحب بثقافته العميقة والراسخة منذ القدم، نموذج مجال جغرافي غني، بتاريخه وعاداته وتقاليده ونساءه ورجالاته في كل زمن وفي كل وقت حين .
ومرحبا في ءيدرنان ، ونسال الله المطر والغيث النافع .
لحسن بنضاوش
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.