أحمد بادوج : من أعالي جبال إمسكين إلى أعالي الفن

ولد الفنان أحمد بادوج سنة 1950 وينحذر من قبيلة إمسكين (الجبلية)، المحاذية لقبيلة أكسيمن (السهلية)، القبيلتان الأساسيتان المشكلتان لضفاف واد سوس في اتجاه مصبه “ايمي واسيف” بتراست على المحيط الأطلسي. بقي المرحوم بادوج صلة وصل بين القبيلتين ذات التاريخ العريق المتسم بالصراع أحيانا والتحالف أحيانا أخرى حسب السياقات. ولذلك اتسمت حياة المرحوم أحمد بادوج بالتنقل المستمر بين أكادير، حيث تمتد جبال إمسكين في اتجاه البحر وإنزكان عاصمة أكسيمن.

لا يختلف أحمد بادوج عن أقرانه الذين ولدوا قبيل استقلال المغرب سنة 1956. جيل مخضرم شهد السنوات الأخيرة للمقاومة ضد الإستعمار الفرنسي وتحديات السنوات الأولى للإستقلال، فكان جيلا نشيطا في مجالات عدة، يجمع بين الرياضة والفن ومجالات أخرى. وهذا ما جعل أحمد بادوج يلعب كرة القدم مع أشبال حسنية أكادير وظل وفيا لحبها إلى أن وافته المنية. أتذكر قوله أثناء متابعتنا لإحدى مباريات الحسنية بملعب أدرار حين همس في أذني وقال “إلى حدود الأمس كانت أمي تحرث هذا المكان”. بعد زلزال أكادير سنة 1960 كانت مدينة إنزكان خير معيل وسند للمدينة المنكوبة، وأسس ذلك لتقليد انتقال الأكاديريين لإنزكان، المدينة التي استهوت الفقيد بادوج للاستقرار لممارسة مهنته في مجال ميكانيك السيارات ولكن أيضا في مجال الفن، حيث كانت المدينة تعرف حركة فنية مهمة على مستوى المسرح والموسيقى، ومن نتائج ذلك ظهور المجموعة الأسطورية إزنزارن وجمعية تيفاوين للمسرح وجمعيات أخرى.
لقد وجد المرحوم ظالته في المسرح، واستحق بالفعل لقب “الأب الروحي” للمسرح الأمازيغي بسوس. فعناوين مثل “100 مليون” و “تازيت ن وانغا”… لازالت ترن في أذهان مرتادي المسرح البلدي بإنزكان. وفي كل مسرحية كان لدور المرحوم صدا لدى المتلقى و نجح في أن يجمع حوله ثلة من الشباب الشغوفين بأب الفنون فكان بالفعل مدرسة في هذا المجال، وبقي وفيا لنهجه في تكوين الأجيال إلى آخر يوم من حياته. فليس غريبا حين ظهرت تجربة الفيلم الناطق بالأمازيغية أن يكون من مؤسسي هذه التجربة بفيلم “تامغارت ن وورغ” لمخرجه الحسين بيزكارن (تصوير 1989).
لقد توطدت علاقتي به خلال أواسط التسعينات من القرن الماضي، بدءا بعرض شريط “تامغارت ن وورغ” بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير بحضور المخرج وبعض الممثلين، وكان ذلك في إطار أنشطة طلبة الحركة الثقافية الأمازيغية، وازدادت معرفتي به خلال أيام السينما الأمازيغية” التي كانت جمعية تاماينوت فرع إنزكان تنظمها خلال شهر رمضان بالمسرح البلدي بإنزكان. لقد ذكرني المرحوم يوما بأن من أسباب سعيه للحصول على دبلوم في الإخراج هو رد فعل أحد المتذخلين خلال هذه الأيام السينمائية حين اتهمه بالجهل في مجال الإخراج وحاجته لتكوين أكاديمي في هذا المجال. هذا الإنتقاد التي قبله المرحوم بصدر رحب دفعه للبحث عن تكوين في مجال الإخراج السينمائي، وهو ما حصل. وطوال حياته كان المرحوم أحمد بادوج مواضبا على الحضور في الملتقيات الثقافية وتشجيع الشباب وحضي بتكريمات كثيرة خاصة من طرف المجتمع المدني وجمهوره الغفير الذي كان سنده الأساس. كما ظل طوال حياته يثير الإنتباه إلى وضعية الفنان الأمازيغي ويناضل من أجل إنصافه. أحتفظ له بجملة ينطقها دائما حين نلتقي فيخاطبني بابتسامته المعهودة قائلا “أركاز إشاطرن”. لم تمهله الأقدار ليشرح لي المقصود بجملته ولكن أحس دائما بالكثير من التقدير والإحترام اللذان يجمعان بيننا. رحمه الله.

الحسين بويعقوبي .


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading