تارودانت: الدكتور فهمي بوشعيب في قراءة لموضوع ” القيم الجمالية في عمل الشرطي”

إعداد سعيد الهياق//
في ظل تداعيات اجتياح كورونا و التي غيرت بسرعة قصورى مجرى حياة الفرد و المجتمعات البشرية برزت مجموعة من التساؤلات عن ماهية منظومة القيم و دور الإنسان في إعادة ترتيب بنيات المجتمع من جديد في ظل نمط جديد للحياة لم يتعود عليه من قبل، و قيد إلى حد ما حريته في التنقل. و بالتالي قد يدفعه الاندفاع الداخلي عن قصد او بدون شعور إلى سلوكيات خارج منظومة حالة الطوارئ دون وعيه منه بوضعيته الصحية و الآثار السلبية التي تنجم عن تسريب العدوى إلى باقي أفراد المجتمع.
و مع الدكتور فهمي بوشعيب الباحث الأكاديمي في القانون العام و الخاص في حوار حول:
كيف السبيل إلى فرض التدابير الاحترازية في حالة الطوارئ الصحية مع مراعاة مبادئ منظومة القيم ؟
” أعادت الأزمة الصحية التي يجتازها العالم منذ بداية سنة 2020 بعد الانتشار المهول لفيروس كوفيد 19 عقارب الساعة إلى البداية ، و انهارت العديد من المحددات و المعايير التي أسست عليها العلاقات الدولية كحرية التنقل الأشخاص و البضائع. و المقولة المشهورة أن العالم أصبح قرية صغيرة لم يبق لها ذالك التوجه بعدما سارعت غالبية الدول الى إغلاق الحدود مع العالم و الانكماش في ظل التدابير الاحترازية. و كيفما كانت قيمة هذه الدول سياسيا و اقتصاديا استطاعت فرض التدابير و لو في حق دول أقوى منها اقتناعاً منها انها ضرورية لحماية رعاياها. و هذا القرار لم تكن قادرة على اتخاذه سابقا بحكم ميزان القوة غير المتوازن. و بفعل التهديد المباشر للحق في السلامة الجسدية للأشخاص اقنتع الانسان بحتمية فرض التدابير الصحية، و لو شكلت مساساً بحريته في التصرف ، و التفت الناس بشكل جلي للأدوار التي تقوم بها بعض المرافق العامة التابعة للدولة خدمة للمواطنين في ظل هذه الظروف العصيبة. و التي كان ينظر إليها بشكل مغاير و بجانب للصواب. فاسترجع الطبيب مكانته في الاعتبار الوظيفي و القيمة الرمزية و تولد نفس جديد لمهنة الطبيب و الممرض. و رجال السلطة و رجال القوة العمومية من أفراد القوات المسلحة الملكية الشرطة و الدرك الوقاية المدنية و الجمارك و القوات المساعدة و المكلفون بالتعقيم و التطهير و أعضاء جمعيات المجتمع المدني، و عمال المصانع والضيعات الفلاحية……إلخ .
وتبعا لذلك تعالت ردود أفعال المواطنين سواء بشكل مباشر أو على منصات التواصل الاجتماعي و التطبيقات الفورية التفاعلية التي تشيد بأداء هذه المكونات و بشكل خاص بالأداء المهني الرفيع لعناصر الشرطة و الحرص على تشجيعهم و التنويه بالجهود الجبارة في مواجهة انتشار الفيروس رغم الإجراءات الصارمة التي تقوم بها الشرطة في إطار إدارة حالة الطوارئ الصحية ببلادنا. و التي تشكل حدا للحريات الفردية للحفاظ على على أحد مقومات النظام العام ألا وهي الصحة العامة.
في ظل هذه المتغيرات كيف يمكن تفسير هذا التحول الذي طبع رد فعل المواطنين الموسوم بإيمانهم بالدور الفعال الذي تقوم به الشرطة لحفظ صحة المواطنين واليقظة التي طبعت أداء موظفي الأمن الوطني لتجنب المغرب انفجار العدوى بالفيروس و الأضرار الجسيمة التي قد تنتج عن ذالك ؟؟؟
في ظل الأزمات تقف الشعوب على حقيقة الوضع الذي توجد عليه و تدرك أن ما أهمل الانسان التفكير فيه متعمدا هو أن أناس يضحون في سبيل الاستقرار و الطمأنينة، و ذلك من خلال معايشتهم مباشرة على خط المواجهة آنذاك تدرك أن التمثل ليس هو الحقيقة، و أن زيف المواقف لا ينفي رد الاعتبار لكل من ينشد المصلحة العامة في عمله، و أن الانتقاد الأجوف ليس حلا لضعف التواصل في الفضاء العمومي و لا يترك مجالا لإدراك مجموعة من القيم الجمالية و الأخلاقية في عمل معين.
و كيف يغيب هذا الأمر عن الأذهان خاصة في ما يتعلق بقيم الجمال في العمل الشرطي سواء تعلق الأمر بالأحوال العادية أو خلال فترة الأزمات .

رغم استغراب بعض الناس حول علاقة القيم الجمالية بعمل الشرطة التي أوكل إليها أمر إنفاذ القانون و عليه فعملها مطبوع بالحزم و الصرامة وعدم التسامح؛ فإن في عمل الشرطة قيما جمالية تدرك من خلال مجموعة من المهام الإنسانية التي يتسم بها عمل الشرطة خلال عملية تطبيق القانون و التي نسرد منها مايلي:
* الاستجابة الفورية لنداء الاستعانة و طلب النجدة التهدئة من روع ضحايا حوادث الطرقات والجرائم.
* تقديم الإسعافات الأولية للمصابين بالشارع العام، و حسن استقبال المرافقين و ارشادهم للبحث عن الأشخاص المتغيبين و لم شمل العائلة.
* حماية الأطفال في وضعية صعبة من المؤثرات الخارجية توفير.
* الحماية للنساء ضحايا العنف و التحرش.
* حماية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة التحسيس و التوعية بالوسط المدرسي. * مساعدة الشيوخ والأطفال بالطريق العام.
* الدفاع عن نفس و ممتلكات المواطنين.
ولا يوجد أدنى شك أن الاستعداد التلقائي لأداء واجب الدفاع عن نفس المواطن و ماله يدخل في مرتكزات الوجدان الشرطي واحساسه العميق بثقل المسؤولية القانونية والأخلاقية الملقاة على عاتقه. فلا يمكنه أن يتوانى في القيام لذلك رغم المخاطر الكبيرة التي يواجهها و التي قد تكلفه حياته في بعض الأحيان. و لا أحد ينكر كذلك أهمية التواصل المباشر بين الشرطة و المواطن عندما يلجأ هذا الأخير للشرطة. فهذه اللحظة فارقة في تكوين صورة إيجابية حيث ينبغي التكلف بالحالة و طمأنتها و تقديم الدعم المعنوي لإعادة الاستقرار النفسي و هو عمل إنساني جبار يمتلك فيه الشرطي خبرات الطبيب النفسي
و يجيد هذا الدور بكل اقتدار. فليس هناك اكبر قيمة للجمال من أن تأخذ مواطنا مكلوما بالحضن و الرفق و تضمد جراحه سواء الجسدية أو النفسية و احتواءه من الفزع الذي أحدثه الفعل الجرمي. فكلها قيم إنسانية راسخة لا يمكن أن تنمحي من ذاكرة المواطن الذي عاش هذه المحنة. و تتعزز هذه المجهودات التي تتضمن قيما جمالية تجعل من الوظيفة الشرطية بوابة لضمان التماسك الاجتماعي و استقرار المجتمع بالمجهودات الاستثنائية التي ترصد لتأطير التدابير المتخذة لمكافحة الأوبئة التي جعلت من عمل الشرطي مفتاحا لمنع انتشار العدوى من خلال التطبيق الصارم للتدابير في حالة الطوارئ الصحية. و الشرطي و هو يقف في نقطة مراقبة أو مدار أو في اي مهمة يعي تماما أن له بيت صغير يضم أفراد أسرته الصغيرة يجب عليه حمايته من كل سوء ، و أنه له بيت كبير به أفراد أسرته
الكبيرة و هم سكان مدينته التي يعمل لحمايتها من كل سوء. و يقف متحديا الاخطار التي قد تجعل منه رقما يضاف إلى حالات الإصابة التي تعلنها وزارة الصحة و يخاطر كذلك بحمل العدوى لأسرته كل يوم. لذلك إنتبه المواطن للدور الفعال الشرطي و أدرك قيمة جمالية في هذا العمل لأنه أدرك بشكل واضح أهمية العمل الأمني كقيمة انسانية تطمح إليها الدول الراقية،و التي توجهت نحو تعزيز سبل العمل التشاركي بين الشرطة كفاعل رسمي في ضمان النظام العام الشامل بكل مقوماتها ألا و هي : الأمن العام والصحة العامة، و السكينة العامة. وتحاول كذلك تعزيز سبل الإنتاج المشترك الأمن بين الشرطة والمواطن، و إعداد قوانين تخول المواطن التطوع للعمل في صفوف الشرطة كما هو الشأن في فرنسا بمقتضى القانون رقم 2017.86 المتعلق بالمساواة و المواطنة الصادر بتاريخ 27 يناير 2017 . و لا شك أن التطوع في العمل إلى جانب عناصر الأمن مدخلا هاما لتعزيز الشعور بأهمية دور الشرطة و قيمة مجهوداتها من خلال القناعات التي تدرك بحكم المعاينة اليومية و الاطلاع على المجهودات اللذان يسهمان في تبديد التصور غير المناسب و تعزيز فرص التواصل دون وسائط لها أهداف خفية معلنة لتكريس الجفاء والتباعد بين المواطن ومؤسساته لتقويض كل المجهودات التي بذلت في هذا الباب و السير بالمجتمع إلى النفق المسدود.”

الدكتور فهمي بوشعيب :
* حاصل على الاجازة في القانون الخاص 2006
* شهادة الماستر في القانون المدني 2014
*شهادة الدكتوراه في القانون الخاص 2018

من إصداراته :
* ظاهرة الالتراس بالمغرب * مقاربة قانونية و اجتماعية 2018
* مجموعات الالتراس نحو راديكالية العنف وتسييس مدرجات الملاعب 2019

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد