05 – عيونهن تقول: لقد مات فموتي أيضا!

أنَّثْتُ الموت في صفحاتي البيضاء هاته ..وكان لي اسباب لتأنيثها.. تمردت على قواعد الضاد وحوَّلتُ تذكير الموت تأنيثا ردعًا لتسلطها.. فتاء التأنيث في الغالب من تخطف.. تتسلط..وتتهافت وراء الام غيرها من بني جنسها حتى تزيد جرحها عمقا ثم وبكل ضعف تقبَل التعدد.. تعدد ضحاياها.. وكذلك الموت تفعل..! فعذرا ايتها التاء المؤنثة .. لكنك اذقتني المُر في عز الامي..فتجرعي الان مر حروفي. 
لم اكن افهم ماذا يعني صبر امي وهي قابعة بالبيت اربع شهور وعشرة ايام بلباسها الابيض.. لا تذهب الا لقضاء اغراض ادارية تفرض حضورها ..شرط الا تغرب الشمس وهي خارج البيت.. لم أفهم غُلُوَّ التقاليد في قسوتها على المرأة حتى عشت نفس الوضع.

انه اليوم الثاني لرحيله،كانت النساء تجتمعن في كل زاوية من زوايا البيت.. وكلما مررت امام احداهن سمعتها تهمس لرفيقتها وبدون اي تحفظ، “المسكينة لا زالت شابة.. لا يعقل أن تبقى هكذا.. ستتزوج.. والله ثم والله ستتزوج وفي اقرب وقت”..تتحدثن دون اي مراعاة لظروف اللحظة.. يحبكن سيناريوهات عن حياتي المستقبلية..وكأن في حديثهن اشباع لرغبة داخلية تتملكهن..تذكرت حينها كيف كانت زوجة عزيز مصر ذكية وهي تجمع نساء مصر لتتسبب في تقطيعهن ايديهن بعد رؤيتهن لجمال يوسف الأخاذ حتى يشعرن بها ويدركن الدافع لغواية الرجل.. واصرار ضيفاتي على زعزعة سكوني بنظرات الشفقة وحديثهن عني دون احساس ولا مراعاة لمشاعر الألم المعتصرة داخلي كان يحتاج حقا لما فعلته الملكة زليخة لتلجيم السنتهن.. فهن أولا ضيفاتي .. وفي عقر داري..وكنت أنا اداة لغزل حديثهن..فكيف السبيل لردع انانيتهن غير تعجيل الموت بخطف ارواح ازواجهن ربما يدركن ما لا يدركن!
كل النساء تحولن بقدرة قادر لمفتيات،داعيات، المتعلمات منهن والأميات.. قاسمهن المشترك كان الجهل .. الجهل بكل شيئ.. وخاصة الجهل بمراعاة الاحساس بغيرهن..سادية احداهن وادعاءها العلم بما قال الله ورسوله في سورة ما لا تتذكر اسمها..قادها الي وأنا ارتشف كأس قهوة في حديقة المنزل قبل غروب الشمس بدقائق .
قالت: ماذا تفعلين هنا ؟
قلت: أين؟
قالت وهي تمد يدها لتحمل قهوتي : هنا في الحديقة..هيا هيا ادخلي البيت واكملي شرب القهوة في الداخل.. الشمس ستغرب عليك وأنت خارج البيت. لقد قالها الله في قرآنه وحث على ذلك النبي في حديثه..على الارملة أن تدخل بيتها قبل غروب الشمس.
المرأة لا تحفظ من القرآن سوى فاتحته .. لكنها تجاوزت حد العلم بخبايا الدين حين صِرتُ ببياضي هذا جزءا منه..!
طبعا لم ادعن لهراءها.. بل سخرت منه.. 
وبالهدوء الذي يسبق العاصفة قلت : من فضلك سأشرب قهوتي هنا ضعيها وانصرفي..!
جلست اتأمل اللون الذي يلبسني.. محاولة ربط خيط الذكرى بالماضي.. ذكرياتي معه ومع عشقي للألوان.. خيط قطعته تلك بتدخلها في ما لا يعنيها.
جل النساء كن لا تتحملن رفضي لهراءهن فعندما وافقت لفِّي في خرقة بيضاء لم يكن يعني أبدا التواطؤ معهن ضد عقلي وافكاري وحريتي.. بل جبرا لخواطر اشخاص احترمهم فقط..
افراطه في فرض اللامنطق على عقلي تجاوز كل الحدود..فحتى الشمس سيكون لها يد في محنة بياضي..الطبيعة ستتحامل على ضعفي وعلى حزني..كل ما عليَّ فعله وانا ببياضي اللعين هذا هو أن أُكفَّن به واقبع بالبيت شهورا حتى تموت كل الأشياء الجميلة داخلي.. حتى الذكرى عليها أن تموت.. !! عيونهن تقول: لقد مات فموتي أيضا!
كان نصفي الثاني يقول : موت الاحباء لا يجب ان يمنع حياة الاحياء .. وأنا أتذكر تلك الكلمات من رجل علمني كيف اتأقلم مع الاحساس بالحزن والعودة للحياة بشغف اكبر.. اطلقت سراح اغنيته اويس نتافوكت لتسرح داخلي ونمت قريرة العين..!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد