لنفرض جدلا أنك إنسان عاد ومن عموم المواطنين الذين تلقوا الحد الأدنى من التربية والتعليم لكان ذلك كافيا لكي تستوعب بشكل عفوي دلالة الآية الكريمة التي كرّم فيها الله سبحانه وتعالى بني آدم كمانع شرعي وأخلاقي في تشويه هذا التفضيل الرباني للإنسان بإسقاط أوصاف وتشييهات تحط من كرامته…
لكنك وبكل الألقاب التي تحملها على ظهرك من داعية… مفكر إسلامي وممثل للأمة وغيرها يجعل من وصفك لضيف المملكة البابا فرنسيس أسقف روما ورأس الكنيسة الكاثوليكية رئيس دولة الفاتيكان بما يحط من كرامته لا كبني آدم مفروض عليك كمسلم الانضباط لشرع ألله في هذا الجانب.. بل وكيف أن المعني بهذا الوصف ” البَغْلي” له وضع اعتباري ديني مميز لدى الأخوة المؤمنين والمؤمنات بالديانة المسيحية من جهة… وضيف استثنائي للمملكة… يجعل من هذا النعت الهجين يلامس الشبهة واللبس حد الخيانة لتاريخ بلدنا الحضاري كملتقى للتعايش بين الديانات وخاصة المسيحيين الذي يعود تواجدهم بالمغرب منذ قرون وبأقدم ظهير يؤرخ لفترة الموحدين بما يضمن لهم الحق في أداء شعائرهم الدينية وبناء كنائسهم وتنظيم حياتهم الاجتماعية بشكل عام…
لذلك أعتبر وبقوة أن هذه الإساءة موجه بالدرجة الأولى إلينا كمغاربة معتزون بتاريخ بلدهم ودوره الحضاري كنمودج للتعايش والتآخي بين أبناء سيدنا إبراهيم الحنيف… بل هو إساءة لديننا الإسلامي الحنيف ولكتابه المبين وفي أكثر من آية كلها تؤكد على احترام اتباع الديانات السماوية الأخرى ولعل أبلغها ما جاء في سورة يونس “وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ”… بل والأعمق منها قوله تعالى ” ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما اتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) او كما جاء في اية اخرى(وما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة)
كلنا في هذا الصراط على حد سواء اذ كلنا لله وكلنا اليه راجعون وكلنا من نفس واحدة صارت انفسا كثيرة وعقائد واديان وامما وشعوبا نتخالف لنتعارف ونتسابق الى الخيرات ….لا عيب اذا اعتقدنا اننا احسن من غيرنا اوغيرنا احسن منا في الخيرات لكن المهم ان نحفظ الخيرفي ميثاق الولاء والتوجيه لله الرحمن الرحيم
هو الافق المشترك لهذا اللقاء الروحي بامتياز كموعد تاريخي بكل المقاييس لتعزيز التسامح العالمي المفقود باعتبار رمزية ومكانة المؤسستين الدينيين بين إمارة المؤمنين مع كل ما تحمله هذه الأخيرة من رمزية عميقة ممتدة في التاريخ الإسلامي والنموذج المجتمعي الذي تقدمه للعالم خصوصا فيما يتعلق بتنظيم علاقة المسلمين بأهل الكتاب في المجتمعات المتعددة الديانات من جهة وبين مؤسسة الحبر الأعظم وبابا الفاتيكان بهدف التنسيق والعمل على ترسيخ ثقافة السلام والعيش المشترك ونشر ثقافة التضامن، كل ذلك في جو مشحون بتداعيات سياسية وإيديولوجية وتنامي الفكر اليميني المتطرف، و ضربات الإرهاب الموجعة لكل سياسات التقارب والتضامن، دون أن ننسى تنامي موجة الكراهية تجاه الأجانب والمسلمين،
وقد ساهمت كل هذه التحولات في بروز مكانة وأهمية الحوار بين الأديان السماوية الموحدة لله سبحانه.. والمؤمنة بأن الأساس في المجتمعات الإنسانية هو التعايش والتسامح والتجاور والاحترام المتبادل بين مختلف العقائد والثقافات واللغات…
هذا هو السياق العام الذي يجعل من وصفك لضيف المملكة البابا فرنسيس بذاك النعت الحيواني الهجين موضوع شبة ولبس… وكأنك بهذا الموقف تقف ضد القيم الإنسانية النبيلة التي ستؤسس لها هذا الموعد التاريخي بكل دلالاته الحضارية والسياسية…
بل يزداد الأمر خطورة إذا استحضرنا وضعكم الاعتباري كشخصية عمومية برلمانية تدفعنا إلى استبعاد الأمر كزلة لسان ووو واعتبار الوصف مفكر فيه ومُتعمّد لا يخرج عن الولاء للعقيدة الإخوانية التي تقف كل مؤسساتنا الدينية بما فيها إمارة المؤمنين حجرعثرة لتحقيق مشروعها بالمغرب الأقصى…
هذا هو عمق الصراع بين من يسعى إلى بناء عالم أكثر انصافا وأكثر أخوة بين بني أبناء آدام المشمولين بالتفضيل الرباني وبين الفكر الإقصائي والعنصري
هنا وفي العالم أجمع.. أيا كانت لبوساته الدينية والايدلوجية والعقائدية…
وإذ نرحب بضيف المملكة مع كل الاحترام لرمزيته الدينية فهو في نفس الوقت انحياز لتاريخنا وأصالتنا والتي علمتنا أن نتحاور،مع المختلِف معنا… ولا نتباغض، ونقذف من نختلف معه بكلمات لا نقبلها لأنفسنا، لو قُذِفنا بها.
هذا هو الشرط الأول، والأهم، للتعايش بسلام،
بل بما هو أبعد من السلام، باحترام وسلام
، بل بما هو أبعد من الاحترام، بمحبة وسلام…
من لم يستطع فليصمت على الأقل..
التعليقات مغلقة.