المجتمع المدني بسوس ماسة واقع الآلام والآمال

يحظى المجتمع المدني باهتمام الفاعلين، الباحثين والسياسيين وحتى المثقفين، لا سيما في إطار النظام العالمي الجديد والعولمة. وبالرغم من كثرة الحديث عن المجتمع المدني في الأوساط السياسية والأكاديمية، فإن هذا المفهوم ما زال يتسم بالكثير من اللبس والغموض.

ولفهم واقع المجتمع المدني بالمغرب عموما، وجهة سوس ماسة بالخصوص، التي يمكن اعتبارها موضع دراسة نظرا للعدد الهائل للجمعيات بالجهة مقارنة مع الجهات الأخرى بالمغرب، نتساءل هل يتوافق مفهوم المجتمع المدني نظريا مع الواقع المعاش؟

هنا وجب الوقوف على المتغيرات المحيطة، كما طورها “Fred Riggs” في إطار المدرسة السلوكية، لنستعرض مدى التوافق من عدمه للمجتمع المدني في مقابل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية و في إطار وصفي-تحليلي مقارن.
إن الإجابة المؤقتة عن هذا السؤال تقودنا إلى الحديث عن الوقوف أولا على السياق التاريخي فقد ظهر عند الرومان، ومن ثم اختفى ليعود بعد ذلك الى الظهور في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وربما يكون جون لوك، أول من استخدمه بعد الثورة الإنكليزية 1688، في نصه المشهور (رسالة التسامح، 1689).

ولعل الواقع المغربي لم يعرف مفهوم المجتمع المدني بحد ذاته بل جاء هذا التعرف عبر الاهتمام المتزايد الذي لاقته مؤلفات انطونيو غرامشي في العالم العربي في الفترة الإستعمارية. وبدرجة أقل مفردات الفلسفة والفكر الليبرالي عبر ترجمة بعض أعمال الفلاسفة الكلاسيكية ( العقد الاجتماعي لروسو، في الحكم المدني لجون لوك)، مما يعني أن المجتمع المغربي لم يتعامل مع المفهوم قبل تلك الفترة باعتباره ظاهرة مستقلة بحد ذاتها، لا على مستوى التأصيل النظري ولا على مستوى الاستخدام الادائي الأيديولوجي. وبالتوازي مع ذلك، كان هناك ما يعرف بالجماعة أو مجلس الأربعين بالجنوب المغربي.

يتجلى التحدي الأول للمجتمع المدني في القدرة على التأثير في تغيير السياسات أو التوجهات التي يرى فيها تعارضا مع مصلحة المواطن وبدرجة أقل التأثير فيها وتعديلها بشكل جزئي وهو التحدي الأساسي الذي يمكن أن يثمر قدرا حقيقيا من التحسن في الهدف الأساسي.

بجهة سوس ماسة يمكن الوقوف على قدرة منظمات المجتمع المدني عبر فهم اساليب تطوير وتحديث بنيتها الداخلية، وإلى أي مستوى هي قادرة على التحول لجمعيات ديمقراطية حقيقية تتيح أوسع مشاركة للفئات التي تعبر عنها في تحديد سياساتها والمشاركة في تنفيذ أنشطتها وتقييم هذه الأنشطة ، والرقابة على أدائها ، وهو التحول الذي يمكن رصده في تسارع معدلات دوران وتغير قيادة هذه الجمعيات وكذا تزايد أتساع نطاق عضويتها.

اشار الباحث في العلوم السياسية الدكتور حسن الزواوي في مقال له حول ”ضعف القوة السببية للمجتمع المدني في العالم العربي” إلى أنه لا يمكن إرجاع ضعف المجتمع المدني إلى بنية الدولة وطبيعة النظام السياسي وحدهما، بل حتى خصوصية المجتمع الثقافية و الاجتماعية تشرح بشكل نسبي هذا الضعف، مرد ذلك على حد تعبير واتربوري Waterbury أن كل شيء يميل إلى تكريس الإبقاء و المحافظة على ما هو قائم تحت غطاء التقليدانية الموجهة عن قصد ضد كل تجديد قد يمس بنيات المجتمع، و يعارض النظام التقليدي المدافع عنه. فجدلية التقليد و الحداثة توجه كل نقاش يسعى إلى إيجاد تأصيل نظري لإشكال العلاقة الجدلية بين المجتمع المدني يضيف الدكتور حسن الزواوي.

لاغرو في أن واقع الفعل الجمعوي بالمغرب عموما وجهة سوس ماسة خاصة يترنح بين الفعل الوصولي الانتهازي والفعل الجمعوي النضالي والسليم، صحيح أن بعض الفاعلين يسعون لتحقيق مصالح ذاتية أو حزبية سياسوية محضة، في غياب استحضار المصلحة العليا للمجتمع، و إن تم استحضارها تكون بنية مبيتة و لحاجة في نفس يعقوب، في المقابل هناك بعض الفاعلين الحقيقيين يؤمنون بالعمل الجمعوي كفعل واع نابع من الواقع، يستقرئونه ويتعاطون معه، ويسعون لخدمته بل يضحون بوقتهم وأموالهم عن قناعة الفعل الجمعوي.

حينما نجد انفسنا بين الفعل الجمعوي الحقيقي والإنتهازي لا نستحضر إلا واقعة الأعرابية وفيها كثير من العبر، ذلك انه يحكى أنه في يوم من الأيام كان هناك اعرابية تريد بيع الشاة، فجاءها تاجر يسألها عن ثمنها فقالت له بكذا، فقال لها احسني، فتركت الأعرابية الشاه وهمت بالإنصراف، فأوقفها التاجر وسألها عن سبب فعلها، فقالت له: لم تقولوا أنقصي وإنما قلتم أحسني ، والإحسان ترك الكل.

ذ/الحسين بكار السباعي
باحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد