ستة و ثلاثون عاما مرت عن رحلة ليست كالرحلات (الجزء الثاني ) يتبع

عبد الكريم بنزاكور : باريس

● والفرحة الثانية: عند دخولنا الاستراحات ومحطات البنزين حيث الطبخ التركي، الذي يشابه الطبخ الشرقي، وخاصة إذا كان اللحم مذبوحاً حسب الشريعة الإسلامية السمحة والوجبات اللذيذة خلافاً ما كان يقترح علينا في إيطاليا ويوغوسلافيا واليونان، وفي منتصف الليل وصلنا نقطة الحدود بباب الهوى، حيث وصلنا إلى الجمهورية العربية السورية، فطلب منا الانتظار والتأني حتى السادسة فجراً لملء استمارة الدخول لكل عابر إلى الأراضي السورية، وبعد أداء صلاة الفجر دخلنا التراب السوري قاصدين العاصمة دمشق الفيحاء مع توقفنا بمدينة حمص، وزيارتنا ضريح أحد الصحابة رضي الله عنهم، إنه ضريح سيف الإسلام خالد بن الوليد بحمص،

توقفت بنا الحافلة بالعاصمة السورية دمشق الفيحاء حيث آذان المغرب، وقصدنا فندقاً قريباً جداً من المدخل الرئيس لسوق الحميدية وزيارتنا المسجد الأموي، والكنيسة الكاثوليكية مريم، ودكاكين المنتوجات التقليدية اليدوية التي تتقنها اليد العاملة السورية، ومهارة المبدعين السوريين بأناملهم الذهبية التي تجهز عدداً من الفلل والقصور والبيوت بالمغرب عامة، وبشماله خاصة، وبعد صلاة العشاء تجولت بشوارعها الفسيحة وأحيائها وقابلت عدداً من الشباب الأمريكي والأوروبي والآسيوي الذين اختاروا الشرق الأوسط لقضاء عطلتهم الصيفية وتأليف كتب عن المنطقة التي تعرف مشكل القضية الفلسطينية، وربما كانوا جواسيس للدول العظمى بما في ذالك أمريكا وروسيا، حيث تمَّ غزو العراق للكويت أسابيع قليلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة واشتعال نيران الحرب الخليجية وقضينا الليلة بالفندق وفي الصباح رافقت حاجّتين من الجزائر، وذالك بحكم إتقاني اللغة العربية للحديث مع بائع المجوهرات والحلي، وذلك لاقتناء بعض التحف لبناتهن، وكانتا يحملن صورهن، وهن فتيات جميلات بجمال فاتن خليط من الجمال المغاربي والأوروبي.

وبعد صلاة الظهر ذهبنا في اتجاه العاصمة الأردنية عمان، حيث نظرت إلينا السفارة السعودية بعيون الرضا والرأفة والعدل، حيث تمَّ تسليم زوجة السائق الجزائري بتأشيرة الدخول لأداء فريضة الحج، وخاصة أنها كانت فرنسية الأصل ومن منطقة BRETAGNE المعروفة عالمياً بصناعة الأجبان ومشتقات الحليب، والغريب أنها كانت تحمل شهادة رسمية تثبت اعتناقها للإسلام وما شاء الله حسن إسلامها وزرتها بمدينة ANTBES الفرنسية القريبة لمدينة نيس NICE،

وكان CANNES المدينة السينمائية عام 1996، لعل وعسى أن تكون إحدى فتياتها نصيباً لي لبناء حياة زوجية على سنة الله ورسوله، لكن ذكر لي والدهم الحاج ناصر لقد تزوجوا وحالياً مقيمون بدول عظمى ومدن كبرى، وأكرمني بحسن الضيافة ليومين، ومن الحي الدبلوماسي بعمان قصدنا المملكة العربية السعودية، حيث وصلنا نقطة الحدود ودخلنا أرض الحجاز مروراً بتبوك وأسعار النفط رخيصة للغاية، وأكلنا الكبسة السعودية الوجبة التي تعادل الكسكس بالنسبة لنا نحن المغاربة بالاستراحات والمطاعم الموجودة على هامش الطريق السيار والطرق المعبدة والحرارة المفرطة وموجة الحر التي تعرفها المنطقة، ونحن في طريقنا إلى يثرب المدينة المنورة حيث، توقفت بنا الحافلة بموقف كبير بمدينة الحجاج، وقابلنا أحد السعوديين مقترحاً لنا إيجار شقق مفروشة قرب الحرم النبوي، وتوكلنا على الله جل علاه والنفقة في الحج الدرهم بسبع مئة درهم، وكنا مواظبين لأداء الصلوات الخمس في أوقاتها والاستماع إلى خطبة الإمام عبد الرحمان الحد يفي الذي كنت أسمع تلاوته و ترثيله للقرآن الكريم في الأشرطة المغناطيسية عندما كنت شاباً بالحي الجامعي، عندما كان الشباب الطائش يستمع إلى الأغاني الغربية عندما كنت أسهر للمطالعة وتحضير الامتحانات وحضور حلقات بالمسجد النبوي للوعي والإرشاد لأبي بكر الجزائري رحمه الله الذي ألّف كتاب منهاج المسلم الذي ترجم إلى عدد لغات حية بما في ذلك اللغة الفرنسية،

وبعد ثبوت شهر ذي الحجة قررنا الذهاب إلى مكة المكرمة ومسقط رأس الرسول صلى الله عليه وسلم وغادرنا محل الإقامة حاملين لباس الإحرام قاصدين بيار علي والإحرام للعمرة قاصدين أول بيت وضع للناس هدى وبشرى للعالمين، وصلت بنا الحافلة في موقف للحجاج وغادرناه متوجهين لطواف القدوم، ويتذكر الإنسان ذلك القلب الحي الذي تغيرت دبدبة نبضاته ودقاته فور رؤيتي للكعبة المشرفة حيث تلبيتي لنداء سيدنا إبراهيم وأداء فريضة جعلها الله مدرسة أجوروها عظيمة، وخاصة أنني كنت في عفوان شبابي خمسة وعشرون سنة، إن أدائي لهذه الفريضة كانت بالنسبة لي بمثابة تلقيح وتطعيم ضد الانحراف وسوء الأخلاق الذي قد يكون الشباب مدمناً لها، وذلك لسوء بيئته وتربيته رحم الله من كان سبباً لوجودي في هذه البسيطة وعاملاً أساسياً لإتقان اللغة العربية ورسائله التي كنت أتوصل بها أثناء وجودي بأرض المهجر وما تحمله من توصيات ونصائح وأطال الله عمر والدتي التي كانت وما زالت وستبقى دائماً داعية لي بالهداية والابتعاد عن ما لا يحمد عقباه، وأتمنى لكل مسلم حسن إسلامه وكل مؤمن بالله وكتبه ورسله.

أداء هذه الفريضة رغم الصعوبات التي تعرفها الظروف الحالية ووجود أيادي خفية تجعل من هذا الركن تجارة ذات أرباح طائلة ويستفيد منه غير المسلمين، وسوف أتطرق لهذا الموضوع مستقبلاً.   يتبع ……

 


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading