سخرية الأحداث و عبث النهاية في رواية “أكدالوكس”

يوسف المتنبي : باحث في الشأن الأدبي و التربوي

تعتبر رواية ” أكدالوكس” للكاتب المغربي يوسف توفيق، باكورة عمله الروائي، فهي رواية صادرة عن دار أكورا، والكاتب يوسف توفيق باحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وهذه الرواية هي من الروايات التي اختارت في تشييد معالمها السردية، نمط السخرية الذي تتبطنه مجموعة من الرسائل اللاذعة والأفكار المهمة، والمواضيع المتعددة.

الرواية تصور لنا وقائع موظف عين باحدى المصالح المركزية لإدارة السجون، وينتمي إلى جهة الجنوب الشرقي، يختار هذا الموظف السكن في حي “أكدال” وما أدراك ما أكدال الحي الذي تسكنه الطبقة المخملية و المرموقة من نخبة الأغنياء و ذوي المناصب السامية، وكلمة “أكدال” كما جاء في تصدير الرواية، كلمة أمازيغية تعني المكان المحمي،…يختار هذا الموظف حي أكدال ليكون في مستوى منصبه…غير أن هذا الموظف ستستهويه غواية التنقيب والتمحيص في ساكنة العمارة، ومن خلال هذا تأخذ الرواية مسارا آخر في تصوير المكان ” أكدال” وتغوص في تناقضات من ينتمون وينتسبون سكنا إلى هذا الحي، يقول السارد”

أكدال سجن الطبقة المتوسطة …تستطيع وأنت تجوب وديان أكدال وجباله …أن تستجمع صورا كثيرة للفصام الاجتماعي، رجال ونساء يسعون بلا هوادة إلى الظهور في مظهر الرقي الاجتماعي”ص71.

هكذا تسحب  الرواية ثوب الرقي عن اكدال، وتمعن في كشف الوجه المأساوي لأكدال ذو الواجهة البراقة الخادعة، والخلفية المعتمة، وتتجلى براعة الكاتب في أن جمع الشخصيات في عمارة واحدة، ويقوم بتحريكها فوق ركح الرواية بسخرية لاذعة تجعل المتلقي ينساب مع خط هذا النقد المحمول بنفس يتراوح بين السخرية و التهكم في حيوات سكان أكدال، ويجمع السارد هذه الشخصيات المهووسة بالظهور تحت مصطلح ” الأموأكداليكوس”، جاء في منطوق الرواية: ” الأمو أكداليكوس جنس بشري لا يعترف بالجوهر، كل همه تلميع واجهته الخارجية، مايهمه هو ما يطفو في القشرة الخارجية من الوجود، ولا يلتفت إلى الطبقات السفلى من المعنى”ص72.

فالمهندس والطبيب والفاسية والعقيد والحاج …أو غيرها من شخصيات حي أكدال كلها تندرج ضمن هذه التسمية.

إلى جانب النقد اللاذع لحي أكدال، يتوازى خط السرد الواصف لحي أكدال، مع خط آخر، وهو إدارة السجن، حيث تأخذنا الرواية إلى اكتشاف مستنقعات الفساد الإداري، جاء في الرواية:

” من يشتغل هنا لا يخرج عن اثنين إما حاصل على شهادة عليا في تخصص نادر، وإما جاء بوساطة قوية لقريب من جهة عليا…ولا يبقى من الاحتمالين إلا أن يكون له حظ يفتت الحجر مثلي، تماما”.

إنه عالم يضج بالمتناقضات، ولا سبيل للمنطق على فهمه فالرواية عبر متوالية الخطاب السردي الساخر تكشف المستور من طرق التسلق غير المشروعة في الوظائف المرموقة داخل الإدارات:

” جاءت الدلوعة بدون أية خبرة وخالية إلا من شهادة يتيمة لكنها سريعا بدأت تفهم كل شيء …طولها متناسق مع وزنها مما يجعلها في غاية الرشاقة تستثمر في لباسها وتنتقي ألوانا حارة، وعطورا أفروديزية تهيج الشهوة… عين الدلوعة رئيس قسم وهو المنصب الذي يستحيل بلوغه في إدارتنا بدون أن يغزوا الشيب مناطق حساسة من جسدك”.

وفي وجه آخر تكشف الرواية عن الظلم الذي ينزل على الضعفاء وذوي الضمير المهني ، إذ هم حاولوا التعرض لأصحاب المصالح وحالوا دون تحقيق رغباتهم، فالعزل والنأي هو ماينتظرهم: ” جاء قرار الإعفاء من المسؤولية والانتقال إلى سجن في جنوب البلاد مستقوعا بتلك العبارة الشهيرة التي يمكن أن تطوح بأي موظف في جهنم دون أن يسمى عليه أحد:

  • من أجل تحقيق المصلحة الإدارية وفي إطار إعادة الانتشار…”

 

عبثية النهاية:

 

تأتي نهاية هذه الرواية الغريبة، لتؤكد عبثية الأحداث السابقة فيها، وتنبه القارئ الذي كان يظن أنه مع أحداث واقعية ومنطقية، كان واهما …فالأحداث كلها كوابيس وأحلام ناتجة عن مرض نفسي يسمى” اضطراب الهوية التفارقي” لدى حارس أمن داخل السجن، نتيجة صدمة نفسية إثر هروب فاشل لأخطر مجموعة من السجناء، وحي أكدال ماهو إلا حي في السجن يسمى  أكدالوكس، جناح مرموق داخل السجن تسكنه مجموعة من السجناء يتمتعون بامتيازات.

هكذا تنتهي الرواية مخلفة تساؤلات كثيرة لنهايتها العبثية، التي حولت خطاب  حكاية الرواية إلى مجرد  خيوط مخبولة نسجها حارس السجن كمال جبرون تحت تأثير صدمة نفسية .


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading