أخنوش : معدل نمو الاقتصاد الوطني سيتراوح بين 5ر1 و7ر1 بالمائة خلال سنة 2022 (معه كلمته)…
أفاد رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش اليوم الاثنين، أن المعطيات الحالية التي أخذت بعين الاعتبار آخر التطورات على الساحتين الوطنية والدولية تشير الى أن الإقتصادي الوطني سيعرف معدل نمو يتراوح ما بين 5ر1 و7ر1 بالمائة خلال سنة 2022، بدلا من معدل 2ر3 في المائة المتوقع في قانون المالية.
وأوضح السيد أخنوش في معرض رده بمجلس النواب على سؤال محوري حول “وضعية الاقتصاد الوطني في ظل التقلبات المناخية والجيو استراتيجية” ضمن جلسة الأسئلة الشفوية الشهرية الموجهة لرئيس الحكومة، أن معدل النمو المتوقع يتأثر أساسا بتراجع القيمة المضافة الفلاحية ب 11 في المائة مقابل زائد 18 في المائة المسجلة خلال الموسم الفلاحي الفارط.
كلمة رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش :
يشرفني أن أحضر مرة أخرى بمجلسكم الموقر، في إطار أحكام الفصل 100 من الدستور، للإجابة عن أسئلتكم المتعلقة بتأثير التقلبات الجيوستراتيجية والمناخية والوبائية على الاقتصاد الوطني.
فكما تعلمون، يعيش العالم منذ سنة 2020 على وقع أزمات متتالية، انطلقت بأزمة كوفيد-19 التي تسببت في ركود اقتصادي غير مسبوق، ومع بروز آمال تحسن الوضعية الصحية وبداية انتعاش الاقتصاد الدولي، تسبب ارتفاع الطلب العالمي مطلع 2021، في أزمة جديدة وغير مسبوقة مرتبطة بارتفاع جل أسعار المواد الأولية. وتفاقمت في بداية هذه السنة حدة التضخم على خلفية تصاعد الاضطرابات والصراعات الجيوستراتيجية، واندلاع الحرب الجارية في أوكرانيا، وهو ما شكل صدمة بالنسبة للاقتصاد العالمي.
وقد وصلت حدة التوترات التضخمية إلى مستويات استثنائية، سواء في الاقتصادات المتقدمة أو الصاعدة؛ فبلغت نسبة التضخم، التي تقيس نسبة ارتفاع أسعار السلع والخدمات، 8,5% في الولايات المتحدة و7,5% في منطقة اليورو، وما يقارب 9,8% بإسبانيا، و61% في تركيا و11 % في البرازيل.
وفي ظل هذا الوضع المضطرب، فمن المتوقع أن تعرف معدلات النمو تراجعا مقارنة مع توقعات ما قبل الحرب. فبعد أن كانت التوقعات تتنبأ بأن الاقتصاد العالمي سيعرف نموا بحوالي %4,4 سنة 2022 مقابل% 5,9 سنة 2021، صار من المؤكد، حسب صندوق النقد الدولي، أن يعرف تباطؤا بسبب ما تعانيه الاقتصادات من اضطرابات في الإمدادات، وارتفاع في التضخم، وتزايد الشكوك حول توفر عوامل الإنتاج. وتشير توقعات الصندوق إلى أن النمو العالمي سيتراجع بحوالي نقطة مقارنة مع توقعات بداية شهر يناير، منتقلا من 4,4% إلى 3,5%. وفي منطقة الأورو الشريك الاقتصادي الأساسي لبلادنا سيتراجع النمو من 3,9% إلى 2,7%.
في مواجهة هذه الأزمات المتوالية، أبان الاقتصاد الوطني عن صلابته ومتانة أسسه بفضل الاختيارات التنموية التي انخرطت فيها بلادنا بقيادة ملكية حكيمة خلال العقدين الأخيرين، وكذلك بفضل التفاعل السريع والاستباقي لجلالة الملك حفظه الله مع تطورات الأزمة الصحية العالمية، وحرصه على جعلها فرصة لإطلاق جيل جديد من الإصلاحات، في إطار نموذج تنموي جديد، يجعل من تمكين المواطن المغربي هدفا أساسيا لكل السياسات.
وقد ساهمت هذه العوامل في أن يستعيد الاقتصاد الوطني عافيته بشكل سريع، وهو ما تؤكده المؤشرات المسجلة نهاية 2021، وبداية هذه السنة.
هكذا، وبعد تراجع النمو ب -6,3% سنة 2020، من المتوقع أن يحقق الناتج الداخلي الخام نموا يفوق 7% سنة 2021، ارتباطا بالأداء الاستثنائي للقطاع الفلاحي خلال السنة الماضية وارتفاع القيمة المضافة الفلاحية بـما يناهز 18%، هذا إلى جانب الدينامية التي عرفتها القطاعات غير الفلاحية، حيث استعادت معظم الأنشطة عافيتها بعد الأزمة. وبذلك، سجلت القيمة المضافة غير الفلاحية ارتفاعا يناهز 6% مقابل توقعات أولية ب+3,9%، أي ارتفاعا يفوق نقطتين.
كما عرفت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج ارتفاعا استثنائيا بنسبة تقدر بـ+36,8%، لتصل إلى مبلغ قياسي قدره 93,3 مليار درهم سنة 2021.
هذا وقد استمرت نفس الدينامية الاقتصادية ببلادنا، مع بداية سنة 2022، حيث من المتوقع أن يحافظ الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي على ديناميته المتوقعة برسم قانون المالية لسنة 2022.
وفي هذا الإطار، تؤكد المؤشرات الظرفية الحالية المنحى الإيجابي للاقتصاد الوطني، نظرا للتحسن الذي تعرفه الأنشطة الصناعية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة، خصوصا منها قطاعات الطاقة، والبناء والأشغال العمومية، وقطاع المناجم، والصناعات الغذائية، والنسيج، وصناعة الطائرات.
كما يعرف الاستثمار تطورا إيجابيا، كما يدل على ذلك الارتفاع المسجل في واردات المواد التجهيزية والسلع نصف المصنعة، بنسب بلغت على التوالي +18,5% و تقريبا +52% نهاية شهر فبراير 2022 مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية.
وبالنسبة لقطاع البناء والأشغال العمومية عرفت مبيعات الإسمنت ارتفاعا يقدر ب+5,8% نهاية شهر فبراير 2022 مقارنة بنفس الفترة من سنة 2021. وعرفت صادرات مشتقات الفوسفاط ارتفاعا ب+96% نهاية شهر فبراير 2022 مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية. كما ارتفعت صادرات الصناعات الغذائية ب13,8%، وصادرات النسيج ب26 %، وصادرات قطاع الطائرات ب53%، والصناعات الإلكترونية والكهربائية ب23 %، وصادرات قطاع السيارات ب +4%.
وبالنسبة للطلب الداخلي، يعرف استهلاك الأسر تطورا إيجابيا، على إثر المنحى الإيجابي الذي تعرفه أهم محددات الدخل ونتيجة للإجراءات التي اتخذتها ولازالت تتخذها الحكومة حفاظا على القدرة الشرائية للأسر المغربية. كما استمرت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج في مستوياتها المرتفعة لتبلغ 13,1 مليار درهم نهاية شهر فبراير 2022.
بالنسبة للقطاع الفلاحي، فمن المتوقع أن تؤثر قلة التساقطات المطرية على الموسم الحالي، حيث من المنتظر أن يتراجع محصول الحبوب، مقارنة بتوقعات قانون المالية لسنة 2022 التي حددته في 80 مليون قنطار. إلا أنه وبفضل المجهودات المبذولة في إطار مخططات المغرب الأخضر والجيل الأخضر، تقلصت نسبة ارتباط القيمة المضافة الفلاحية بزراعة الحبوب بفضل ازدهار الزراعات المثمرة ذات القيمة المضافة العالية. إذ عرفت صادرات الخضر ارتفاعا يقدر ب18+%، وصادرات الحوامض ارتفاعا يقدر ب+37%. كما عرفت صادرات المنتجات البحرية ارتفاعا سواء من حيث القيمة (+44%) أو من حيث الحجم (+17%) خلال شهر فبراير 2022.
ومن شأن التساقطات المطرية التي عرفتها بلادنا مؤخرا، الحفاظ على مستويات إنتاجية جيدة فيما يخص الزراعات الربيعية والصيفية التي من شأنها الحفاظ على تموينات منتظمة سواء بالنسبة للأسواق الداخلية أو الخارجية. وهو ما سيقلص من التراجع المتوقع في الناتج الداخلي الفلاحي.
وعلى العموم، فإن المعطيات الحالية، والتي أخذت بعين الاعتبار آخر التطورات على الساحتين الوطنية والدولية، تشير إلى أن الاقتصاد الوطني سيعرف معدل نمو ما بين +1,5% و+1,7% خلال سنة 2022 بدلا من معدل +3,2% المتوقع في إطار قانون المالية، متأثرا أساسا بتراجع القيمة المضافة الفلاحية المتوقع ب-11%، مقابل +18% المسجل خلال الموسم الفلاحي لسنة 2021.
أما فيما يتعلق بالناتج الداخلي الخام غير الفلاحي، فمن المتوقع أن تعرف معدل نمو يناهز +3,1% سنة 2022.
كما أن معدل التضخم، حسب المندوبية السامية للتخطيط، بلغ 3,6٪ في فبراير 2022 مقارنة بالسنة الماضية. ويعزى ذلك إلى ارتفاع مؤشر المنتجات الغذائية بنسبة 5,5٪ والمنتجات غير الغذائية بنسبة 2,5٪.
ومع ذلك يتعيـن التعامـل مـع هـذه الأرقـام بحـذر، بالنظـر إلى حالـة الشـك التـي تخيـم علـى الظرفيـة الدوليـة، حيـث الأمل معلـق علـى خروج العالم من هذا النفق، مما سيسـهل اسـتئنافا كاملا للنشـاط الاقتصادي لبلدنا.
إن الأزمة الروسية الأوكرانية ومخلفات فيروس كورونا بالإضافة إلى تداعيات التقلبات المناخية، كلها دوافع تسلط الضوء على أهمية تسريع تنفيذ الاستراتيجيات الكبرى المتعلقة بضمان الاكتفاء الطاقي وحماية الأمن الغذائي.
لقد كان جلالة الملك حفظه الله، برؤيته المتبصرة والحكيمة، قد شدد التأكيد، في خطابه السامي الموجه للبرلمان خلال افتتاح الدورة الخريفية لهذه السنة التشريعية، على ثلاثة أبعاد استراتيجية “لتعزيز مكانة المغرب، والدفاع عن مصالحه العليا، لاسيما في ظرفية مشحونة بالعديد من التحديات والمخاطر والتهديدات” وفي مقدمتها، “عودة قضايا السيادة للواجهة، والتسابق من أجل تحصينها، في مختلف أبعادها، الصحية والطاقية، والصناعية والغذائية، وغيرها، مع ما يواكب ذلك من تعصب من طرف البعض”.
وفي هذا الصدد كذلك، أكد الخطاب الملكي السامي الموجه إلى ممثلي الأمة على “ضرورة إحداث منظومة وطنية متكاملة، تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، لاسيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية” التي من شأنها أن تعزز كما ورد في الخطاب الملكي “الأمن الاستراتيجي للبلاد”.
وقد تجاوبت الحكومة مع التوجيهات الملكية السامية ومع انتظارات المواطنين، فبذلت جهودا استثنائية للتعاطي مع تداعيات هذه الأزمة المتعددة الأبعاد. واليوم، ولله الحمد، تؤكد كل المؤشرات الماكرو اقتصادية نهاية سنة 2021 وبداية سنة 2022، صمود اقتصادنا الوطني في مواجهة هذه الظرفية الدولية والوطنية الصعبة، كما أنه، على المدى القريب والمتوسط، وخاصة خلال هذا الشهر الكريم، سيتواصل تزويد السوق الوطني بالمواد الأولية بشكل منتظم وكاف، خصوصا من المواد الطاقية والغذائية.
لابد من التذكير بأنه كان للحكومة الجرأة لاعتماد فرضيات واقعية خلال الإعداد والمصادقة على قانون المالية لهذه السنة، رغم أن البعض اعتبرها قليلة الطموح آنذاك.
ونتذكر جميعا النقاش الذي كان أثناء عرض مشروع قانون المالية..
واليوم، يتبين بالملموس أن الحكومة اختارت الصدق والواقعية.
ونحن على وعي أننا كسائر دول العالم، نجتاز مرحلة من اللايقين الاقتصادي، ومن الصدمات المتتالية التي يمكن أن تفندكل الفرضيات.
وقد عملت الحكومة منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، وقبلها أثناء مواجهة تداعيات كوفيد 19 على اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات وتدابير عمومية مستعجلة لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، وضمان تزويد الأسواق بكل المواد الغذائية والأساسية، رغم أن الظروف الخارجية المفاجئة والتحولات المناخية غير المستقرة، أربكت الفرضيات التي اعتمدها القانون المالي المبنية على توقع نسبة نمو 3.2٪، وهي فرضيات كانت تتماشى مع التوقعات العالمية لشهر أكتوبر 2021 وكانت مواتية للاقتصاد الوطني.
وفي ظل الوضعية المضطربة التي نعيشها وما رافقها من توترات تضخمية، خصوصا فيما يتعلق بأسعار المواد الطاقية والغذائية، أعطت الحكومة أولوية قصوى لتتبع كل التطورات المتعلقة بالأسعار واتخذت مجموعة من التدابير لضمان استقرارها حفاظا على القدرة الشرائية للأسر المغربية.
فلا بد من التذكير أن أسعار بعض المواد بلغت مستويات قياسية وغير مسبوقة، منذ بداية سنة 2022، حيث تجاوزت أسعار البترول سقف 133 دولار للبرميل، مع متوسط 99,4 دولار للبرميل خلال نفس الفترة. كما سجلت أسعار الغاز ارتفاعا تاريخيا، حيث بلغت سقف 1090 دولار للطن، ومتوسط 890 دولار للطن خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2022.
وكذلك الحال بالنسبة لأسعار المواد الغذائية المستوردة التي عرفت بدورها ارتفاعا كبيرا خلال الأسابيع القليلة الماضية، خصوصا منها القمح والسكر، حيث بلغت أسعار القمح سقف 457 دولار للطن حتى لـ 500 دولار للطن، ومتوسط 358 دولار للطن، فيما بلغت أسعار السكر سقف 463 دولار للطن، ومتوسط 440 دولار للطن خلال نفس الفترة.
أمام كل هذه التحديات، تجاوبت الحكومة من خلال تعبئة موارد مالية استثنائية، وتصويب اختياراتها الميزاناتية بدقة واستباقية وفعالية.
فقد بلغت مخصصات صندوق المقاصة 21,1 مليار درهم متم سنة 2021 مقابل توقعات كانت في حدود 12,5 مليار درهم نفس السنة. ومن المتوقع أن ترتفع تحملات صندوق المقاصة بما يفوق 15 مليار درهم إضافية، مقارنة بتوقعات قانون مالية سنة 2022، التي كانت قد حددتها في 17 مليار درهم.
وقد بادرنا كذلك إلى التنسيق مع المهنيين من أجل استقرار الأثمنة والحفاظ على مستواها المناسب والمعتاد. وستكون مجموعة من المواد الاستهلاكية محل تتبع ومراقبة، بحيث ستعمل الحكومة على اتخاذ قرارات صارمة كلما وقفت على أي تجاوز كيفما كان نوعه.
كما استجابت الحكومة لنداء مهنيي النقل وخصصت دعما ماديا لهم حفاظا على استقرار أسعار النقل، في مواجهة الارتفاع غير المسبوق لأسعار المحروقات عالميا، حيث ستستفيد من هذا الدعم حوالي 180 ألف عربة، تنتمي لفئات مهنية مختلفة.
وستتخذ الحكومة التدابير الضرورية للحد من آثار ارتفاع أسعار المواد الأولية على المقاولات الوطنية وخاصة الصغيرة والمتوسطة التي تشتغل في إطار الصفقات العمومية.
على الرغم من المجهودات المبذولة لمواكبة هذه الظرفية، والتي تطلبت تعبئة اعتمادات مالية هامة، واصلت الحكومة العمل على مجموعة من الالتزامات التي تعهدت بها من خلال البرنامج الحكومي.
وهكذا فقد بادرت إلى إطلاق مجموعة من البرامج الاجتماعية والتنموية الواعدة وفي مقدمتها “أوراش“، و”فرصة” وتفعيل مشروع السجل الاجتماعي، وتخصيص حوالي 8 مليار درهم كزيادة في كتلة الأجور، لأداء متأخرات ترقية الموظفين بعد سنتين من التجميد، وتسوية وضعية عدد من الموظفين (لا سيما في قطاع الصحة) وضخ 13مليار درهم في الاقتصاد الوطني لأداء مستحقات المقاولات من الضريبة على القيمة المضافة.
وقد كان لهذه الإجراءات وقع إيجابي على القدرة الشرائية للمواطنين، حيث حالت دون وقوع صدمات على مستوى الأسعار. ولولا منظومة الدعم والإجراءات ذات الطابع الاجتماعي التي اتخذتها الحكومة بتوجيهات ملكية سامية، فإن واقع الأسعار كان سيتخذ منحنيات رهيبة.
ومواكبة منها للقطاعات المتضررة من الأزمة، استجابت الحكومة كذلك لملتمس العاملين في القطاع السياحي، وخصصت 2 مليار درهم لإنعاش القطاع.
كما أنه، وبتوجيهات ملكية سامية، نفذت الحكومة المخطط الاستعجالي لمواجهة آثار ضعف التساقطات، بتخصيص غلاف مالي يناهز 10 مليار درهم لدعم القطاع الفلاحي أمام التداعيات المناخية التي طبعت الموسم الفلاحي الحالي.
ولا بد من الإشارة هنا أن إرساء دعائم حوار اجتماعي حقيقي بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين يعتبر الوسيلة الأسلم والطريقة المثلى من أجل تقليص منسوب التأثيرات السلبية وتحسين المناخ الاجتماعي والاقتصادي، وإيجاد حلول مبتكرة وتسوية متوازنة بين الأطراف المتدخلة. ولهذا فالحكومة عازمة كل العزم على تحويل الحوار الاجتماعي إلى فضاء لصناعة الحلول خصوصا في هذا الظرف الاستثنائي وبلورة الخيارات الاجتماعية التي تتماشى مع الأولويات الاجتماعية.
صحيح أننا في قلب مرحلة عصيبة يمر منها الاقتصاد المغربي والعالمي، ولا شك أن الأزمة الروسية الأوكرانية ومرحلة ما بعد كوفيد وتداعيات ضعف التساقطات، سيكون لها تأثير على التوازنات المالية والاقتصادية. لكن من اللازم أن أؤكد لكم أن الحكومة متمسكة بكل التزاماتها الواردة في البرنامج الذي حصل على ثقتكم الدستورية خصوصا في شقه الاجتماعي.
كما من اللازم أن أؤكد لكم أن حماية القدرة الشرائية للمواطن والاستثمار في القطاعات الاجتماعية، وتقوية الوظيفة الحمائية واجب وطني ستحرص الحكومة على الوفاء به.
وإن الحكومة عازمة على مواصلة العمل على توفير الموارد الضرورية لمواجهة التبعات المالية لهذه الظرفية الاقتصادية الصعبة، والحفاظ على توازنات المالية العمومية، وكذا مواصلة تمويل البرامج التي تم الالتزام بها في إطار قانون المالية، والتي يأتي على رأسها تعميم الحماية الاجتماعية الذي عرف تقدما كبيرا في تنزيله، من خلال المصادقة، وفي ظرف الأسابيع الأولى من عمر هذه الحكومة، على ما لا يقل عن 20 مرسوما، تستهدف بالأساس فئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، والذين يفوق عددهم 3,5 مليون منخرط، وهو ما سيمكن من استفادة 11 مليون من ذوي الحقوق. وإلى غاية بداية شهر أبريل، فاق عدد المسجلين من هذه الفئات في صندوق الضمان الاجتماعي 1.700.000 منخرط.
ومن جانب آخر، فإن الموارد الضرورية متوفرة بما يكفي لتمويل برنامج الحماية الاجتماعية. ذلك أن مجموع الموارد المتوقعة برسم سنة 2022 لصندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي تبلغ 13.4 مليار درهم، سيتم تخصيص ما يناهز 4,2 مليار درهم منها لتعميم التأمين الإجباري عن المرض لفائدة الفئات الهشة المستفيدة حاليا من نظام راميد، بينما سيخصص غلاف مالي يقدر بـ 5 ملايير درهم لتمويل مختلف البرامج الاجتماعية الحالية، خصوصا المساعدة المباشرة على التمدرس (تيسير، ومليون محفظة…).
هذا ونظرا للتحديات المتزايدة التي تفرضها الأزمة الصحية العالمية الحالية من جهة، ولمتطلبات إنجاح الورش الاجتماعي الكبير المتعلق بالحماية الاجتماعية من جهة أخرى، ستعمل الحكومة على مواصلة إصلاح المنظومة الصحية الوطنية، الذي أطلقته تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية. حيث سيتم توجيه الجهود نحو تأهيل العرض الصحي من خلال تعبئة الإمكانيات المالية الضرورية للنهوض بالمراكز الصحية الأولية، والمراكز الاستشفائية الإقليمية والجهوية والجامعية. هذا إلى جانب تثمين الموارد البشرية الصحية، وإرساء حكامة جديدة للمنظومة الصحية.
وبالموازاة مع ذلك، ستعمل الحكومة على مواصلة إصلاح التعليم، عبر اتخاذ ما يلزم من تدابير لضمان استعادة المدرسة العمومية لدورها المزدوج في نقل المعرفة والارتقاء الاجتماعي. وذلك من خلال تسريع تعميم التعليم الأولي وتطوير آليات الاستقبال لرعاية الأطفال دون سن الرابعة، مع تكوين مربين متخصصين في تنمية الطفولة المبكرة. هذا إلى جانب العمل على تقوية المعارف الأساسية للأطفال منذ المرحلة الابتدائية، ودعم تمدرس أبناء الفئات المعوزة وخاصة في العالم القروي عبر توطيد المجهودات المرتبطة بإحداث المدارس الجماعاتية، وتطوير النقل والإطعام المدرسي. كما سيتم العمل على توطيد إصلاح نظام التكوين المتعلق بالأساتذة، وإطلاق برنامج لإعادة تأهيل مراكز التكوين الخاصة بهم.
ومن جانب آخر، ستواصل الحكومة تشجيع المبادرة المقاولاتية من خلال توطيد إجراءات المواكبة لفائدة المقاولين الصغار عبر إقرار مجموعة من الإجراءات في إطار إصلاح منظومة الصفقات العمومية، منها الأفضلية في الصفقات العمومية، وتشجيع الاتحادات بين المقاولات، وعقود المناولة، هذا إلى جانب إعطاء دينامية جديدة لبرنامج انطلاقة وتفعيل برنامج “فرصة” الذي تم إطلاقه يوم 7 أبريل والذي يهدف إلى منح قروض شرف بدون فائدة، مع تقديم المواكبة والتوجيه والتكوين، باعتمادات إجمالية تقدر ب 1,25 مليار درهم.
وبالموازاة مع هذه المشاريع والتدابير الهامة، ستواصل الحكومة مجهوداتها الرامية إلى إنعاش التشغيل من خلال استكمال إعداد ميثاق الاستثمار، والرفع من وتيرة الاستثمارات العمومية، بما في ذلك استثمارات صندوق محمد السادس. كما ستعمل الحكومة على مواصلة تنزيل برنامج أوراش، الذي تم إطلاقه في كل الجهات والأقاليم والذي خصصت له ميزانية 2,25 مليار درهم هذه السنة، بالإضافة لمواصلة تنفيذ السياسات القطاعية كالجيل الأخضر، والتحول الصناعي، والبنية التحتية، والسياحة، والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي.
ولأن ضمان تنزيل هذه البرامج والأوراش الطموحة في ظل إكراهات السياق الوطني والدولي الحالي، لا يستقيم إلا مع استدامة ماليتنا العمومية، فإن الحكومة حريصة كل الحرص على ضمان توازنات قانون المالية، من خلال توطيد مسار الاستعادة التدريجية لهذه التوازنات، مع تعبئة الإمكانات الضريبية والجمركية اللازمة، وتطوير التمويلات المبتكرة، والتدبير النشيط للمحفظة العمومية، مع الاستمرار في تدابير عقلنة التسيير العادي للإدارة.
وفي هذا الإطار، فقد تمكنا بفضل اليقظة والتتبع الدقيق لوضعية المالية العمومية نهاية سنة 2021، من تقليص عجز الميزانية بـ 1,6 نقطة، من % 7,6 من الناتج الداخلي الخام سنة 2020 إلى 6% سنة 2021. ونتيجة لذلك تراجع حجم المديونية بـ 1,5 نقطة، من 76,4% من الناتج الداخلي الخام إلى 74,9%.
وتتواصل نفس الدينامية بداية هذه السنة، حيث ارتفعت الموارد الجبائية بما يفوق 15 مليار درهم أي بـزائد 26% مقارنة بنفس الفترة من سنة 2021.
وبذلك، ستتمكن الحكومة من توفير الإمكانيات المالية اللازمة لتحمل كلفة الدعم الإضافي المخصص لأثمنة بعض المواد الأساسية ومواكبة ارتفاع أسعارها في السوق الدولية، مع الحفاظ على توازنات المالية العمومية ودون اللجوء إلى قانون مالية تعديلي.
فالحمد لله، لم تتوقف خزينتنا عن سداد الديون الخارجية، ولحدود الساعة لم نلجأ لقروض إضافية ولا لاستعمال خط ائتمان مالي؛
ولابد من الاعتراف بأن الحفاظ على وضع طبيعي في سياق أزمات متتالية غير مسبوقة هو مكلف بشكل كبير لميزانية الدولة؛ وهو في ذات الوقت إنجاز مهم يحسب للدولة المغربية.
ومما يعزز الثقة في استدامة توازناتنا المالية في ظل هذه الظرفية الصعبة، هو حفاظ بلادنا على تصنيفها الائتماني من طرف وكالة التنقيط الدولية ستاندار أند بورز Standard & Poor’s، التي أكدت الآفاق المستقرة لتوازناتنا المالية.
لقد راكمت بلادنا تجربة جيدة للصمود أمام الأزمات المتتالية، بل نجحت في تحويلها إلى فرص سانحة للنمو والتطور، حيــث أن الوعــي قائــم لدى كل أعضاء الحكومة بدقة وحساسية المرحلة التي يمر منها الاقتصاد المغربي، لذلك فهي مستعدة لتعبئة كل الموارد الممكنة لاتخاذ ما يلزم من القرارات العمومية، حتى تتلاءم حزمـة الإجراءات المتخـذة مـع طبيعـة الصدمـة المتعـددة الأشكال التـي قد يعانـي منهـا العـرض والطلـب علـى حـد سـواء فـي السـوقين الداخلـي والدولـي.
ذلك أننا نواجه اليوم أزمة اقتصادية وجيوستراتيجية ووبائية منقطعة النظير، يواجهها نظامنا الاجتماعي والاقتصادي على نطاق لم نشهده من قبل في تاريخنا الحديث. ولا يساورنا في الحكومة أي شك أننا سنتغلب على هذا التحدي وراء العزيمة القوية والمتبصرة لجلالة الملك حفظه الله. فإرادتنا قوية على اتخاذ كل ما يلزم لتخفيف الأعباء على المواطنين والمواطنات وهذا هو دورنا الدستوري الذي جئنا من أجله وحصلنا به على ثقة جلالة الملك نصره الله.
التعليقات مغلقة.