الحركة الاسلامية-الأمازيغية : انطباعات أولية

يبدو أن الخطاب المنتج حول الأمازيغية في المغرب في بداية القرن الواحد والعشرين قد عرف تحولات كبرى إن على مستوى طبيعة الخطاب المنتج أو على مستوى بروز فاعلين جدد في الموضوع. ومن بين أهم التحولات في سياق الاعتراف الرسمي بالأمازيغية ظهور خطاب واضح من داخل الحركة الإسلامية، بعدما كان استثناءات طيلة النصف الثاني من القرن العشرين وصراع في غالب الأحيان خاصة بعد صدور كتاب المرحوم عبد السلام ياسين “حوار مع صديق أمازيغي”، هذا التيار يدافع عن الأمازيغية وفق تصور معين يمتاح أساسا من الخلفية والخطاب الإسلاميين، عكس خطاب الرفض والتخوين والتكفير السايقين.

ولذلك أستعمل هنا تسمية “الحركة الاسلامية-الأمازيغية” بدل تسمية “الحركة الأمازيغية-الاسلامية”. ومن تمظهرات هذا التيار ميلاد تنظيمات كالجمعية الأمازيغية لمساندة الشعب الفلسطيني سنة 2010 وجمعية تامازيغت لكل المغاربة سنة 2012 والرابطة المغربية للأمازيغية سنة 2014. وقد نظمت هذه الأخيرة نقاشا رقميا يوم 3 يوليوز 2020 في موضوع “مستقبل الأمازيغية في المغرب في ظل التحولات الراهنة”.

وقد ظهر من خلال النقاش التبني المبدئي للمطالب الأمازيغية في شكل لا يختلف كثيرا عن خطاب الحركة الأمازيغية، اللهم وجود نفحة إسلامية وغياب أي نبرة احتجاجية، مع العلم أن النفحة الإسلامية موجودة أيضا لدى بعض المنتمين للحركة الأمازيغية كالحسين جهادي ومحمد المستاوي واخرون، بل إن عددا مهما من مؤسسي هذه الحركة هم من خريجي المعهد الإسلامي لتارودانت (حسن ادبلقاسم وأحمد الدغرني ومحمد أكوناض …).

وظهور وتطور هذا الخطاب “الجديد” حول الأمازيغية يدفعنا للتفكير إن كانت هذه الفعاليات “الجديدة” تنتمي للحركة الأمازيغية كما عرّفت في القرن الماضي من طرف الحسين واعزي بكونها “مجموع الفعاليات التي تساهم اعتمادا على وعي عصري، وبكيفية فردية أو جماعية وبشكل مباشر أو غير مباشر في الدفاع عن الأمازيغية أو إنماء إحدى مكوناتها من لغة وثقافة وهوية مع الدفع بكافة مكونات المجتمع لتنخرط بدورها في تلك العملية الإنمائية، وتقوم بوظيفتها هذه بواسطة مجموعة من الأفعال أو المواقف ذات الطبيعة الرمزية أو المادية تتسم بنوع من الاستمرار”(واعزي، 2000، ص.4).

وهذا التعريف الذي نسج في سياق معين من مميزاته بحث الحركة الأمازيغية عن شرعية مطالبها ورغبتها في إقناع باقي الفرقاء والفاعلين في الساحة السياسية والثقافية المغربية يسمح بضم الاخرين. ولذلك كان جزء من الحركة الإسلامية، خاصة المنتمون لحزب العدالة والتنمية أو المتعاطفون معهم، أول من وجد لنفسه مكانا في هذا التعريف، بسبب تغير السياق أكيد، ولكن أيضا بفعل التحولات الداخلية لهذه الحركة والتغيرات التي عرفتها بنيتها الديمغرافية بمجيء منخرطين شباب كبروا مع خطاب الحركة الأمازيغية ثم أصبغوه بهوية الخطاب الإسلامي.

وهذا التيار يبحث لنفسه عن موطئ قدم في النقاش العام حول الأمازيغية مع تجنبه للاحتجاج الرقمي أو الميداني حين ينتهك حق من حقوق الأمازيغية لأن ذلك سيضعه في مواجهة حكومة يسيرها حزب قريب منه، وهو ما يجعل خطابه تبريريا لاختيارات الحكومة في هذا المجال. وفي مجال اخر يظهر من خلال بعض خطابات هذا التيار رغبته لنزع البساط من “الحركة الأمازيغية” كي لا تكون الصوت الوحيد الممثل لهذا الموضوع، ان على مستوى الخطاب المنتج حول الموضوع أو على مستوى التمثيليات في المؤسسات المحدثة لتدبير التعدد اللغوي والثقافي في المغرب كالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية أو اللجنة التي ستحدث برئاسة الحكومة لتتبع هذا الملف…

إن ميلاد نواة لحركة إسلامية-أمازيغية وتناميها بشكل واضح في سياق الاعتراف الرسمي بالأمازيغية في بداية القرن الواحد والعشرين، ووجود تيارات أخرى بشكل أقل وضوحا في باقي الأحزاب السياسية، إلى جانب الخطاب الرسمي حول الأمازيغية يجعل إعادة تعريف الحركة الأمازيغية حاجة ملحة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد