الأعرج

 بقلم الفنان عمر أيت سعيد//

كانت قرية موحا من أجمل القرى بالنسبة له ، هو يزرع الورود دائما ويوزعها والامل يملأ قلبه وفؤاده . ينظر للسماء فهي تتكلف بسقي الأرض  لتنبت ربيعا وغلة وتنمو الأزهار وتتفتح الورود وتفوح عطرا وعبقا .

في هذه القرية، الحقول هي فضاء العمل للجميع رجالا ونساء، أطفالا وشيوخا .الكل يعمل بنشاط وحيوية طيلة العام بردا شتاء وحارا صيفا وغالبا ما تكون مواسم الحصاد أكثر جاذبية لان الحقول تعطي غلتها وتمارها بسخاء وجود وكأن الحقول جنان للعطاء .

كان موحا يستمتع ببغله القصير فهو مفخرته التي تعطيه هبة ووقارا ، في فصل الحصاد تستمع النساء بترديدهن لأهازيج الأحيدوس فتتحول الحقول الى مسارح للسمفونيات الرائعة ، ”سمفونيات تمكرا ” ألحان نابعة من معاناة النساء لكنها تخفف عنهن شقاء العمل وتخاطب الروح وتقويها . فما بين الألحان والعمل هناك فرح دفين يبديه الجميع لأن الأرض جادت بما رحبت وأعطت للإنسان ما كان يرجوه طيلة العام.

موحا كان يحب الجميع وكان معجبا جدا بقوة عامل ”أعرج’‘ يعمل بقوة وحماس ويتكلف بمهام صعبة فهو يحمل الحصاد على ضهر البغلة طيلة اليوم ويتبعها ذهابا وإيابا . مرات ومرات …فقصده موحا سائلا ؟ لماذا يا عمي لا تستريح وتختار لك عملا أقل مشقة ؟ مثل أن تجمع وترتب الحصاد فقط في البيدر أو في الحقل ؟ فأجابه الأعرج لا ، لا يا بني ، أنا أعلم علم اليقين كيف ينظر الناس إلي ؟ أعلم انهم يحتقرونني وهم ينظرون الى منظر رجلي والى تبعثر حركتي .

أنا أحس بمرضي وبألمي كل يوم ، ففي كل مرة أنظر فيها الى المرآة أحس أن شيئا ينقص أطراف جسدي ؟ بكيت مئات المرات وحيدا في زوايا مظلمة أثناء الليل ، خالفت الموعد مع الزواج لأن الفتيات لا يرغبن في أعرج مثلي ،خالفت الموعد مع الحياة وبهجتها ومتعتها بسب الألم الذي تسببه لي رجلي المبتورة يوما بسبب خطأ طبي لم يكن لي ذنب فيه …– والقصة طويلة -.كم من مرة سألت نفسي لماذا لا ينظر الناس الى أفعالي واعمالي ؟ الى روحي السلمية ؟ لماذا يستمتعون بالسخرية من جسدي وشكلي ؟؟ لماذا لا يسمعون ولو مرة واحدة لما ينصحهم به دينهم الذي يتبجحون به صباح مساء ؟

رغم مرارة هذه الأسئلة التي لا أجد لها جوابا إلا أني أعيش على بصيص أمل ، فقد علمتني الطبيعة بأرضها وشمسها ومائها أن منطق الكون وجوهره هو العطاء ليس الأخذ فقررت إذن أن أحارب الكره والغيض في كياني ، قررت ان أكون معطاء ، مبتسما رغم الداء والاعداء ، قررت أن أكون صالحا لذا هذا بغلي أرافقه وأعلفه وأعمل به في مواسم الزرع والحصاد. به أحصد قوت يومي ومعيشتي وهذه هي قصتي …فيها فصول بين الجنة والنار تجمع بين البهجة والأنين وقد لا يسعفني  الوقت ان احكي فصولها كاملة  الان ….

تعجب موحا من قوة ”الأعرج” وحلمه وعظمته فلم يجد من الكلمات ما يفي بالغرض لشكره فعانقه بحرارة لأن في العناق اعتراف …فقال موحا في قرارة نفسه والله غريب أمرك يا بلادي كم من طاقة احتقرت وهي العظيمة بأخلاقها وأفعالها وكم من شخصية تم تعظيمها وهي الحثالة والرداءة بعينها تجري وتزحف وتسرق وتعثي في الأرض فسادا .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد