المغرب: من العمق “العربي” الإديولوجي الى العمق الافريقي الهوياتي.

المساعدات الطبية المرتبطة بوباء كورونا التي يقدمها المغرب الآن لعدد كبير من الدول الافريقية تؤكد العودة الريادية للمغرب الى هويته الافريقية، تلك الهوية التي انسلخ عنها نتيجة هيمنة أيديولوجية القومية العربية في النصف الأخير من القرن الماضي، و الآن تعيد الاسلاموية نفس التجربة لكنها نقلت مركز التبعية من قاهرة الناصرية و من بغداد البعثية الى تركيا و قطر المتبنيتين للإخوان.
عودة المغرب الى هويته الافريقية تؤكد بأن المسار التنموي و السياسي الصحيح المغرب مرتبط بعمقه الافريقي و ليس بالشرق الأوسط الذي خسر فيه المغرب الكثير من سنوات تنميته، اعتمد فيها على مساعدات الدول البترولية التي تقدمها له الدول الخليجية، مقابل مساعدته لها امنيا و عسكريا، إضافة الى مساعداته المالية السخية للقضية الفلسطينية منذ الستينات رغم طعنات الغدر التي أصابته منهم و خصوصا فيما يتعلق بقضيته الوطنية.
تغيير المغرب بوصلته نحو افريقيا أي نحو عمقه الافريقي بدأ يعطي نتائجه الاقتصادية و السياسية التي يجنيها من هذا العمق الهوياتي، و هو ما لا تحبذه فرنسا المهيمنة على كثير من الدول الافريقية كما لا تحبذه الجزائر لأنه يسحب البساط منها، كما لا تحبذه بعض دول الخليج لأنه يعطي المغربيه استقلاليته و ريادته الافريقية رغم قلة موارده المالية التي لا تقارن لموارد دول الخليج البترولية و لا بفرنسا و غيرها، إضافة إلى انزعاج جنوب أفريقيا لأنه يسحب البساط الاقتصادي و الريادي من تحتها.
العمق الافريقي للمغرب هو إحدى الركائز الأساسية التي يعتمد عليها المغرب الآن في تنميته ( رابح، رابح) الشيء الذي أثار حفيظة بعض الدول الأوروبية و منها فرنسا التي كانت تعتبر افريقيا مزرعة خلفية لها، و هو ما نراه في بعض إشارات عدم الرضى من هذا التوجه الافريقي للمغرب، منها مثلا التدوينة الأخيرة لسفيرة فرنسا في المغرب حول السيد شكيب بن موسى، و منها انزعاج فرنسا من طريقة معالجة الوباء باعتماده على قدراته الذاتية، و كذا تنسيقه مع بعض الدول الافريقية لمحاربة الوباء..
فالتوجه المغربي السابق نحو الشرق، و تبني الأحزاب القومية و الإسلامية المغربية للقضايا الشرقية، يلقى تشجيعا من فرنسا لأنه يعزل المغرب عن بعده الافريقي، و عزله عن هذا البعد يتيح لها الاستغلال المفرط لمستعمراتها السابقة اقتصاديا و سياسيا. لكن عودة اللاعب الافريقي الجديد الى حضنه الافريقي عبر مشاريع التنمية التي تفيد المغرب كما تفيد البلدان الأفريقية التي تحتضن هذه المشاريع بشعار (رابح، رابح)يزعج فرنسا كما يزعج الدول التي لا تريد للمغرب الاعتماد على عمقه الافريقي الذي سيمده حتما بعناصر القوة على الساحة الافريقية. و هو ما نراه اليوم من بعض الحملات الخليجية التي تصف سكان شمال افريقيا بالبربر او الامازيغ و تنفي عنهم صفة العروبة و تتبرأ منهم و تدعوهم الى الرجوع الى هويتهم بدلا من الانتساب الى العرب طمعا في أموالهم( و قد صدقوا)، لكن ما يزعجهم في الحقيقة هو رجوع المغرب الى هويته الافريقية معتمدا على هويته المتميزة.
فالتوجه القومي الذي طغى سابقا على السياسية المغربية الداخلية (تعريب المغرب و سلخه عن هويته الاصلية أي الأمازيغية و الافريقية ) و الخارجية( تبني مواقف الشرق الأوسط و لو تعارضت مع مصالح المغرب الوطنية و مثالها الصارخ هو تأييد عراق صدام في حربه ضد ايران، و تجييش الأحزاب القومية المغربية الشارع المغربي لمناصرة غزو الكويت من طرف صدام)، هذا التوجه ابان عن فشله و أضاع فيه المغرب سنوات من تنميته، كما جعل الموقف المغربي ضعيفا في افريقيا استغلته الجزائر أيديولوجيا (باستغلال ذكرى ثورتها التحريرية للتوغل افريقيا) و اقتصاديا و ماليا (استغلال ثروتها البترولية في تقديم المساعدات لبعض دولها).
صحيح ان المغرب استفاد ماديا من علاقته بدول الخليج و الشرق الأوسط المسماة عربية لكنه خسر الكثير:
– فالصراع الذي دام 20 سنة بين التيار اليساري القومي في المغرب و بين الملكية في الستينات و السبعينات تمثل في احداث الستينات ثم انقلابين ثم تمرد 73, أضاع عشرين سنة من التنمية في المغرب.
– نفس التجربة يحاول التيار الإسلامي نسخها في المغرب و لكن بطريقة متدرجة و هادئة تم فيها نقل مركز الثقل او القرار الى تركيا، و هو ما نراه اليوم من التعلق الشديد لإسلاميي المغرب بشخصية اردوكان و بايديولوجيته المتبنية للإخوان المسلمين.
مع تغيير السياسة المغربية في العهد الجديد، و انسلاخها بهدوء عن التبعية للشرق و رجوعها الى الهوية الافريقية باعتبار المغرب بلدا افريقيا و ليس عربيا، بدأت العلاقات المغربية الافريقية تتحسن لصالح المغرب على الصعيدين السياسي و الاقتصادي و هو ما ازعج الدول المنافسة للمغرب في افريقيا و منها فرنسا و الجزائر و إسرائيل، و جنوب افريقيا.. و أعطى نفسا قويا لقضيتنا الوطنية، و في نفس الوقت لهويتنا المغربية المتميزة باعتبارها أفارقة أولا.
و في نفس الوقت بدأت حركة التنمية المشتركة تتحرك بين المغرب و بين دول عمقه الافريقي، و هو ما نود ان تتسارع اكثر لأن هذا العمق الافريقي هو السبيل الذي سيساعدنا نحن المغاربة كأفارقة لتحقيق نهضتنا التنموية، و قد سبق لماسينيسا أحد ملوكنا قبل الإسلام ان اطلق شعار ” افريقيا للافارقة” لمواجهة هيمنة الإمبراطورية الرومانية، فلا تنمية و لا نهضة لنا الا بهويتنا المغربية المرتبطة بعمقنا الافريقي.
ذ. الحسن زهور.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد