من تونس: جديد الأديبة منجية حاجي ” نهر الملائكة”

تحرير سعيد الهياق//
من تونس الأديبة منجية حاجي في إبداع جديد؛ قصة قصيرة بعنوان: ” نهر الملائكة”:
معزول عن العالم، يطل من ثقب الجدار، الوضع صعب. قبل شدِّ الحبل كان يسابق الريح، يحرّر نفسه من كل القيود، كل اللعب بيده يعرف متى يبدأها وينهيها متى يشاء. فراشة تصاحب النهر ملائكية الملامح ترتع في عالمها المخملي ترى في الأفق عوالم شتّى من أحلامها، تبني لها مملكة من الرمل، يبعثرها الشذى في الحدائق، هكذا رآها أو خيّل له حين التقت عيناهما في إحدى المناسبات. ذات صباح باهت كانت تختال كأرجوان الأصيل بين كرّ وفرّ صارت صاحبة البيت بين الاستواء على جمرة حبه لتكون فرحة الأم لوحيدها بعد وفاة والده أصبح رجلها الوحيد سند ظهرها وفرحتها التي غادرتها منذ زمن لوعة الفراق، وقد تحدّت الصبر الذي يُذهب عن عينيها النوم. تربعت على مسؤولياتها بين أنياب الذئاب دون أن تسقط في هوّة تنهشها من حيث تدري ولا تدري، كانت كمن يحمل أسطولا، يسحب وراءه دخانا أسود كقوة مميتة ودفاعاتها ضعيفة، رغم الإرهاق تحدّت كل العوامل المؤثرة التي كادت تكسر أجنحتها. حملت كل الأثقال إلى أن أتت ساعة الصفر وعلقتها على شاطىء الأمان لتركن إلى الراحة من قسوة الحياة، وكأنها وضعت حملا أثقل اكتافها العمر كله ليكون بين يد أمينة، لكن لا تزر وازرة وزرة أخرى كغريب الديار ضاعت أصولها كقبر منسيّ. كانت البداية هادئة تحافظ على راحة العائلة بعقلانية إلى أن رزقا بطفل بهيّ الطلعة عمت الفرحة في البيت تدور الأحداث لتنقلب رأسا على عقب وتصبح الأم ضيفة في بيتها تتحاشى الجلوس مع العائلة ليغيب عنها التوتر والنقاش. تغضب حينا وتتجاهل أحيانا المهم ان يكون سندها مرتاحا. يكبر الطفل يعتاد الجلوس في حضن الجدة لغياب امه كامل اليوم في الشغل تمطره بحبها ولم يعد يفارقها وهذا ما أقلق الأم. رددت هي سحابة صيف ستنتهي بمجرد انتهاء الأسباب. ليس ليس لك غيره يا امرأة. لكن طفح الكيل ساغادر البيت. لا هذا ليتي. أين سأذهب؟
لكنها لا تطيقني إلا تعرف أن ابني خلق مني ومن رحمي كما ابنها. يعصف الغضب بالبيت نيبست أطرافها في لحظة ما جمد الدم في عروقها ارتجت الأرض تحت قدميها. الصراخ يملأ الغرفة قادتها خطواتها تسمرت مكانها
أمك لا تلزمني. أين ستذهب ليس لها غيري. لا يهمني فالترحل إلى الجحيم. لن أبقى في البيت. صباحا تخرجها من البيت. تسللت إلى الشارع عانقت الظلام، تبعثرها خطواتها على غير هدى، وفي ركن بعيد اتخذت فراشها الأرض وغطاؤها السماء ودموعها تغرقها. أبي جدتي خرجت من البيت لم أجدها. يندلق في الشارع باكيا وينادي: جدتي … جدتي. سيارة مجنونة تقبره في الشارع بدموع تغسل البراءة قبل أن يجد جدته. لتكون لهما الطامة الكبرى.

منجية حاجي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد