الأديب منير المنيري في رثاء الراحل عبد الله الصالحي

تحرير سعيد الهياق//
الأديب منير المنيري يعيد التوهج الأدبي لرسالة الرثاء بعد رحيل الأستاذ عبد الله الصالحي واحد من الأعمدة التربوية بمعهد محمد الخامس سابقاً بمدينة تارودانت.


عبد الله الصالحي..في رثاء الأستاذية ومديح الأبوية.


كان أستاذا وكنا فتية، فغدونا أساتذة ولكننا ما زلنا نفتقد الأستاذ بداخلنا، أستاذا جعلنا نأخذ من طيبته وبهجته وحيائه ونصائحه قبل علمه، وما أحوجنا حينها للحياة قبل العلم وللنصيحة قبل العمل، وما أحوجنا اليوم إلى أساتذة بحجمه الكبير وتلامذة بحجمنا الصغير أمامه في تلك القاعات الصخرية بالمعهد، التي نصغي فيها ونتماهى مع دروسه واستطراداته ونكاته التربوية والاجتماعية.
كان يبدو أستاذا زاهدا، يترجل من منزله الطريق إلى الثانوية بجلابيبه ذات الألوان الباردة، تبدو قامته الطويلة للعيان من بعيد أكثر من أي شيء فيه، أما الذي يقترب منه حد التماهي فيلمح نفسا طيبة ووجها بشوشا ولسانا يقذف بالحق ولا ينافق أحدا.
في حصته يتساوى الجميع: المتفوق والمتعثر، الفقير والغني، وفي بعض الأحيان المشاغب والمنضبط، فما يهم في درسه هو أن يبث ما في صدره ويقول كلمته ثم يمضي في آخر الحصة مبتسما إلى منزله كما أتى منه.
إنه الأستاذ الذي تقابله في الصف أول مرة ظنا منك أنه أستاذ كباقي الأساتذة، ولكنك في نهاية الموسم الدراسي تكتشف أنك أمام أب وإنسان قبل أستاذ مادة العربية، تدرك كثيرا من تفاصيل حياته، كاسم أبنائه وعملهم، وبعض معاناته السابقة في جبال سوس مدرسا، وخزانة أبيه التي يزورها سنويا بقريته ويقوم بتشميسها وتنظيفها خوفا عليها من الأرضة، وبعض عادات قريته وقبيلته والعلماء من أسرته المشهورة بالعلم والعلماء والمناضلين والشرفاء وما ذلك منه إلا عن حسن نية وطيبة لا يكدرها إلا شغب تلميذ مما قد يخرج ما في صدره من غضب، ولكن لحسن حظنا سرعان ما ينطفئ في آخر الحصة الدراسية، لنلتقي به في الحصة المقبلة وقد عاد كما كان رجلا يميل إلى الهزل المحلى بالحكمة، والرأفة وحب حكاية الطلبة القادمين من المدارس العتيقة الذين يشاركهم كثيرا قراءة الأحزاب وإقامة العقائق والحفلات الدينية في منازل الأعيان، تاركا لهم قسمته من المال رأفة بهم وعطفا عليهم وحبا في التمسك بهذه السنة الحميدة التي تجعل الأستاذ ملازما ومشرفا على طلبته حد الصداقة الحقيقية التي تنذر اليوم بين الأساتذة وطلبتهم حتى في الجامعات والمعاهد العليا.
إنه الأستاذ عبد الله الصالحي، من رآه في جبة فقيه يحسبه أنه بعيد عن الحياة وفنونها، ولكن من جالسه أو تتلمذ على يديه سيلمح من بعض الإشارات والتنبيهات أنه إنسان عاشق للحياة بكل مباهجها من الأطباق الفاخرة اللذيذة إلى زيارة البقاع والمدن الساحلية الجذابة، إنه أنموذج الأستاذ المتزن الذي يصقل تلامذته بالعربية ويشاركهم انشغالاته الفكرية وهموم حياته، أو بكل بساطة إنه الأستاذ الذي يسمو بتلامذته ويجعلهم رجالا ونساء بخطابه إياهم بما يخلق بيئة من الإفادة والمتعة في حصة دراسية واحدة.
إنه الأستاذ الذي وجب لنا أن نقف ونحن نقرأ هذه السطور ترحما عليه في هذه اللحظات الحرجة التي منعت عنا تشييعه إلى مثواه الأخير، وندعو له بالرحمة والمغفرة لما منحنا إياه من زهرة شبابه وحسن دعابته وجميل سماحته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد