الفكر القومجي العروبي ووباء الأحادية
منذ أن وجدت الإنسانية أو الجنس الإنساني على الأرض أو با لأصح في الكون ،إن صح التعبير، إنتشر هذا الوباء الملاصق لنا بيننا ولم نتمكن من القضاء عليه ولم ننجح في إيجاد المصل الواقي منه حتى نتمكن من إعطائه إلى أبنائنا ليتم القضاء عليه نهائيآ والتخلص من أثاره المدمرة التي ستقضي ،إن إستمر، على كل مظاهر الحضارة التي وصلت إليها الإنسانية حتى الآن.
بداء هذا الوباء فيما سماه الكثير من الفلاسفة أمثال الفيلسوف الألماني “كارل ماركس” ب “تقسيم العمل” الذي كان حجر عثرة في مسار الإنسانية وتغيير مسيرة الحياة بشكل عام. أدى إلى ظهور الإستغلال والذي أصبح ظاهرة تلازمنا في كل مجالات حياتنا.
إستغلال الأنسان للإنسان وليصبح أكثر غناء وليستعبد الآخرين ويستخدمهم كالعبيد عنده وليظلوا تحت خدمته ورحمته ويلزمهم بطاعته وتحقيق مآربه.
إستغلال الذكر للأنثى وتحويلها إلى خادمة في البيت تخدمه وتخدم أبنائه لتنتهي متعة يشتهيها في الفراش.وساد المجتمع الأبوي البطريركي وتحولت هذا الإستغلال أيضا إلى ظهور ظاهرة البغي (التي تعد أقدم حرفة أو عمل) الذي عرفته الإنسانية .ظهور الهيراركية فيما يسمى السلم الإجتماعي وإنعكاساته الثقافية وذلك حتى في الأسرة الصغيرة وتركيبتها البطريركية التي يسيطر فيها الذكر “الأب” على تسيير الأسرة.
ظهر نظام الدولة الأوثقراطية وسيطرة الحكومة على موارد البلاد والذي رافقه ظهور الطبقات الإجتماعية والتفاوت الطبقي وقيام الدولة بتسيير الدولة و تطبيق القانون.
ظهور المجموعات الإثنية بثقافات ولغات مختلفة وسيطرتها على بعضها البعض و كان ذلك غالبآ بالحروب وإبادة هذه الإثنيات بعضها البعض …وهنا تبلورت الأحادية سواء كانت عرقية إثنية أو دينية ..وزاد في ظهور الأديان المختلفة وفرض دين على دين وعرق إثني على الآخر…!!!وظهرت الشعوب المختلفة بثقافاتها وتراثها المختلف عن بعضها البعض بالرغم من أنها تصب فيما يسمى حضارة الإنسانية الشاملة.
وظهرت ظاهرة الديكتاتوريات الفردية الملازمة للأحادية وزادت في تعميق وباء الأحادية كما ظهر ذلك في النازية الهتلرية في ألماني وإعلائها للجنس الآري وتحقيرها لجميع الأجناس البشرية الأخرى وعلى رأسهم لليهود.
وظهرت ظاهرة الخوف المتزايد عند الإنسان والخوف من البطش به في حالة التعبير عن رأيه وبكل صراحة من قبل هذه الديكتاتوريات أو حتى الخوف من الإستهزاء بأرائه والتي قد تبدوا “غريبة” عند البعض.
وظهر الإستعمار الحديث بسرقة ثروات الشعوب وجعلها أيضآ سوقآ مربحآ لمنتجاته
وإ ستشرد وباء الأحادية الفتاك كمظهر لمعظم الثقافات الإنسانية وإضطهدت شعوب كثيرة من العالم الإنساني . وفرضت لغات لم تكن ذات قيمة لإرتباطها بدين معين على بلاد لها ثقافة وإرث حضاري كبير،بل فرض عليها نكران هويتها وثبني لغة وهوية المستعمر.وحددت إمكانية التطور بالنسبة لشعوب وإنكرت حقوقيتها وظهورها التاريخي إلا تحت راية المستعمر؛ وكمثال لهذا ما حدث للأمازيغ تحت نشر الإسلام وفرض “التعريب” في الشمال الأفريقي.
وتظهر أحادية الفكر القومجي العوروبي في ديكتاتورية القذافي في ليبيا الذي أصبحت عقوبة السجن والتعذيب بل حتى التهمة بالإنتماء والعمالة للقوى الأجنبية لكل من يقول إنه أمازيغي بل وأكثر من هذا هو تزييف تاريخهم والكذب على هويتهم ونسبها إلى الجنوب الغربي للجزيرة العربية وما يسمى اليمن ، بل منعوا من إستعمال لغتهم الأم في الشارع فحسب بل ومنعوا حتى من إستخدام تسمية بناتهم وأبنائهم بالأسماء الأمازيغية…!!!
وتجلت ظاهرة الأحادية في ليبياحتى أيام أن كانت ليبيا مملكة وقبل وصول الإنقلابيين العسكر إلى السلطة في محاولة طمس النضال الليبي ضد المستعمر الإيطالي بتمجيد دور الحركة السنوسية فقط والتي كانت عبارة عن حركة دينية جاء بها “محمد علي السنوسي” من مدينة “مستغانم ” الجزائرية، وتعظيم دور حفيده “محمد إدريس السنوسي” الذي أصبح “أمير برقة” بمساعدة بريطانيا في عام 1948.ثم أيضآ ليصبح ملك المملكة الليبية المتحدة في عام24.12.1951 وفي أثناء حكمه تم التضخيم والتركيز على دور عمر المختار الذي أصبح الليبي الوحيد الذي قاوم الطليان ،وضخم دوره بطريقة مبالغ فيها وتمإدخال هذا الدور في مناهج التدريس المختلفة، وإنكار دور المناضلين غيره وبالذات في طرابلس.فلم يتعلم التلاميذ ولا الطلبة أي شيئ عن حركة النضال في طرابلس الغرب إلا القليل النادر وطمس دور المناضل الليبي الأمازيغي “سليمان باشا الباروني” والذي أقام أول نظام جمهوري في العالم الإسلامي وسميت “الجمهورية الطرابلسية”، التي لو كتب لها النجاح والإستمرار لكانت تكون جمهورية تظاهي الدول الأوروپية وتكون منارة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط للدول التي كانت تطمح للإستقلال من السيطرة الأجنبية. هذا المناضل الذي أقسم أن لا يحلق شعر رأسه حتى تتحرر بلاده بقوله قصيدة شعرية مشهورة أورد منها المقطع التالي:
“هذا هو الشعر الذي شهد الحروب الهائلات
وعليه أمطرت القنابل كالصواعق نازلات”
ويستمر إلى أن يقول
“ونرى طرابلس العزيزة في ليال زاهية”
هذا المناضل الجليل وغيره من أمثال رفاقه في مجلس رئاسة الجمهورية
“عبد النبي بلخير” إبن مدينة ورفلة ، “أحمد بك المرّيض” إبن مدينة ترهونة ، و”رمضان السويحلي” إبن مصراته
علاوة على الذكر وليس الحصر مناضل نالوت “خليفة بن عسكر” والذي كان معروفآ أيضآ عند المناضلين التونسيين لدوره الذي قام به معهم في مقاومة الإستعمار الفرنسي.
وأكثر من هذا كله نكران دور الرجل الوطني المتحضر والذي كان ينادي بإستقلال كل ليبيا ،ليس كما كان”محمد إدريس السنوسي” راضيآ فقط بالحصول على إمارة برقة.. ذلك البطل الذي كان له دورآ رئيسيآ في نجاح الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتبني مشروع أستقلال ليبيا ذاك هو المناضل المرموق والذي كان يسميه الليبين” الزعيم ” أو “الزعيم بشير السعداوي”.
في كلا النظامين سواء كان نظام المملكة الليبية أو نظام القذافي الديكتاتوري الهمجي ،تمت كل المحاولات لطمس التاريخ الليبي بأحادية قومجية عروبية والتركيز على جانب واحد صفته الأساسية البداوة والنظام المتخلف القبلي
محمد شنيب // طرابلس مايو 2020
التعليقات مغلقة.