عقار كلوروكين و بغرير.

الكلمة الأولى من العنوان ترتبط بالصراع السياسي الآن بين الدول و منها المغرب و مجاله الان الصحة و عقار الكلوروكين.
والكلمة الثانية ترتبط بالصراع الثقافي السياسي في المغرب بين المستلبين المهووسين بالشرق سواء منهم القوميين أو الاسلاميين و بين دعاة الهوية و الانسية المغربيتين، تجلت مظاهر هذا الصراع في كثير من المعارك الهوياتية و ابسطها معركة بغرير و معركة الاسماء الوهابية التي لطخت بها مدينة تمارة و بعض المدن الاخرى.
لنبدأ بعقار الكلوروكين. السؤال هو: ما وراء قيام منظمة الصحة العالمية و بعض الدول الأوروبية ومنها فرنسا بوقف التداوي بعقار الكلوروكين ؟ هل وراء هذا هدف سياسي ما؟
فبعض الدول ما زالت تعتمد عليه مستقلة بقرارها، و منها المغرب الذي اثبت نجاح هذا العقار سريريا في مستشفياته، و من طرف علمائه و أطره الصحية ، و قبل ذلك اشترى المغرب كل مخزون الشركة التي تنتجه في المغرب مما اغاظ فرنسا التي كانت على وشك شرائه.
هذا الصراع السياسي الذي دخل مجال الصحة يدعونا إلى التنويه بالاستراتيجية التي رسمتها السلطة العليا في البلد لمحاربة وباء كورونا والتي اتت أكلها بنجاح، فوراء هذه الاستراتيجية عقل مغربي اعتمد على ثقافته و على هويته وعلى قدراته الذاتية بعيدا عن الاستقطابات الخارجية و عن الأفكار التي يحاول البعض استيرادها من الشرق او من الغرب لحل مشاكله. فنجح المغرب في ما فشلت فيه بعض الدول الاخرى التي لها قدرات مالية كبيرة.
الاستراتيجية المغربية لمواجهة الوباء ارتكزت ببساطة على الرجوع الى مقوماته الذاتية الثقافية و البشرية ، فنجح في ذلك لتكون تجربة و درسا للتيارات السياسية و الفكرية المغربية التي ما تزال تحلم بربط بلدنا بالشرق.
اولا: اعتمدت هذه الاستراتيجية على الأطر المغربية تسييرا و لوجوستيكا و ميدانيا فأبانت الأطر الصحية المغربية عن قيمتها بتضحياتها في مواجهة الجائحة التي تهدد الوطن، فنجحت وكسبت الرهان.
ثانيا: اتخاذ القرار المستقل عن الدوائر العالمية التي كانت تملي سياستها، فلم ينتظر المغرب واتخذ قراره بالحجر الصحي ففضل الحفاظ على ارواح المواطنين على خسارة الاقتصاد، و منع تصدير عقار الكلورولين المصنع في البلد لفرنسا واشترى مخزونه لمصلحته الوطنية، و مع الحملات التي تشكك في هذا العقار أثبت المغرب نجاعته في مستشفياته و بشهادة اطره الصحية، و أعاد الثقة الى قدراته الذاتية و الى منظومته الصحية التي تحتاج اكثر إلى إعادة الثقة و التمويل.
ثالثا: يرتبط بالجانب الاقتصادي و الاجتماعي حين اعتمدت الاستراتيجية المغربية على الذات اي على الثقافة المغربية بقيمها الحضارية و ابرزها ” تيويزي” اي التضامن، متمثلة في صندوق كورونا الذي خفف من الأزمة الاجتماعية و الاقتصادية التي تعاني منها الان الدول البترولية، إضافة إلى حملات التضامنية الفردية و الجماعية التي ابانت عن اهمية رجوع المغاربة إلى قيمهم الأصيلة.
رابعا: يرتبط بالجانب القيمي للمغاربة، و هو ما ابان عنه رجال التعليم و رجال السلطة و كل العاملين في جميع المجالات من تضحيات ابانت عن اهمية القيم المغربية التي رجعوا اليها في زمن هذا الوباء.
خامسا: و هذه مرتبطة ايضا بثقافته و تتجلى في تغيير بوصلته نحو افريقيا تحت شعار ” افريقيا للافارقة” و هو ما ظهر في التعاون الثلاثي المغربي السينيغالي و الساحل العاجي لمحاربة الوباء، و سينعكس هذا ايجابيا على تعاظم دوره الريادي في افريقيا بدلا من اللهاث وراء الشرق كدأب بعض التيارات الفكرية و السياسية.
لكن ما علاقة “بغرير” ب ” الكلورولين”؟
هي علاقة مرجعية، اي بين مرجعية تعتمد على الخصوصية الثقافية و الحضارية للمغرب من اجل التنمية و الرقي الحضاري، و بين مرجعية خارجية مهووسة بالخارج و تستهزئ مما يرتبط بهوية البلد.
جائحة كورونا علمتنا الكثير، اولا ان الاعتماد على الذات و استقلال القرار السياسي و الثقافي الذي اعتمدت علية الاستراتيجية المغربية زمن كورونا ابانت عن نجاحه و جنبت المغرب الكارثة، مما يستدعي الاستمرار في هذه الاستراتيجية في كل المجالات بما فيها التعليم بالرجوع الى الهوية و الاعتماد على القدرات الهائلة لأطرنا المغربية المرتبطة بهذا الوطن، و الكف عن استيراد التجارب الغربية و الشرقية التي أضرت بتعليمنا. ففي معركة بغرير مثلا، عندما وظف الكتاب المدرسي المغربي كلمة بغرير في بعض نصوصه ثارت ثائرة القوميين و الاسلاميين و كأن هذه الكلمة المغربية الأمازيغية تحمل في ذاتها جذاما ستصيب اللغة العربية بجائحة لا دواء لها، او أنها ستشل التعليم المغربي، و الكلمة كغيرها من الكلمات مرتبطة بالهوية المغربية و لا مقابل لها في العربية، في حين أن المصريين و السوريين و غيرهم ادخلوا الكثير من مفرداتهم المحلية إلى العربية، و ابانت الكلمة عن مدى احتقار هؤلاء المغاربة لهويتهم و لثقافتهم لكي يرضى عنهم المشارقة، فلو استطاعوا حذف كلمة كسكس الأمازيغية لفعلوا.
و يبدو أنه مع انحسار الوباء في المغرب عاد هؤلاء المتشبعون بالفكر الوهابي و الاخواني إلى الساحة في حملة سياسية لاعادة نموذجهم التديني المتزمت الذي هزت كورونا ركائزه و اظهرته كجذع اجوف نخرته الأرضة, فحاولوا تجييش مشاعر الناس ضد أستاذة و فنان، فلو انهم رجعوا إلى تدينهم المغربي المعتدل لما التفتوا الى هذه الامور البسيطة التي لا يعيرها التدين المغربي اي اهتمام، لأنه اي التدين المغربي يعتمد على الجوهر و ليس على القشور, و يقبل الاختلافات داخله و يواجه المخالف او المخطئ او من له رأي آخر بعبارة ” الله اهدي”، و ليس بالتفكير و العنف و الجلد وضرب الاعناق كما تفعل الوهابية و الإخوانية والداعشية، فالتدين المغربي يعتمد على الكلمة الطيبة، أما الوهابي و الاخواني فعلى السيف والجلد.
إذا ما الذي يجمع بين الكلورولين و بغرير؟؟
هو ان الاعتماد على الذات الهوياتية و الافتخار بها وسيلة الارتقاء بهذا الوطن.
فالكورولين المغربي و بغريره عنوانان للإرادة المغربية.
ذ. الحسن زهور.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد