الفقر القاتل صناعة رسمية

 

احمد عصيد
أحمد عصيد//
فاجعة مقتل 15 امرأة بمنطقة الصويرة تسائل ضميرنا الوطني ليس على مستوى جزئيات الحادث وحيثياته العابرة، بل في أسبابه الكبرى البنيوية والعميقة، والمرشحة للدوام والاستمرار.
فالنساء الفقيدات من فئة الفقراء المعدمين، لم يهلكن فقط بسبب الزحام الذي أدى إليه سوء التنظيم، والتلهف على حفنة دقيق وجرعة زيت، وانعدام أي تأطير لهذه الفئة من المواطنين التي تعاني الهشاشة في كل شيء، بل قبل ذلك هلكن بسبب وجود وضعية اضطرتهن إلى تسول كرم المحسنين، سواء الرسميين أو الخواص، أولائك الذين يحبون كثيرا رؤية الفقراء يزدحمون على أبوابهم ويتهافتون من أجل أعطيات بئيسة، لا تساوي شيئا أمام كرامتهم، وإزاء ما يقاسون من شظف العيش ومرارة الفاقة.
إنها وضعية ساهمت فيها عوامل كثيرة أولها احتكار مراكز النفوذ والثروة من قبل قلة قليلة مستفيدة من كل الامتيازات، وثانيها سوء توزيع الثروة الوطنية وشيوع الفساد والإفساد، وثالثها مراكمة الرساميل في مثلث صغير دون بقية جهات الوطن المنسية، وترسيخ المركزية مع إشاعة كلام متضخم حول الجهوية واللامركزية فارغ من أي محتوى جدّي، ورابعها استمرار مفهوم “الرعية” في سياسة الناس والتعامل معهم كالمتاع أو قطعان البقر، وخامسها نشر ثقافة التسول والتواكل والصدقات والدعاية لها عبر وسائل الإعلام وفي النشرات الرسمية، الدعاية لكسرة خبز مسروقة، يعيدونها لأصحابها مطالبين مقابلها بالولاء والعبودية.
هذه الوضعية المأساوية تقتات منها السلطة، ويعيش عليها أيضا جوارح الحياة السياسية من أكلة الجيف، أولائك الذين يستفيدون قبل غيرهم من أوضاع الفقر والتخلف والهشاشة، فيأتون ـ في غياب الدولة ـ بالأموال من الإمارات العشائرية النفطية، ويغدقون قسطا منها على المهمشين، ثم يطالبونهم بعد ذلك بالمقابل من ذممهم وأصواتهم، ويتركون القسط الأوفر لكي يعدوا به “رباط الخيل” لخصومهم السياسيين، دافعين بالبلد نحو المجهول.
هكذا نعيش دوامة لا مخرج منها في غياب الأسس الفعلية للتنمية وللمواطنة الحقة، دوامة يلهو فيها الناس بقشور الحياة في الوقت الذي يلتهم لبّها قلة من المحظوظين.
إن “الفقر هو أسوأ أشكال العنف” كما قيل، وهو عنف يمارس على الفقراء بشكل مضاعف قبل أن يصدر عنهم.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد