ذات عيد من الزمن الجميل

بقلم : لطيفة إكري //

خرجت من البيت وقد اخذ مني الضجر مآخذه، الف في الشوارع على متن سيارتي باحثة عن الناس تذكرت مقولة ابن خلدون الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، الأشباح وحدها تسكن الطرقات صمت رهيب. فتركت العنان لذاكرتي لعلها تجد لهذا الضجر بلسما، فعاذت الذاكرة لمراحل الصبا حيث للعيد طعم ولون وروائح.

كانت ألوانه بهية تضج بالحياة كألوان قوس قزح، ثوب العيد الذي يشترى أياما قبل العيد، تبيث الليلة، الأحلام تسارع الخطى منتظرة الخيوط الأولى من فجر

يوم العيد..

ما إن تسمع خطى الوالدة في الفناء مع آذان الفجر تقفز من مكانك، يصلك صوت المذياع لسيدة الطرب العربي ام كلثوم وهي تؤدي قطعة يا ليلة العيد انستينا، تسارع الخطى نحو الفناء حيث تراقب الوالدة وهي تزن رفقة الوالد زكاة العيد، والتي كانت في غالب الأحيان من حبوب القمح من النوع الجيد. لا تساهل لديهما حول هذا الموضوع. ليكلفا الأخت او الأخ الأكبر بحملها إلى الأسر الفقيرة في الحومة.

بعد صلاة الفجر تبدأ روائح الفطائر من المطبخ، صحن كبير تملؤها الوالدة، قصة رائحة العيد ونكهتها تبدأ لمساتها أياما قبل العيد، في فرن الحومة حيث تعد النساء انواعا من الكعك والغريبة، ينبعث منها نكهات الينسون والسمسم وأحيانا تنفرد بعضهن في إعداد أصناف من حلوى اللوز وهن قليلات، لأن في الفرن لا احد يختلف عن الآخر كل الأشكال تعد بلمسة واحدة.. في الفرن لا وجود للصراع الطبقي. نلتقي كلنا في قصر ذات اليد.. ولكن نحس بحميمية ودفئ هذا المكان لأنه يجمعنا على لحظات فرح ومتعة لا نحظى بها الا في الأعياد.

يصفف الكعك في علب ولا نعرف له طريقا، لكن كلما اتحت الفرصة الا وامتدت أيادينا الغاشمة لبعض القطع لنتلذذ بعيدا عن أعين البصاصين الذين يستمتعون بإخبار الوالدة بفعلتك الشنعاء ليكون نصيبك علقة من العصى حتى تكون عبرة للأخرين.

المسألة ليست وفرة الأشياء حتى تزيد عن حدها، ولكن كان للحرمان سحره علينا بحيث يعطي للحظات المتعة بهذه التفاصيل الصغيرة سحرا من نوع خاص.

في يوم العيد كل البيوت مشرعة على بعضها، النساء تسارعن الخطى لتبادل التهاني المصحوبة بأطباق منوعة من القطايف والفطائر والحلوى.. في العيد ستتذوق كلما أعدته نساء الحومة حتى تصاب بالتخمة… العيدية قصة أخرى تجود بها الأيادي السخية علينا.. قطع صفراء نجمعها بفرح، ونبدرها في شراء البالونات التي غالبا ما تنفجر في وجوهنا الصغيرة وننفجر من الضحك وأحيانا من الخوف من صوت انفجارها، صوت المزامير الصغيرة اهم ما يميز صباح يوم العيد

بقال الحي تجارته رابحة معنا ذاك اليوم قطع الحلوى الملونة، المشروبات الغازية خاصة ذات اللون البرتقالي كانت حلمنا الذي يتحقق يوم العيد، حديقة الحيوان تضج بالأطفال زوال يوم العيد وحول أصحاب العاب الحظ يلتف الصغار من الذكور بحثا عن ضربة حظ يوهمهم بها رجل يتفنن في استدراجهم الفراغ جيوبهم الصغيرة.

الأيادي المخضبة بالحناء بشكل عشوائي والفساتين البسيطة للنساء.. جلابيب الرجال العادية.. جلسات حول صواني الشاي المنعنع.. وأطباق الحلوى والفطائر طيلة اليوم تحمل ليعاد وضعها على المائدة، اما الوجبة الرئيسية فهو طبق الكسكس الذي حرمنا منه طيلة شهر رمضان، تعده مي يامنة تلك المرأة الأمازيغية في عنفوانها وكرمها الحاتمي… لا يخيفها او يتعبها عدد الوافدين ببيتها الكل مرحب به.

طعم العيد كان بهذا الزخم من النكهات والألوان، والكل حضنك الدافئ.. محاط بسيل من العطاء والمودة.. لا مكان للتباهي.

أشياء كثيرة تجمعنا أكثر مما تفرقنا.. هي تفاصيل نخبئها في ثنايا الذاكرة ننفض عنها الغبار، وحينما نحكها لأطفالنا تصيبهم الدهشة، فالجاهز في عصرهم حرمهم لحظة انتظار حتى يطحن الدقيق في الطاحونة ويغربل وتعد هذه الأطباق بصبر وجهد وتحمل للفرن وتخزن إلى يوم العيد وأنت تملك جلدا وصبرا كبيرين لتنتظر لحظة الإفراج، وتتلذذ بطعمها.

كل الأشياء لا تصلك بسرعة كما هم.. كان الحرمان يتحكم في ميزان الاشياء، هي لحظات للذكرى اصطنعتها لنفسي وحكيت لكم تفاصيل ذات عيد من الزمن الجميل لعلي أخفف عنكم إن كنتم مثلي تحسون بأن كورونا حرمتكم مثلي لحظات الفرح في عيد لا تحلو نسائمه في غياب من نحب.. كل سنة وأنتم طيبون.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد