تسمية أزقة مدينة تمارة : حفريات في التأويل

بعد أقل من 24 ساعة عن الحملة الإعلامية على أسماء شيوخ الوهابية والسلفية ودعاة الافكار المتشددة، والذين ينتمون إلى بلدان الخليج، وهي اسماء دسها الحزب الاخواني بالمغرب المسير لبلدية مدينة تمارة، بطريقة “حسي مسي” داخل خانة “صحابة النبي” ووضعها على عناوين أزقة كثيرة بحي المنصور الذهبي. وبعد الحملة الرافضة لهذه الأسماء التي لا تتلائم وواقع بلدنا وخصوصياته، عملت سلطات المدينة(مشكورة) على سحب هذه اليافطات ونزعها من جدران الأزقة وتصحيح الوضع بعد مطالبة جمعيات مدنية ناشطة بذات المدينة وهيئات ثقافية وسياسية واعلامية. ومن الواضح ان مثل هذا الاجراء لن تقوم به السلطات المحلية بالمدينة من دون علم واخبار السلطة الإقليمية بعمالة الصخيرات تمارة، والتي يترأسها السيد العامل يوسف الضريس.

فمن هو السيد يوسف الضريس؟ هو ابن منطقة ولاد عبو بإقليم برشيد، مهندس في الطبوغرافيا واشتغل في المسح الطبوغرافي والخرائطي ثم اصبح مفتشا في الإدارة الترابية بوازرة الداخلية، وشغل رئيس قسم بالمديرية العامة للجماعات المحلية، ومنها انتقل الى ولاية الدار البيضاء الكبرى، حيث اشتغل بها رئيسا للقطب، ثم اصبح مديرا لشركة التنمية المحلية بولاية الدارالبيضاء. وبعد ذلك تم تعيينه على رأس عمالة الصخيرات- تمارة، بعد أن راكم تجربة وخبرة كبيرة في الإدارة والتدبير.

لكن؛ الذي اثارنا هنا هو تسمية “الضريس” فهي إسم علم قديم جدا وشهير في تاريخ المغرب الكبير، ويتوارد في المصادر التاريخية منذ أبعد الفترات. فهو إسم لأكبر قبيلة/ أو شعب أمازيغي، تنتشر على مختلف المناطق بشمال افريقيا، نجدها في المصادر على شكل “ضريسة” وهي تحريف وتعريب من الاسم الأصلي أضريس أو اضراسن، لا تعطينا المصادر الاسم الأصلي للكلمة، وتعني كلمة أضراس حاليا في اللغة الأمازيغية، برج المراقبة الذي يبنى على قمم الجبال، وفي تأويلنا واجتهادنا، قد تفيد ضريسة (الحراس).

نقول إن ضريسة شعب او بطن كبير من بطون الأمازيغ، لأنها تشمل عددا كبيرا من القبائل، وللاسف الشديد جلها لم تصمد أمام تقلبات التاريخ وتحولات المجتمع. فحين نقرأ ما جاء عند ابن خلدون فإن ضريسة تضم كل من مضغرة ولماية وصدينة وݣومية(منها عبدالمومن الݣومي مؤسس الموحدون)، ومديونة ومغيلة ومطماطة وملزورة ومكناسة…وضريسة يصنفها ابن خلدون وابن حزم ضمن صنف الأمازيغ البتر. وإن لا اقتنع شخصيا بالنسب الجينيالوجي الأبوي الذي وضعه النسابة العرب للمجموعات الامازيغية التي تبقى تحالفات سياسية ومجالية، فإن هؤلاء النسابة يعتبرون أن ضريسة تنحدر من الجد الأعلى ضريس بن زحيك بن مادغيس الابتر.

ويعتبر الباحث محمد زلمادي أن أن ضريسة تتفرع إلى فروع كثيرة منها ذرية تيمزيت بن ضريس، وقبيلة درنة التي تنتشر احدى عروشها في جبال دجرجورة في منطقة القبائل بالجزائر واخرى بجنوب تونس. ثم قبيلة كشاتة، التي تعرف احدى فروعها اليوم بالبهاليل نواحي صفرو وجنوب مدينة فاس. ثم ݣومية المعروفة بمنطقة تلمسان بالجزائر وهاجروا إلى مناطق متفرقة بالمغرب اثناء حكم عبدالمومن الݣومي. أما لماية في اكبر قبائل ضريسة كانت تنتشر في تونس والجزائر والمغرب، ومن وسط لملية انطلق دولة الرستميين بمدينة تيهرت بتخوم الصحراء، لكن بعد تخريب مملكتهم ومدينتهم انتشر ما تبقى منهم في مناطق متفرقة، وكذلك مطماطة ومطغرة…ومنهم ايضا مكناسة التي يعتبرها المؤرخ ابن منصور شعبا امازيغيا كبيرا جدا يضم بطون متعددة، وكانت مواطن مكناسة وادي ملوية منها إمارة ايت واسول بسجلماسة وامارة موسى بن عافية بتازا…وباسم هذه القبيلة سميت مدينة مكناس حاليا، ولاتزال بقايا هذه القبيلة مستمرة بنفس الاسم بمنطقة تازة، واخرى بضواحي مدينة وهران بالجزائر. ومنها أيضا قبيلة مديونة المعروفة حاليا بمنطقة الدارالبيضاء. دون ان ننسى أن قبيلة زناتة هي أيضا تدخل ضمن الحلف الكبير ضريسة.

الاشكال التاريخي الذي وقع، هو أن جل هذه القبائل التي كانت نشيطة وحيوية ومساهمة في الحدث التاريخي والسياسي، والتي وقفت في جدار المقاومة الأول أمام الجيوش العربية في القرنين السابع والثامن الميلاديين، كما هو شأن قبيلة زواوة وزواغة اللتان تنتميان ايضا إلى ضريسة، لم تعد الآن تستمر بنفس التسميات، فقد امتزجت ضمن احلاف سياسية واجتماعية، وانتقلت من منطقة إلى أخرى حسب ظروف ووثيرة تحرك التاريخ.

وخاصة القبائل الامازيغية التي بقيت في الهبط والسهول المنخفضة كمنطقة أزغار التي تسمى اليوم بسهل الغرب بحوض واد سبو، وقبائل تامسنا التي أنخرتها وأقبرتها الحروب مع المرابطين والموحدين، ومنها ما يسمى اليوم بقبائل الشاوية ودكالة، فالقبائل الأمازيغية التي بقيت في السهول الغنية والفيرة بالمياه، لم يكن لها أي خيار إلا الامتزاج مع من أتت به عواصف الدهر من الأقوام سواء جاءت عن طريق البر أو عن طريق البحر، فإلى غاية اواخر القرن الرابع عشر على عهد لسان الدين ابن الخطيب، توفي سنة 1374، في رحلته المنشورة في كتاب نفاضة الجراب، التي قام بها بين مراكش وسلا، فكل البوادي التي مر منها بدكالة وتامسنا يؤكد ان سكانها لا يتحدثون الا الأمازيغية، كمدينة ازمور واسايس وانفا وغيرها…فالتغيير حصل بعد القرن الخامس عشر بشكل تدريجي وبطيء كما يؤكده محمد القبلي.

واذا عدنا إلى تسمية الضريس، وقلنا ان العامل ولد بمنطقة ولاد عبو بالشاوية، فنجد أن هذا التحالف ايشاوين يمتاز بالتمازج والتخالط، فمثلا قبائل امزاب التي تقطن بهذه المنطقة فهي قبيلة امازيغية معروفة، توجد في الجزائر، وقد تكون هجرتها الى المغرب في فترة من الفترات، وبالمنطقة الشمالية التي تستقر بها المزاب المغربية نجد منطقة أملال التي تنتشر بها الكثير من العيون والأودية ومنها عين معروفة تسمى “عين ضريسة” يقال انها تداوي العديد من الأمراض.

كما ان اسم علم الضريس، يوجد في مناطق أخرى، كاسم الشرقي الضريس الوزير المنتدب السابق في الداخلية، وهو ابن منطقة قريبة بالفقيه بن صالح.

إن اسماء الاعلام لها أهمية كبيرة في فهم بعض تحولات التاريخ، لأنها قد تكون لها علاقة باسم القبيلة الأم التي يمكن أن يختفي استعمالها ووجودها، بالرغم من تعرض المجال لتحولات سوسيوثقافية، ولكن تبقى تجليات الهوية مستمرة في اسماء الاعلام والاماكن، كما هو الحال في مدينة الدار البيضاء فبالرغم من التعريب فظلت اسماء الأماكن تحمل اسماء مجموعات قبائل امازيغية مثل زناتة ومديونة واولاد زيان، فالأمكنة. بالرغم من قوة التحولات فإنها تحمل رمزيتها وهويتها.

نقول كلامنا هذا، وقد يكون إسم الضريس نابع من جذر آخر وسياق آخر، ولكن لابد للمؤرخ أن يقوم بعمله. ويبقى هذا اجتهاد تأويلي، غرضه استبيان حفريات منسية في تاريخ المجموعات والقبائل الأمازيغية.
عبدالله بوشطارت.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد