رشيد الحاحي //
يتذكر المغاربة العديد من الكوارث والفجائع التي أصابتهم في تاريخهم المعاصر، ومنها سنوات الطاعون والتوفيس والجراد، وخلال القرنين الماضيين وفي فترات عدة بين بداية ومنتصف القرن العشرين، عرف المغرب سنوات من القحط والجفاف وانتشار الأوبئة، اصطلح عليها الباحثون والمؤرخون سنوات المجاعة، ويعرفها الناس ب”عام البون” الذي يؤرخ له ب 1945 السنة التي عرفت أوج تفاقم الأزمة والمجاعة ووفاة الآلاف من المغاربة، واختفاء دواوير ومراكز بكاملها بعدة مناطق بعد أن قضى سكانها نحبهم جوعا ومرضا.
لعل السؤال الذي يطرحه هذا التقديم هو ما علاقة الأمر بحكومة حزب العدالة والتنمية التي تصرف أعمال أسابيعها الأخيرة بعد خمس سنوات من التدبير والتشريع والإشراف الحكومي على القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي، وذلك بعد وصوله إلى الحكم عقب استغلاله لسياق التغيير الذي أفضى إلى الإصلاح الدستوري ل 2011؟
هذه بعض المعطيات والمؤشرات القوية التي تؤكد مشروعية هذا التساؤل وتنذر بأزمة اقتصادية واجتماعية واحتقان الأوضاع في المستقبل. حذرت العديد من التقارير الصادرة عن مؤسسات دولية منها مركز الطرفية ومعهد ماكنزي للدراسات من خطورة حجم المديونية على الاقتصاد المغربي ومستقبله، مقارنة بالناتج الداخلي الخام، واعتبرت المغرب في مقدمة الدول الأكثر استدانة في العالم حيث ارتفعت الديون العامة للمغرب بأكثر من 20 نقطة وبنسبة 50 في المائة في فترة حكومة بنكيران، وبلغت نسبة 136 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهذا وضع يهدد الاقتصاد والاستقرار السياسي والاجتماعي والقرار الوطني، وسيجعل المغرب رهينة بيد المؤسسات المالية الكبرى وسيفرض عليه مستقبلا العودة إلى سياسة التقويم الهيكلي.
ونبه تقرير منظمة الفاو للأغذية والزراعة لسنة 2015 الحكومة المغربية إلى أن أكثر من خمسة ملايين مغربي يعيشون تحت عتبة الفقر المدقع بأقل من عشرين درهم للأسرة في اليوم، كما حمل تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الصادر قبل أيام أرقاما صادمة عن وضعية الفقر في المغرب، حيث نبه إلى أن 60 في المائة من المغاربة يعيشون الفقر والحرمان بدرجتين بين الحاد والمتوسط، و44 في المائة محرومين من حقوقهم الأساسية من سكن وصحة وتعليم، مما جعل المغرب يصنف مع دول مثل زيمبابوي ومالي والصومال وفي الرتبة 126 من حيث مؤشر التنمية البشرية.
فرغم أن سعر المحروقات في العالم تراجع إلى أدنى مستوياته خلال خمس سنوات الماضية، أي خلال فترة الحكومة الحالية بالمغرب، وانخفض إلى 36 دولار للبرميل وهو سعر لم يبلغه مند 15 سنة، فقد أدت سياسة وتدابير حكومة العدالة والتنمية وحلفائها إلى ضرب القدرة الشرائية للمواطنين بشكل غير مسبوق، وإلى سحق الطبقتين المتوسطة والفقيرة وازدياد الفوارق الاجتماعية، وذلك بسبب العجز عن إيجاد وإبداع الحلول الكبرى للملفات المطروحة ومنها تطوير الاقتصاد الوطني ووثيرة النمو وجلب الاستثمارات، وبعد لجوئها إلى الحلول الاستبدادية السهلة ومنها إلغاء صندوق المقاصة دون القدرة على استثمار الملايير المحصلة من ذلك في إيجاد الحلول للمعضلات المتفاقمة ، حيث تحملت الطبقتين المتوسطة والفقيرة تبعات هذا الإجراء من خلال فواتير الكزوال والبنزين التي ارتفعت بحوالي ثلاثة دراهم للتر بمحطات الوقود، وفواتير الكهرباء والماء الصالح للشرب التي تضاعفت خلال خمس سنوات الماضية، وغلاء المعيشة بسبب الزيادات المتتالية في أثمنه المواد الغذائية والألبسة والخدمات مع تجميد الأجور، إضافة إلى تفاقم البطالة وعجز الحكومة عن إيجاد فرص الشغل لمئات الآلاف من الشباب العاطل، وتأزيم الأوضاع الاجتماعية والمهنية بعدة قطاعات كبرى كالتعليم والصحة والعدل والجماعات…
أليست كل هذه المؤشرات الكبرى بوادر أزمة اقتصادية واجتماعية تلوح في الأفق، أي بوادر “عام بون” جديد؟ ألم “يبدع” بنكيران والوفا حلا كاريكاتوريا وشعبويا عندما اقترحا توزيع الإعانات والمساعدات على الأسر والتجول في الأزقة والدواوير لإحصاء المعوزين والفقراء وتخصيص “بونات” لاقتناء قنينات الغاز والدقيق والسكر المدعم !؟
فلا شك أن رهن القرار السيادي للدولة للمؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، والارتفاع المهول في المديونية واحتمال فرض التقويم الهيكلي، وانكماش الاقتصاد وفرص الاستثمار ووثيرة النمو، وازدياد الفساد والاغتناء الفاحش على حساب فرص العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات، واستمرار المقاربة العاجزة والتدابير الاستبدادية السهلة في التعاطي مع الملفات الاجتماعية المعقدة كملف التقاعد والمقاصة، كلها بوادر مرحلة صعبة جديدة في حياة المغاربة، قد تتوسع خلالها كثيرا رقعة الفقر ونسبته، ويعم القحط والحرمان، وإذا أنضاف الجفاف والجفاف فقد تظهر الأمراض والأوبئة، وتضطر الدولة إلى توزيع المواد الغذائية والحبوب والأثواب على بعض التجار “بالبون” بالأسواق والمدن، فيصطف المواطنون ينتظرون أدوارهم لاقتناء كلغرامات محدودة من الدقيق والخضر والزيت والسكر…، بعد أن يكون الخطاب الدعوي قد وفر لهم كل الشروط النفسية للتقبل والرضا الاجتماعي بالأزمة وشر القدر.
قد يبدو للبعض هذا الاحتمال والربط بين الوضع الحالي وسنوات الجوع مبالغا فيه، لكن كنوا متأكدين أن حجم الأزمة ووثيرة التأزيم والاحتقان الحاصلة خلال السنوات الأخيرة على عدة مستويات إذا استمرت كما حللنا ذلك أعلاه على ضوء المعطيات وتقارير المؤسسات الدولية، مع العجز الحكومي عن إيجاد الحلول الصعبة خاصة مع الارتفاع المحتمل في أسعار النفط خلال السنوات القادمة، سيقود المغرب والمغاربة إلى أوضاع صعبة و”عام بون” جديد، ناهيك عن تحولات الظرفية الدولية وغموض الخرائط ومسارات التحولات القادمة بعدة مناطق بالعالم، خاصة أن هول الأحداث وانقلاب الأوضاع بين عشية وضحاها صار مجرد لعبة في أيادي قوى كبرى خفية ينفذها الصغار عن جهل أو ولاء مفضوحين.
التعليقات مغلقة.