الدكتور عبد الغاني بوشوار*: دعوة المغاربة والمسلمين لوضع حد للمتطفلين على الدين

بوشوارهده بعض الافكار أسطرها للفت انتباه الذين يدعون المعرفة الدينية ويتدخلون في الشؤون التي يجهلونها خصوصا المتعلقة منها بالدين وبالمسيحيين خصوصا الذين يختلفون فيما بينهم حول طبيعة المسيح عليه السلام، ألفت انتباه الأحراروطلاب العلم أن التراث الديني الذي أنتجه علمائهم ليس كما يظن كثير من الفقهاء، وإن اعتبرهم البعض علماء أجلاء، ورموني باتهامات ما أنزل الله بها من سلطان وما ذلك إلا نتيجة تشبعهم بأفكار من يثقون بمعرفتهم الدينية ولو كانوا يجانبون الصواب في ادعاءاتهم. ومن بين المسائل التي أثارت الزوبعة وإلصاق التهم بشخصي وبغيري، التهاني ومشاركة المسيحيين أفراحهم وأحزانهم مع ما يدعون من الشرك بالله حسب الانتقادات لاعتبارهم عيسى ابن مريم الها أو ابن الله مع العلم أن فئات منهم لا تدعي ذلك. وخير دليل على زيغ ذلك ما ورد على لسان المسيح في إنجيل يوحنا (7) حيث قال لمخاطبيه:

• «تَعْلِيمِي لَيْسَ لِي بَلْ لِلَّذِي أَرْسَلَنِي. 17إِنْ شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَتَهُ يَعْرِفُ التَّعْلِيمَ، هَلْ هُوَ مِنَ اللهِ، أَمْ أَتَكَلَّمُ أَنَا مِنْ نَفْسِي. 18مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ يَطْلُبُ مَجْدَ نَفْسِهِ، وَأَمَّا مَنْ يَطْلُبُ مَجْدَ الَّذِي أَرْسَلَهُ فَهُوَ صَادِقٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمٌ. 19أَلَيْسَ مُوسَى قَدْ أَعْطَاكُمُ النَّامُوسَ؟ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَعْمَلُ النَّامُوسَ! لِمَاذَا تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي؟»

• فالاختلافات موجودة بلا شك ونطلب الله أن يهدي الناس إلى سواء السبيل، لكن الله لو شاء لجعلنا أمة واحدة. ولو اعتبر المسلمون وضعهم وفكر علمائهم جديا واستناروا بالرأي العام لدى ايها الناس من المسلمين العاديين الذين فهموا الدين بدون غلو ولا تطرف، لوجدوا بأن شأن المسيحيين وشأن كل معتقدات الآخرين من بني البشر ليس من مسؤولياتهم ولا من الأمور التي تخصهم وتضرهم في أي شيء ولا في أي مجال من مجالات شؤونهم المعاشية. هم وشانهم في القضايا الدينية والعقائدية مرة أخرى “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، “لست عليهم بمسيطر”، “إنك لن تهدي من أحببت”. القرآن كله يعبر عن الحكمة الالهية في التآخي بين بني البشر منذ بداية الخلق وقصة هابيل وقابيل والأنبياء جميعا وجميع من ساهم في إخراج بني البشر من الظلمات إلى النور، ذكورا وإناثا.

• إن الذين يدعون المعرفة الالهية والمتفيقهين في الدين ويتاجرون بالأديان ويفسرن النصوص على هواهم ويتبعون في تأويلاتهم من يعتقدون أنه يجعل منهم حجات الدين وجهابذته والفاهمين الوحيدين وزعماؤه، سواء كانوا ممن ينطلقون من العقائد الإسلامية أو المسيحية أو البوذية أو من أي معتقد أخر، يسيئون فهم مقاصد الحكماء الذين جاهدوا وسعوا لبلوغ سعادة بني البشر ورفاهيته في هذه الدنيا قبل الأخرى، وهم لم يدعوا الكمال ولا يوجد متزن بينهم يدعي المعرفة الكاملة وكيف يكون وهم من يدرك حقيقة أن البشر لم يأتوا من العلم إلا قليلا :” وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”. أرسطو طاليس اليوناني في إحدى مقولاته يقول ما معناه: أننا لو كنا نطلب العلم لنبلغ غايته، لكنا بدأناه بنقيضه، لكننا نطلب العلم لنزداد كل يوم من العلم وننقص من الجهل كل يوم. وهذا المفكر قد عاش قبل وجود الدعوة المسيحية .

• إن المنصفين من بني البشر لا يمكن أبدا أن تصدر منهم ادعاءات المعرفة المطلقة في أي مجال من مجالات الحياة الإنسانية ومنها الدينية. لكنهم، بالعكس، اعترفوا ونعترف أنهم بذلوا مجهودات وحاولوا قدر الإمكان والمستطاع وتحت ظروف معينة استخدام نعمة العقل فمهدوا الطريق إلى ذلك وحثوا العقول وحفزوها الهمم للسير نحو أفاق مشرقة للبشرية والخروج من الظلمات إلى النور. أيقتدى بهم في كل شيء؟ لم يدعوا إلى ذلك ، بل جاهدوا ليسود السلم والتعقل والإخاء بين الناس ودفع الضرر عنهم ويحكموا فيما بينهم بالقسط. المتطرفون والمحتكرون للمعرفة الدينية اليوم الذين يفتون شمالا وجنوبا ويسخرون الدين لمراميهم الشخصية ويزكون أنفسهم ويسعون إلى السيطرة على عقول العباد وتعقيد أمور الناس وإشعال نار الفتن بين الطوائف والعقائد فإنهم لم يسلكوا سبل الصواب في الحكمة الالهية من خلق الإنسان وجعل منه شعوبا وقبائل وأمما للتعارف ولعمارة الأرض حتى يأذن الله بعمارة غيرها من أقطار السماوات والأرض.

• التطرف والغلو وسيطرة العواطف والأهواء يشهد بها التاريخ البشري وما زالت زبانيته تقهر عقول المفكرين ومحبي الخير والسلام لبني البشر وتخدش شعورهم كل يوم بسهامها القاتلة ونلاحظ هذا في كل الأديان ولا يخلو مجتمع منه. ثم كيف يتدخل الناس في أمور الآخرين التي تخص ما يختلج في النفوس داخليا دون ضرر للغير؟ آشققنا قلوبهم؟ وبأي حق؟ المسئولية والمحاسبة تكون في الأفعال الاجتماعية التي لها صلة مباشرة بالآخرين وتؤثر عليهم إيجابا أو سلبا. فلو ركزنا قليلا على العقيدة الإسلامية واستحضرنا ركائزها من: الشهادة، والصلاة، والصوم، والحج (لمن استطاع إليه سبيلا)، والزكاة لوجدنا، باستعمال قليل من التفكر، أن الركائز الأربعة في أساسها تتعلق مباشرة بالعبد مع ربه. شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله، لا تضر ولا تغني الآخر وتخص الإنسان في ضميره الداخلي وصميم ذاته، كل حسب تقبله واقتناعه وقدراته، وكذلك ومثال مع الصلاة، والصوم، وحج البيت،وأصلا، لا أحد يستطيع محاسبة وإجبار من لم يؤدي هذه الفريضة إلا الله. فيبقى شان الزكاة مميزا لارتباطه بالآخرين. ومقصوده المنفعة العامة للأمم والتعاون والتآخي ودرء الضرر ومحاربة الفقر والجهل والمرض والطغيان وكل أذى يمس كرامة الإنسان ومعيشته. الزكاة، وإن شأت فقل الضرائب، هي للصالح العام وتزكية النفوس وعربون صدق الانتماء للأمة وهي فريضة لا يمكن قوام أمة وكيان بشري بدونها.

• بذلت المحاولات والجهود المضنية لتنظيمها لتعم فائدتها وتسربت إليها أطماع المستبدين لتسخيرها إلى غايات أخرى غير التي أمر بها الله وخاضت البشرية صراعات وحروب ومآسي وتضحيات جليلة عبر تاريخ البشرية على هذه البسيطة وتقدمت العلوم وتنورت العقول إلى حد ما،وهي مستمرة في التطور فوصل الواقع إلى ما هو عليه من التنظيمات الاجتماعية للشعوب المختلفة التي تشترك في الحياة على الأرض. الواقع الحالي يشهد بتكون الدول المستقلة داخل كيانات يعترف بعضها ببعض وتوجت الأماني والأحلام بسعادة الإنسانية وتآخيها بإنشاء كيان الأمم المتحدة والإقرار بمجموعة من الاعترافات تخص كل واحد من البشر وتمثلت في منظومة ما يعرف بحقوق الإنسان. على أن كل كيان يضل مستقلا في تدبير شئونه الداخلية وتنظيم علاقاته مع الدول الأخرى على ضوء القوانين والأعراف في التعامل. ونتيجة لترابط الدول، مع استقلالها في تدبير شئونها الداخلية، أخذت مسالة الدين طابعا جديدا إذ اختص بها كل كيان وبقيت شأنا داخليا بين أفراد وجماعات الكيانات البشرية، بحيث كل دولة تدبره باستقلال تام عن بقية الدول، فمنها من قامت الشرعية السياسية على مفهومه من قبل أهلها ومنها من يدبره كنشاط فردي أو جماعي بدون توجه سلطة الدولة(المجتمع ككل) ورعايتها.

• فعند اعتبار هذا الوضع ومشاهدة العالم الذي نعيش فيه اليوم كلنا كبشر، فإن الشئون الدينية لكل مجتمع ولكل دولة، تدبر في إطار أجهزة متشابكة ومؤسسات يقوم الخبراء والعلماء والإداريون والفنيون بتنظيمها وتصريف أمورها تحت السلطة السياسية في المفهوم السياسي والشرعية القانونية. يترتب عن هذا النوع من تدبير الشئون الدينية فقدان وزن ومساهمة الفرد كفرد وشخص كشخص بمفرده بحيث يصبح نوعا من العبث أن يقوم بالتدخل في شأن وضع له إطار من قبل الدولة عبر مؤسساتها إلا في حالة الطلب الرسمي من السلطة العليا التي ألت إليها مسئولية التدبير.وهنا يتجلى دور المتفيقهين والأفراد الذين يعتبرون أنفسهم وصاتا على الدين فيوضع هذا الدور في الإطار القانوني المشروع الذي يضعهم خارج الإجماع وخارج التنظيم وخارج المؤسسات الرسمية. ويتجلى أيضا في مضمار الواقع المعاش الذي يفرض الحقيقة التي لا غبار عليها بأن كل فرد يدعي المشروعية في التدخل في الشأن الديني لا يملك بمفرده كل الوسائل والإمكانيات المتوفرة للدولة قانونيا في إطار الأجهزة والمؤسسات المسئولة عن تدبير هذا الشأن من العلماء والفقهاء والأساتذة والباحثين والكتاب والمعاهد والمدارس والجامعات فيضل محلهم من الإعراب مشكوك فيه، لان الفرد لا يساوي الجماعة من البشر ذوي كفاءات عالية وتدريب متقدم ومهارات فكرية رشحتهم للقيام والصهر على مصلحة الجميع لأداء، بمهنية، المسئوليات التي يحملونها والتي تضمن لهم عيشة راضية مقابل ما يبذلونه من جهد ومن التضحية بوقتهم الثمين. على أن الكمال دائما لله وحده,

• السؤال عن الدور الفردي في الشأن الديني يقود الى اعتبار الحكمة في المقولة “من تدخل في ما لا يعنيه، سمع ما لا يرضيه”، بل إن القوانين المسطرة تحكم تصرفات الأشخاص في كل الأمور التي تمس الآخرين في علاقاتهم فرادى أو جماعة فيما بينهم ولا تحكم على العلاقات بين الفرد وربه كيفما كان تصوره لإلهه. لكن عندما يتدخل فرد ويصيح ويبكي ويؤثر على سلوك الأفراد والجماعات بما قد يسبب الخلل والفتنة بين الناس وإرباكهم وشحنهم وتحفيزهم للتضحيات بأرواحهم خارج الأوطان وداخلها لتغيير مسار المجتمعات بالعنف، فإن الدولة مدعوة و من واجبها التدخل لوضع حد لتلك التدخلات التي تربك مسيرة المجتمع ككل. فالمناداة بالجهاد وتجنيد الساكنة وشبابها للقيام بأعمال إجرامية في الداخل أو الخارج ضد الشعوب الأخرى أو ضد من يختلف في الرؤى مع الدعاة لذلك بحجة إعلاء كلمة الله وتطبيق الشريعة بقوة السلاح وإعادة حلم قيام الدولة الإسلامية وفرض نظام مبني على تصورات القدماء، تتناقض مع الواقع المعايش في الكون حاليا وسط المجتمعات البشرية القائمة.

• وقد لفت انتباهي دعوات بعض المتفيقهين للشباب بالالتحاق بالشام والعراق وأفغانستان و بؤر الحرب والدمار والقتل والحيوانية البشعة المتمثلة في تفجيرات الأنفس وقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث وتقطيع الأطراف والصلب والرجم وأكل الأكباد وما إلى ذلك من الأعمال التي لا يقبلها أي انسان ذي مروءة. فتدخل الدولة بثقلها على لجم كل من يريد احتكار الشأن الديني الذي يعتبر جماعيا ومشتركا واجب إنساني قبل أن يكون دينيا. وهو مسألة قانونية قبل أن يكون أي شيء آخر. إن بعض الشيوخ والمفتين والمتفيقهين وبعض من أطلق عليهم العلماء الأجلاء، يتهجمون على انفراد، كل على هواه، على خصوصية الدولة ويتجاوزون التنظيم الرسمي والإطار القانوني لإثارة البلبلة بمفردهم بدون اللجوء إلى التنظيم الرسمي للشأن الديني ومصلحة الشعوب.

• حديثا قرر فقهاء الأزهر منع المصريين من مشاهدة فيلم منع أيضا في بعض الدول الإسلامية ومنها ألمغرب الغالي والغني.

أتسائل ما الضرر للدين يودون مشاهدته كعمل فني؟ قد يكون من بنات خيال منتجه والحقيقة لا توجد في الأفلام السينمائية لأنها ليست إلا تسلية ووسيلة للترفيه عن النفس لمن يرغب ويستطيع دفع الثمن والفلم أصلا عمل تجاري لا تجرمه القوانين. فبعض الشيوخ،خارج الإطار القانوني، يحرمون ما نقوم به في المجتمعات الإنسانية من أفعال لا يجرمها القانون القائم في البلدان الإسلامية، ولا ضرر فيها للغير ولا لأنفسهم، كاالتبغ، والموسيقى، والرقصن وبعض الأفعال الاجتماعية الأخرى كزيارة القبور والاختلاط بين الجنسين وتكفير الطوائف الأخرى وتقديم التهاني لغير المسلمين والاحتفال معهم بأعيادهم وغيرها مما لا يستسيغه التكفيريون والمحرمون من تلك الأفعال التي لا يدركون سرها والحكمة الالهية ورائها ، وكلها أفعال لا تجرمها القوانين في أي مجتمع إسلامي وغير إسلامي.

• فكيف يسمح مجتمع، إذن، إلى مثل هؤلاء بالتجرأ على حرمان وتكفير ما لا يجرمه القانون المرعي في الدولة ويمارسه عامة من تتكون منه الدولة؟ أقول هذا وأنا مليء بالحزن والأسى على هكذا تطفل من قبل فئة قليلة ممن لا يستحون ويترامون على الشأن الذي تدبره الدولة التي هي نحن عبر الأجهزة والمؤسسات والجهات المختصة بالشأن الديني ككل. ومع كل استشهاداتي، مثلا ، بالآيات القرآنية ،وقد ترجمت بعضا منها، واستعنت بالله في عملي، وبالطبع اتقدت تدخل بعض شيوخ الدين في المغرب وفي أماكن أخرى والذين يسعون لزرع الشتات والشقاق بين العباد وتكفير من ليس على وتيرتهم من الفكر والذي يواجه حججهم بحائق تاريخية وأدلة واقعية من صميم الإسلام ومن أمهات الكتب ومع كل ذلك يصب البعض ممن قرأ بعض ما كتبت أو سمع عنها، مع كل هذا وصدق دعوتي إلى الخير الذي أنشده لجميع خلق الله، يتجرأ بعضهم بتقديم أحكام ما أنزل الله بها من سلطان كالإلحاد والخروج عن الإسلام والعلمانية وما شابه ذلك من تشويه الأشخاص ونفث السموم لا لشيء سوى تغطية جهلهم ولعدم القدرة على مواجهة الفكر بالفكر والحجة بالحجة والعدل في المنطق، وفوق ذلك كله نقص وعدم تمكنهم من رصيد متين وخلفية علمية أكاديمية من البحث في الإنتاج الفكري الإسلامي وغير الإسلامي ناهيك عن فقدان الخلفية العلمية في مجال العلوم الإنسانية في مجالاتها المختلفة الواسعة.

• أسفي أيضا يتعلق بمصير العقول الناعمة التي ما تزال في طور التكوين والتربية وتدريب العقل على السلوك الرشيد وبذل المجهود في اكتساب المعرفة وإتقان أساليب المناظرة الفكرية المفيدة بالانفتاح على ثمرات الفكر البشري واعتباره سرا من أسرار الخالق تستدعى المروءة و تدبره والتفكر فيه بجدية جماعية لا منفردة. أتأسف للتأثير المبكر وتمكين أفكار في نفوسهم مبكرا قبل أن يتفكروا فيها ويضعوها على المحك بوزنها عقليا كما أمر الله لقوم يقلون. و لجأ البعض إلى التذرع بالعلماء الأجلاء فعلقت با الآتي:

• العلماء الأجلاء يجب تقديرهم واحترامهم من لدن كل عاقل ويا حبذا لو ذكرتم من هم والتعريف بهم هل تضعون في قائمتهم الذين حرموا الموسيقى وحرموا تقديم التهاني للمسيحيين ولليهود ولغير المسلمين؟ هل هم الذين حرموا حلق اللحية وحرموا الإختلاط؟ هل هم الذين كفروا الشيعة؟ هل هم الذين حرموا سفر المرأة بدون محرم؟ هل هم الذين يجبرون النساء بغطاء شعرهن ولباس البرقة؟ هل هم الذين شوهوا وجه ملالا؟ هل هم الذين يمارسون تعدد الزوجات والبناء بالقاصرات دون سن البلوغ؟ هل هم الذين يؤمنون بأنهم من الثلث الناجي؟ هل هم الذين يعتقدون بزواج بعض الناس بالجن؟ هل هم الذين يستطيعون رؤية الجن وطرده من المصابين؟ هل هم الذين يرون المرأة عورة؟هل هم الذين يحفظون القرآن عن ظهر قلب؟ هل هم الذين اخترعوا الصواريخ وغزوا الفضاء؟ هل هم الذين يرددون الماضي ويدعون لتقليد الغابرين؟ هل هم الذين يخيفوننا بالثعبان الأقرع في القبر؟ هل هم الذين يصدقون بأن في الجنة شجرة أوراقها من الفضة؟ هل هم الذين يؤمنون ويطلقون تسمية الكفار على أهل الكتاب؟ هل هم الذين يومنون بالرق وبالجزية؟ هل هم الذين يقتلون الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ في كل مكان باسم الجهاد؟

هل هم الذين يفهمون في الدين وما وراء الطبيعة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا وأين تضعون الأطباء والفزيائيين وأهل العلوم الطبيعية؟ اهم أجلاء أيضا أم إنهم ليسوا علماء؟ أهم المعتزلة؟ أهم الذين كفروا ابن رشد وأحرقوا كتبه؟اهم الذين هرب منهم ابن سينا؟ أهم الذين اتهموا ابن المقفع بالكفر؟

وقد تمثل أيضا نوع هده العقلية المتحجرة في بعض ما ورد علي في صفحتي على الفيسبوك من شخصين لا أعرفهما ولا أدعو لهما ولا لغيرهما ممن أساءوا فهم الأفكار المطروحة إلا التوفيق والنجاح والتعقل. يقول الأول:

• “عيد الكريسماس عيد يحتفل فيها النصارى بعيد ميلاد يسوع ، أي بعيد ميلاد الرب عند أحد مذاهبهم ، أو بعيد ميلاد ابن الرب عند مذهبهم الثاني فهذا شركبالله فهل يعقل أن يحتفل معهم مسلم بهذا العيد وهم يعتقدون أن الله قد ولد في هذا اليوم والعياذ بالله من هذا الكفر؟!”

• ويقول الثاني:
“انه لا يخفي علينا إنكم يا بنو علمان تمرقون من الدين كما يمرق المخيط من الرمية. الايمان لا يبلغ حنجركم لقد تتلمذتم على ايدهم و اوفياء لهم .تريدون دينا علمانيا و اني لكم لان بكلام لا يبت للاسلام بصلة .اننا نحترم اي عالم يعمل في مجاله. حقا ان العلماء الربانيين لا يفهون في الاكترون شيئا لانه ليس من اختصاصهم لان المجال ليس مجاله ولا توجد ظاهرة في العلوم تناقض الاسﻻم.ان الغرب الذي تتشدق به لسنا ضده يوما و لن يكون لكن حينما تشن هجوما على العلماء او اي شخص فانك تفضح ما يلج في قلبك من حقد و ضغينة عليهم.ان النبي صل الله عليه وسلم حرم الموسيقى و انت ذكرت جملة منها فهي حراام من عهده الى يوم القيامة .اما الاخت ملالا فاني احييها على قضيتها .انها وقفت سدا عنيدا للمجرمين في تحقيق أهدافها…ف”
أقول بالنسبة للعلمانية، إنني موجود وأعيش في دولة المغرب التي هي دولة إسلامية يرأسها أمير المؤمنين يحكمها دستور صوت عليه من المغاربة من شارك في التصويت ويعتبر أمير المؤمنين حامي الملة والدين الذي يخضع لتنظيم وتدبير تقوم به أجهزة متخصصة وضعت الدولة إمكانيات هائلة عبر العصور للاعتناء بشأن يخص جميع المغاربة تقريبا لأنه يجسد تاريخهم وتراثهم الفكري والحضاري ومن المنطق والتعقل أن تدل كتاباتي على موقفي منها أي العلمانية, ومن البيديهيات ان الإنسان المتعلم شيئا ما، وسافر قليلا إلى بعض البلدان، وقرأ قليلا، قد تكون عنده فكرة عن الدين والعلمانية والإدارة والدولة والمجتمع والخير والشر، بديهيات هي، لكن وضع الأمور في نصابها ودراسة الواقع تقود إلى النتيجة الحتمية بعدم تطبيق العلمانية واستحالت ذلك في المغرب وهذه قناعة لم يملها علي أحد بل الواقع والتاريخ المغربي يثبت ذلك. معظم المغاربة مسلمين ولا يتخيلون عير ذلك من الدعاوي الدينية، الدولة اسلامية والشعب مسلم، يستحيل اتباع ما قد أثر على البعض من الذين يأخذون أمثلتهم من فرنسا من فصل الدين عن الدولة مع أن الدين ونظام الكنائس فيها تؤثر في السياسة إلى درجات كبيرة في بعض الأحيان نظرا لجهود الناشطين في الحقل الديني والسياسي والمكاسب الدنيوية.

اختتم كل هذا بتعليق على فيديو للداعي المسمى العريفي السعودي. أوقفني عنوان الفيديو برهة من الزمن وهو أن الله يغفر جميع الذنوب إلا الشرك وطاردتني كلمة “جميع” وبدأت أتسائل ايصدق فعلا مشاهدي الفقيه العريفي أن الله يغفر الذنوب جميعا ما عدا الشرك الذي هو قمة الدنوب، هل سغفر الله إذن إنسانا قتل إنسانا ظلما وعدوانا او سرقه او اغتصبة وما إلى ذلك من الذنوب التي يرتكبها إنسان ضد انسان أخر؟ ما لا أستطيع فهمه هو هل يدعي الشيخ أن الله سيغفر الذنوب التي يتضرر منها الإنسان من قبل إنسان آخر مع اعتبار الذنب لم يرتكب في حق الله. وأين تقع العدالة الالهية لإنصاف من ارتكب الذنب عليه من الآدميين؟ فالقتل والاغتصاب والسرقة والفواحش ما ظهر منها وما بطن والتعدي والظلم كلها ترتكب مع الغير ضد إرادتهم وبالتالي هناك حقوق إنسانية قد يطالب بها المظلوم أمام العادل الحكيم سبحانه وتعالى أيغفرها الله إذا لم يتنازل أصحاب الحق؟
نظرا لما تقدم ولدرء المخاطر على المجتمعات الإسلامية من ألآثار السلبية لمتفيقهين في الدين على الدولة التدخل بأجهزتها القانونية لمحاسبة كل من يدعو إلى الفتنة والتفرقة وعلى كل من يدعي المعرفة الدينية ويسعى لفرض فهمه للإسلام دون اعتبار الإطار المرسوم لتدبير شأننا الديني كمسلمين مستقلين قي دولة يسود فيها القانون والعقل والاطمئنان والعيش الكريم لكل من تواجد على أرضها. لقد استقل المغرب بشأنه الديني منذ بدايات انتشار الإسلام في ربوعه ولا يوجد اليوم سبب أن يملي عليه أحد الإسلام الصحيح كائن ما كان ومهما بلغ من المعرفة غربيا أوشرقيا، وهده دعوة لجميع المغاربة للتجنيد لوضع حد للمتطفلين على الدين واحتكار الطريق المستقيم. ولا يسعني إلا أن أذكر الذين وجهوا سهام انتقاداتهم إلى الاعياد المسيحية ورأس السنة وتشدقوا بالاختلافات بين المسيحيين في أمرور دينية أخرى بينهم تشمل تاريخ ولادة المسيح عليه السلام، بأن المسلمين أيضا اختلفوا في تاريخ ولادة الرسول ويمكن التأكد من هذا بالقيام بقليل من البحث في الكتب وفي الانترنت وهذا مثال على ذلك يصعب على من غسل دماغه من اعتباره ممكنا: “اختلف أهل السيَر والتاريخ في تحديد يوم وشهر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أمر له سببه المعقول حيث لم يُعلم ما سيكون لهذا المولود من شأن ، فكان حاله كحال غيره من المواليد ، ولذا لم يكن لأحد أن يجزم على وجه اليقين بوقت ميلاده صلى الله عليه وسلم.” كتب السير توضح ذلك أكثر.

ولا يسعني إلا أن أذكر الجميع على ضوء ما تقدم من أن أكرر دعوتي المتواضعة بضرورة حل جميع الأحزاب التي تدعي المرجعية الإسلامية ووضع حد للمتطفلين على الدين الذي هو شأن الجميع في دولتنا المستقلة في جميع شؤونها من فتاوي المشارقة وفتاوي المغاربة، فهل من مجيب؟ وكل هذا لا يعني أن التغيير غير مرغوب فيه، وأن مؤسساتنا بلغت درحة الكمال، لكن الدستور يحدد طرق العمل في هذا المنأى في سلام واطمئنان وتعاون الجميع على الصلاح والفلاح الذين ينادي بهما المؤذن للصلوات خمس مرات في اليوم في وطننا الغالي والغني.

*باحث وأستاذ العلوم الاجتماعية-اكادير

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد