الحسين بويعقوبي يقرأ الوضع الاجتماعي في ظل الحجر الصحي.

بقلم سعيد الهياق//
مما لاريب فيه أن العالم قاطبة لأول مرة في تاريخه الطويل يعيش أزمة وبائية خطيرة منذ الحرب العالمية الثانية. و الأنكى من ذلك فإن ظاهرة جائحة كورونا خربت جميع البنى التحية للمجتمعات المتحضرة. و فرضت على جميع طبقات المجتمع قَسْرِيّاً نمط عيش مشترك تختلف ماهيته حسب الوضع الاجتماعي لكل أسرة. نقدم
 رأي الدكتور الحسين بويعقوبي الباحث الأكاديمي في مجال الأنثربولوجيا ..

الحسين بويعقوبي يقرأ الوضع الاجتماعي في ظل الحجر الصحي.

لابد من الإشارة إلى أن هذا الوباء جاء بشكل مفاجئ وقلب كل الموازين إن على المستوى الدولي أو على مستوى السياسات الداخلية للدول.

فالعديد من الميزانيات التي كانت مخصصة لمجالات معينة ستوجه لتدبير تداعيات هذا الوباء والتي يصعب التكهن بمدى استمرارها.

لابد من التذكير بأن ما سأقوله ليس نتاج بحث ميداني يتوخى نتائج علمية، بل هو مجرد رأي يستند أساسا على ما هو معروف لدى أغلبية المتتبعين وعلى ملاحظة محيطنا القريب بعد ظهور وباء كورونا.

وعليه، فاذا كانت آثار هذه الأزمة بادية على الشركات والمؤسسات الكبرى وكذا على أصحاب المشاريع المتوسطة والصغرى، فما بالك بالفئات الاجتماعية الهشة التي كانت تعاني قبل هذا الوباء، لكنها كانت تدبر أمرها من خلال العديد من الأنشطة غير المهيكلة والعديد من الخدمات.

فعيش هذه الفئات كان يرتبط بالخروج اليومي من البيت، بل إن هذا الخروج بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت، وفجأة فرض عليهم المكوث في البيت.

يضاف لهذا تسريح العديد من العمال وارتفاع نسبة البطالة لأجل غير مسمى، ولا أحد يملك جوابا حقيقيا على تاريخ نهايته، وهو ما يجعل هذا الانتظار ممزوج أيضا بالخوف والقلق من مستقبل لا أحد يملك معالمه.

إلى جانب تأثيرات هذا الحجر على الدخل المادي للأسر يفرض الحجر الصحي في البيوت إشكالات أخرى وتظهر مشاكل كانت تحل سابقا وبشكل غير معلن بقضاء أكبر وقت ممكن في الخارج.

لقد أصبح تدبير فضاء البيت والزمان الطويل وكذا العلاقات الأسرية أمرا ملحا لا يخلو من مشاكل حسب كل أسرة.

فإذا كانت العائلات التي تعيش في بيوت ذات مساحات كبيرة وفيها كل إمكانات العيش الرغيد (مسبح، قاعة رياضة، فضاء أخضر، شمس، مكتبة،…)، لن تحس كثيرا بضغط الحجر الصحي، (أو ستحس به في مستويات أخرى من خلال فقدان بعض الممارسات الاجتماعية المرتبطة بانتمائها الاجتماعي)، ونفس الشيء يقال بدرجة أقل عن الطبقة المتوسطة، التي بدورها كانت تعاني قبل أزمة كورونا في مستوى معين، فان العائلات المتعددة الأفراد والتي تعيش في مساحة ضيقة، (وهي الغالبة) يكون ضغط الحجر الصحي عليها كبيرا.

فتعدد ميولات وممارسات أفراد هذه العائلات، وضمنها ممارسات كانت سرية لدى البعض قبل كورونا(مثلا التدخين أو شرب الخمر أو الأكل في رمضان، …) يصعب تدبيرها في فضاء ضيق وأمام أعين كل أفراد العائلة مما سيؤدي لتوترات، كما يظهر التنابز ثم الصراع بين الأزواج ويزداد العنف الأسري الذي تذهب النساء ضحيته، كما يزداد العنف ضد الأطفال، وأحيانا بين الإخوة ويكثر الاكتئاب الذي قد يؤدي لنتائج وخيمة.

وعلى هذا المستوى، فإذا كانت الفئات الغنية وكذا المتوسطة بإمكانها تدبير جيد لوقت الحجر الصحي من خلال القراءة والكتابة ومشاهدة الأفلام…فان الفئات الهشة وللأسباب التي ذكرت سابقا لا تجد ما تملأ به زمن المكوث الطويل في البيت فتزداد فرص ظهور مشاكل.

ولابد من الإشارة إلى أن طول مدة الحجر قد يصعب الوضع ولذلك قررالملك خلق صندوق التضامن لمواجهة آثار كورونا وتم التفكير في كيفية استفادة المعوزين والمتضررين من هذه الأزمة من الفئات الهشة، وسارت المجالس المنتخبة في نفس النهج ثم المجتمع المدني الذي تجند أيضا لمواجهة الآثار الاجتماعية لهذه الجائحة.

ولابد من التفكير أيضا في المتابعة النفسية للعائلات من خلال الإكثار من البرامج الإذاعية والتلفزية التي تناقش الآثار النفسية للحجر الصحي.”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد