الأديب منير المنير: في أفول السفاهة و بناء الثقافة.

بقلم سعيد الهياق//
للمثقف المغربي رؤية خاصة به في قراءة تداعيات واقع مرض فيروس كورونا المستجد- كوفيد19، قراءة تختلف بكل أبعادها الفكرية عن تصورات الفاعل السياسي و باقي الفاعلين الأساسليين للمشهد. مع الأديب منير المنيري في موضوع حول:

” في أفول السفاهة وبناء الثقافة.”

الحديث عن الثقافة في المغرب والعالم العربي اليوم، يستوجب الإطناب واستقصاء تاريخ السفاهة التي ساهم المجتمع بمختلف أطيافه في إشاعتها ونشرها ثم دمجها في منظومة القيم، وذلك بواسطة آليات وبرامج عشوائية، قبل الوصول إلى مفهوم موحد للثقافة، ولكن على أي فالثقافة التي يمكن أن يتفق عليها اليوم كل واع ومسؤول في نظري، هي الموقف الفكري، أو لك أن تقول إن الثقافة في أبسط معانيها هي موقف الإنسان تجاه الوجود ككل، فمن لا يمتلك موقفا يصدح به في الأزمات والمناسبات والمحافل لا يمكن نعته و وسمه بكلمة مثقف ولو امتلك معارف الأولين والآخرين، وأكثر من لغة في التعبير، إن الثقافة هي ما يتبدى لنا من سلوك الفرد، لا ما يدعيه فقط، والمثقف واحد لا يتجزأ سواء قبل الوباء أو بعده، ولكن الأمر الذي يجب أن نشير له في هذه الظرفية التاريخية الحرجة، وهو دور الإعلام في إبراز أصوات المثقفين الحقيقيين، والنبش عنهم، فكما هو معلوم وملموس فأغلب المثقفين يتحدثون بلغة تتأرجح بين الفكر والأدب، فهم يكرهون أشد الكره التملق والتقرب للمنابر الإعلامية لنبل أخلاقهم وقوة مبادئهم، وعلى العكس تجد أنصاف المثقفين والمهرجين يعتلون المنصات و المواقع و يبدلون أموالهم وأعراضهم فيسوقون الذوق العام إلى المهالك و التأخر الحضاري، في حين أن المثقفين الحقيقيين يعتزلون بآرائهم وحيدين و يتألمون في صمت و تمنعهم أنفتهم من مجاراة و مزاحمة ما يحيط بهم من سفاهة، وعوداً على ما سبق فإن الإعلام الرسمي و غير الرسمي كفيل بإبراز الثقافة الحقيقية التي تساهم في تقدم الشعوب و الأمم، و إبعاد السفهاء و الحمقى و الفارغين من الساحات و حصر أدوارهم في التسلية و ليس في إبداء الآراء كما نجد عند كثير من الراقصات و “الشيخات” و المخنثين و سفلة المغنيين ممن أصبحوا يبدون آراءهم في السياسة و الاجتماع، داخل محطات الإذاعات و القنوات ذات التاريخ العريق.
إن أزمة كرونة مناسبة من لا مناسبة له، لإعادة التفكير في خطة طريق نحو المجد و العلا، و لن يتأتى ذلك إلا بخلخلة المفاهيم المتوارثة و في مقدمتها مفهوم الثقافة و المثقف الذي أصبح لصيقا بكل من هب و دب، كلفظ الأستاذ الذي أصبح يطلق على نصف المجتمع، و أولى الخطوات لإعادة بناء صرح ثقافة حقيقية، إعادة الاعتبار إلى الجامعة المغربية، التي أصبحت فقاصة شواهد لا تسمن و لا تغني من علم، و المعارف فيها معزوة لفهم الأستاذ و تأويله و ليس إلى المصادر و المراجع و النظريات العامة في العلوم، و ثاني الخطوات هي جعل السياسة تبعا للثقافة و ليس العكس، فالمثقف الحقيقي هو من ينأى بنفسه عن المناصب إلا لضرورة ذات منفعة عامة…ولهذا ففكره يكون متحررا مما يُقَيَّدُ به السياسي من الطمع و الجشع في الاغتناء و الترقي إلى المناصب الكبرى، و لنا في التاريخ أمثلة، فأكثر المثقفين عطاء هم الناؤون بأنفسهم عن السياسة أو ممن طلقوها و احتضنوا الفكر، كمحمد عابد الجابري الذي تفرغ للفكر بعدما أنهى مسيرته بالسياسة فجاء إنتاجه غزيرا و نوعيا عكس زملائه في الجامعة ممن زاوجوا بين السياسة و الثقافة فجاء إنتاجهم متواضعا، إنني لا أعيب على المثقفين مزاولة السياسة، و إنما أنبه إلى أن السياسة مهنة قد تسرق الإنسان و تجعله ينظر للوجود من زاويتها الضيقة، أما الثقافة فهي مبدأ وجودي قائم على الحجة و البرهان مهما كان أصلها و مرجعيتها، و غايتها أن توحد و أن تنطلق من البديهيات لتصل عبر قواعد فهم إلى حقائق تلزم جميع أطراف النقاش، و لهذا فإننا نستنتج أن ما وصل إليه بعض دعاة الثقافة من شنآن و خصومات اليوم فظيع، و مرد ذلك إلى أربعة أشياء أساسية وهي:
• النظر للمسائل بمنطق الأهواء و المرجعيات الضيقة و الحرية الفكية الواهمة.
• عدم قبول انتصار الغير و لو بالحجة والبرهان.
• ادعاء الموسوعية و التطفل على التخصصات و العلوم.
• سهولة الولوج إلى المنابر الإعلامية و مواقع التواصل الاجتماعي و النشر فيها.
الأمور التي ولدت لنا سوق ثقافة تبور تجارته أمام تجارة الحضارات الأخرى، التي تختلف في المنطلقات و تتفق في النتائج، و تفرق بين الجد و الهزل.
إن جائحة كوفيد 19 و تداعياتها على الثقافة، خيط رفيع يجب أن نستنتج منها أنه لا يدوم إلا الصحيح، و هي فرصة للمثقف العربي للعودة إلى ذاته والتفكير في منطلقاته، كما أنها فرصة للجهات العليا لإعادة النظر في مثقفيها الحقيقيين و دعمهم من أجل إنتاج ثقافة ترفع رؤوسنا في المستقبل بين الشعوب، بعد الجائحة التي ستغير النظام العالمي لا محالة و تجعل التميز فيه لمن يمتلك ثقافة حقيقية منتجة، و ليس لمن يمتلك الأسلحة و رؤوس الأموال فقط.

الأديب منير المنير

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد