أخبار جائحة “كورونا” .. نِعمة الثورة الرقمية ونِقْمة “الفايك نْيُوزْ”

تغيّرت العديد من معالم الحياة اليومية لأغلب سكان الأرض، وتحول الاتصال والتواصل باستعمال منصات التواصل الاجتماعي في ظل الحجر الصحي من الاستثناء إلى قاعدة عامة؛ فقد أصبح التواصل بين الأهالي عن بُعد، والتعليم عن بُعد، والتسوق عن بُعد، والرياضة عن بُعد، وعقد اجتماعات وندوات ومؤتمرات عن بُعد… (مؤتمر جي G20 والأوبيك، الاتحاد الأوروبي).

إن إغلب سكان الأرض يقفلون على أنفسهم أبواب منازلهم في ظل الحجر الصحي، لكنهم يطلون على العالم من خلال نوافذ شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي (تلفزيونات وإذاعات وجرائد ومواقع إلكترونية….) وبها يتواصلون ويعرفون مسارات جبهات الحرب في المعركة ضد جائحة كورونا، ويطلعون على الحصيلة اليومية للحرب على كورونا.. عن طريق ندوات صحافية عن بُعد ينظمها مسؤولو كل البلدان لإعطاء الأرقام والإحصائيات الحقيقية.

مع التنبيه هنا إلى استغلال جهات عديدة لمساحات كبيرة للحرية في منصات التواصل الاجتماعي، وذلك باختلاق ونشر الأخبار الزائفة أو (الفايك نيوز) وإغراق منصات الويب بها، لخدمة أجندات سياسية أو اقتصادية معينة… أو يكون الهدف منها هو الإرباك أو إشاعة حالة الهلع والخوف، وذلك بنشر معلومات خاطئة عن فيروس كورونا أو تبادل الاتهامات كما حصل بين أمريكا والصين… وهو ما جعل من محاربة “الفايك نيوز” أولوية مهمة تُوجب عقوبات زجرية قوية من جهة، واعتبارها إحدى جبهات الحرب على كورونا من جهة ثانية.

إن انتقال ممارسة طقوس الحياة اليومية للملايين من سكان الأرض من العالم الواقعي والمادي إلى عالم الويب الافتراضي هو أحد أهم معالم الصراع الدائر الآن في زمن كورونا… وهو ما قد يجعل منه أيضا “صراعا رقميا” بين الدول الكبرى، خاصة بين الصين وأمريكا… مما يعني معه المنافسة والصراع بين الشركات العالمية الكبرى للاتصالات وهندسة الأنظمة الرقمية وتطوير أنظمة محاربة الفيروسات الإلكترونية والذكاء الاصطناعي وغيرها… خاصة بين “سيلكون فالي” بالولايات المتحدة الامريكية والصين… ورغبة هذه الأخيرة في تطوير صناعاتها الإلكترونية بما فيها التحرر التدريجي من استعمال “محركات البحث” الأمريكية واستعمال محركات بحث صينية الصنع، بل ومنافسة الولايات المتحدة في أسواقها الكلاسيكية أي كندا وأوروبا، وهو الصراع الذي عرف أشده حول الجيل الخامس G5، ورفض أمريكا لتوقيع بعض الدول الأوروبية اتفاقيات مع الصتفرز ين من أجل تطوير G5، تارة صراحة بنشر تقارير تتعلق بارتباط G5 مع المؤسسة العسكرية الصينية، أو ضِمنا وذلك برفع رسوم جمركية على بعض مواد صناعات إلكترونية، بل كانت إحدى نقاط اجتماع الناتو في فبراير الماضي.

إن الصراع الرقمي هو أحد أهم واجهات الحرب بين الصين وأمريكا في زمن جائحة كورونا… وهو صراع مهم حول “البيغ داتا” لأهداف تجارية وأمنية وحتى انتخابية…. وهو ما يمكن قبوله كتبرير لاستقبال السيد مارك زوكربيرج، مالك “فيسبوك”، كأحد رؤساء الدول في الاجتماع السنوي “لمؤتمر ميونخ للأمن ” MSC في فبراير 2019 و2020 .. المعروف كملتقى لخبراء السياسة الأمنية في العالم.

لكن في المقابل لا يمكننا الجزم بصحة هذه الفرضية أو تلك، وبأن الثورة الرقمية هي سبب مباشر للحرب بين الصين وأمريكا.. أو أن الفاعلين الكبار في مجال الثورة الرقمية في “سيليكون فالي” بأمريكا والصين هم أحد المستفيدين الكبار في الحرب على كورونا.

لكن الأكيد هو أن هذا الصراع قد ساهم في الرفع بالفعل من نسبة الأخبار الزائفة أو “الفايك نيوز” إلى حد إغراق كل شبكات التواصل الاجتماعي بأخبار بعيدة عن الحقيقة؛ لكنها تخدم جهات معينة، كما أنها قد تُعرقل كل أعمال وقنوات التنسيق والتضامن والتعاون التي أوصت بها مُخرجات القمة الأخيرة لجي 20 G، من أجل محاصرة فيروس كورونا والوصول إلى علاج فعال وسريع يُنهي به هذه الحرب وإعلان انتصار الإنسانية.

عبد الله بوصوف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد