“با سعيد ”   الرجل الأسطورة الذي جمع بين العقل والجنون في حياته

”أنا لا أتذكر إلا النساء، ” مقولة “با سعيد ”

 بقلم ذ. الفنان عمر أيت سعيد

كم هو صعب أن يعتبرك المجتمع مجنونا تافها وقلبك يخفق ويرق لأوهن المخلوقات والحيوانات. فمن منا لا يعرف هذه الأسطورة التي عاشت بين جداول قلعة مكونة وواحتي دادس وامكون. رجل طاعن في السن لكن قسمات وجهه وبسمته التي لا تغادر شفتيه لا تعكس سنه وشيخوخته.

برزة زرقاء طويلة وسلهام وجلباب أبضين هكذا يرتاد ” با سعيد رحمه الله ” لباسه ، لباس وإن كان رثا أو ممزقا لكن يحمل بين طياته التصاق الرجل بالماضي وأمجاده وتشبته بنخوة الرجال وعزة النفس كالأبطال. لكن الغريب كان يبدو فيما كان يحمله ”با سعيد ” في يده ، إد كان يحمل عصا ليست ككل العصي. هي بالنسبة لنا تشبه الى حد بعيد شخصية مسرحية متنكرة ترافق ”با سعيد ” أينما حل وارتحل ”إد لا يمكن أن نتخيل ”با سعيد” بدون عصاه . أحيانا يشرح بها نظرياته أو شعره الدافق الشجي وأحيانا أخرى يستعملها للإشارة أو يلعب بها في أدوار لا تعجب الناس كثيرا فتارة يجعل منها ذيلا له و أخرى يجعل منعا جهازا تناسليا له وكثيرا ما يفعل ذلك أمام الناس الذين لا يروقون له …

الكثير من الناس يعتبرونه سافها أو سافلا ويخافون أن يحرجهم بكلامه الذي يعتبرونه ساقطا أو بعصاه المتقمصة للشخصيات فيتفادون اللقاء به خاصة عندما تكون النساء حاضرة لأن ”با سعيد” يحب النساء .كيف لا وهو الشاعر والبوهالي والعاشق للجمال ، حينما يصعد في حافلة أو سيارة ترى الناس تتبدل ملامح وجوههم خوفا من عبارة محرجة قد تنفلت من فم ”باسعيد” في أي وقت وحين. فالكثير من الشباب يعرف مقولته حينما سأله أحد الأصدقاء الذين يعرفونه حق المعرفة قائلا : ” با سعيد هل تتذكرني؟ فرد عليه الحكيم أنا يا بني لا أتذكر إلا النساء ” النساء بالنسبة له كنه الوجوه وماهيته ، فالنساء بالنسبة له أرحم من الرجال ، النساء يحنون عليه أكثر…

وفي لحظة انفلتت من الزمن يوما شاءت الأقدار أن نعيش ونشهد موقفا إنسانيا مؤثرا مع با سعيد. كنت مع صديقي با لحو نحن الاثنين نرتشف قهوة المساء في أحد المقاهي تحت الشجرة بقلعة مكونة وإدا بباسعيد يجر بحبل بغلا يبدو على البغل أنه انكسر في أحد رجليه الأماميتين فقررنا أنا وصديقي أن نتبعه خطواته لنرى ما يصنع بالبغل. وكم كانت دهشتنا كبيرة حينما اكتشفنا أن لبا سعيد قلبا رحيما يفوق قلوب الكثير من الناس القاسية قلوبهم، وجدناه يسوق ويأخذ البغل الى مكان أمن بضواحي فندق كبير بذات القرية ”مكونة ” ويعلفه من الكلأ والعشب .وبين الفينة والأخرى كان البغل ينفلت له وينزل مرة أخرى الى وسط القرية حيث المقاهي والمدراس فكان الأطفال يتربصون بسوء ويعتدون على البغل بمتابعته ورشقه بالحجارة وهو يعاني من كسر في رجله الأمامية يعاني في صمت لكن سرعان ما يتدخل الأسطورة ” با سعيد ” الرحيم قلبه فيفك البغل المتخلى عنه من عذابه مع الطفولة الشقية ويجر حبله تارة أخرى الى المكان الأمن .

كنت أنا وصديقي نرى المشهد أكثر من مرة ، ”با سعيد” والبغل ، قصة لم يرها الا القليل ولم يعيها الا القليل من الناس ، لكنها تنم عن عظمة معدن هذا الرجل وسمو أخلاقه ورقي قلبه وإن كان المجتمع يعتبر سلوكياته خارج السياق ويصنفها نشازا وجنونا. (اللوحة التشكيلية  لبا سعيد من ابداع الفنان التشكيلي ابراهيم بوزير )

بقلم ذ.الفنان عمر أيت سعيد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد