المغرب فضل حماية شعبه على حساب اقتصاده

بقلم : يوسف غريب //

تراجعت كل الإهتمامات الأخرى أمام زحف هذا الوباء العابر للقارات.. . ولم تعد القنوات التلفزيونية تختلف إلاّ في حجم الإصابات هنا.. وعدد الوفيات هناك.. وبين خطاب رئيس دولة يعلن قرار الحرب… إلى رئيس آخر يطلب المساعدة الفورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. حتّى أن هذا الوباء كشف بالملموس هشاشة الأنظمة الصّحية لدى أغلبية هذه البلدان التى كانت تعتبر إلى حدود البارحة نمودجية.. حتّى المؤسسات المدنية عاجزة بمفردها على مواجهة الانتشار واسع النطاق لفيروس كورونا، فتمّ الاعتماد على الجيش لأمننة التهديدات الوبائية، والحاجة لفرض إجراءات الحجر الصحي وحظر التجوال في مناطق تفشي الأوبئة، وإلزام المواطنين بتطبيق القوانين والقواعد المنظِّمة للحركة…

كي تعود إلى بلدك بارتفاع منسوب القلق الوجداني من انهيار دول وبكل امكانياتها اللوجيستيكية وبنياتها الصّحية المتطورة.. والتي لا مجال للمقارنة بينها وبين المغرب وتبحث عن عدد المصابين بهذا الوباء الذي لا يتعدّى 50 حالة.. كلها وافدة من الخارج…منذ بداية انتشاره.. وهو مؤشر ايجابيّ جدّاـ مقارنة مع سرعة انتشاره في منا طق مجاورة.. بل لخدْ السّاعة لم تتحوّل بلدنا إلى بؤرة وبائية- لا قدّر الله- أو ما يسمّى بالمرحلة الأولى حسب منظمة الصحة العالمية

ليتضح وبالملموس حسب رأي الخبراء في هذا المجال أن بلدنا دبّرت هذه المرحلة لوباء كورونا ( والأخيرة طبعاً) بالكثير من النضج والمسؤولية والتدبير الإستباقي لتطويق هذه الآفة.. إذ يعتبر من الدول الأوائل الذين أجْلوا جل المغاربة المحاصرين في مدينة ووهان وخاصة الطلبة.. وأقام حجراً صحّيا لمدة 20 يوم وبإشراف عام لمختلف الأطقم الطبية والتمريضية المغربية ذات الكفاءة العالية.. كان هذا الحجر الصحّي هو الأول والوحيد وسط هذه الجغرافية الممتدّة من أفريقيا إلى أوروبا كما أشارت إلى ذلك بعض التقارير التلفزة لإحدى القنوات الأجنبية.

هو تدبير أوَْليُُ سيكون له تأثير كبير على باقي القرارات الاحترازيةالأخرى التي كلها تسير في اتجاه حماية البلاد والعباد فوق كل اعتبار آخر…بدليل اتخاد قرار إغلاق الحدود بشكل نهائي مع أغلبية الدول المجاورة .. وبكل ما يحمل ذلك من تبعات وانعكاسات اقتصادية واجتماعية جدُ عميقة..بل نظمّ أكثر من مئة رحلة لارجاع الأجانب لبلدانهم كانتصار لقيمنا الإنسانية في مثل هذه الأزمات لاغير.

وفي نفس السياق إيقاف الدراسة الصّفية واستئناف تجربة التعليم عن بعد..مع إغلاق جميع المقاهي وأماكن التجمعات التى تفوق الخمسين شخص وأكثر مثل المساجد والأنشطة الاشعاعية.. حتى دخلنا بشكل تطوعي إلى الحجر الصحّي تدريجيا..
كل هذه التدبير الاستباقية كانت من أجل أن لا نتجاوز المرحلة الأولى.. ولن نتجاوزها إن شاء الله..
هي مجمل الخطوات الحكيمة التى دفعت مسؤولا حكوميا أسبانيا بالقول ” علينا أن ننتبه إلى المغرب في أسلوب تدبيره لهذه الأزمة الوبائية” وتذكرت كيف تعرّض رئيس حكومتنا للكثير من السخرية حين صرّح بأن هناك دولا غربية تطالب مساعدتنا… تذكرت – وبحسرة- بأن تجليد الذات تكاد تكون هواية البعض منّا..

لكن الأهمّ ونحن في ظل هذه الأزمة الوبائية أن ليس هناك خطاباً لرئيس الدولة بل فعل وإجراءات وتدبير يوميّ واستباقيّ ضد انتشار هذا الوباء بشكل يفوق امكانياتنا…آخرها تلك الأوامر الملكية إلى الجيش المغربي لوضع كل مقدوراته العلاجية والاستشفائية رهن إشارة وزراة الصحة العمومية..
والأهمّ أيضا هذا التواصل اليومي للوزارة الوصية وبكل مرافقها قصد الاخبار والإطمئنان. من جهة.. ودحض كل الإشاعات والمشاهد المفبركة..

الأهمّ أيضا هذا النفس القتالي للأطقم الطبية والتمريضية المغربية المعبأة ليل نهار من أجلنا أجلنا جميعا…وبهذه الكفاءة العالية حتى أن البلد لم تشهد إلاّ وفاة حالة واحدة منذ بداية الازمة..
الأهم هذه التعبئة الوطنية لكل من رجال التعليم العاملين على إنقاذ السنة الدراسية وبمبادرات جد مذهلة.. ورجال الأمن الحربصين على مقاومة كل التسربات التى تقوض الأمن النفسي والروحي للعباد.
وفوق كل هذا وذاك.. سرعة التعبيرو التفاعل والتجاوب مع فكرة تأسيس صندوق خاص لهذا الوباء بحس تضامني فريد فاق سقف ما حدّد له.. يؤكد لك قناعة الاعتزاز بالانتماء والافتخار ببلدك…

كشعب أصيل بقيمه الحضارية… وكدولة وبمؤسسات جديرة بالاحترام والامتنان.. لهذا القرار الحكيم الذي اختار أن يحمي العباد على حماية الاقتصاد وغيره من المصالح المادًية الأخرى..
لأن أرواح الناس وحياتهم أمانة شرعية قبل كل شئ.. وهو ما لم يفهمه – ولن يفهمه – ذاك الفقيه الأصفر الذي أخرجنا من دار الإسلام إلى دار الكفر.. وهو لن يفهم وغيره أن الحفاظ على أرواح الرعية كما في ديننا أسبق وأعظم وأجل من الحفاظ على الصلوات الخمس.. ولقد صدق الصحابيّ عمر بن الخطاب حين رفض أن يدخل إلى بلاد الشام الموبوءة بالطاعون..
” أتهرب من قضاء الله ياعمر..”
” قال نعم.. أهرب منه.. إلى قضاء الله آخر..”

لذلك نرفع قبعتنا كمواطنين لكل المؤسسات الدستورية والمنظمات والإطارات العاملة على تخفيف ما نزل من قدر الله نحو قدر الله أكثر أمناً ونجاة..

   

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد