وتظل القصبات نافذة تشدنا الى الحضارة المغربية الغنية بتراثها

بقلم ذ. الفنان عمر أيت سعيد //

وتظل القصبات وجها ماديا يعكس عظمة التراث المغربي المادي منه عبر العصور. كيف لا وهي تحمل بين طيات جدرانها لمسة الإنسان الأمازيغي والفينيقي واليهودي والعربي بل تعكس زبدة الإبداع الإنساني
ربما نتساءل يوما لماذا قاومت كل من صومعة حسان وصومعة الكتبية تعرية الأزمنة الغابرة والجواب بكل بساطة هو أن المغاربة الأمازيغ يتقنون ويعرفون جيدا كيف يمزجون الأتربة والطين بعضها البعض لكي يبنوا بها ولكي تتفاعل فيما بعد لتكون حائطا منيعا وصلبا كشأن هذه المعالم السالفة الذكر .
والجنوب الشرقي ” أسامر” بد وره غني بهذه المعالم الحضارية المادية أي القصبات ، قصبات تجاور الوديان تزين الواحات تحكي قصصا وتروي عجائب، لقد كان من بين وظائفها الأولى الوظيفة التحصينية أو الوظيفة الحربية حيت نجد في بعض القصور ” إغرمان ” الكبيرة في ”أسامر” خنادق ومتاهات تيسر الدفاع عن النفس لكن بعد مرور فترات الرصاص والبارود لبست القصبات ثوب الجمال والبهاء فزين الدادسيون و المكونيون – نسبة الى سكان دادس و مكونة – قصباتهم بشكل يسترعي الانتباه و يثير الإعجاب .
أمام هذا الجمال المعماري تأثرنا وتربينا بين ردهات القصبات فانتشينا برائحة التربة وسط البهو حين ترش الأمهات الأرض بالماء فتعتريك رعشة بسبب عظمة تلك الرائحة التي تذكرك بمعينك و أصلك الترابي .
من هذا المنطلق إكتسبنا مهارة الرسم و الصباغة و التشكيل . فعبر المحاكاة ومرورا بالتقليد صقلنا موهبتنا حتى أصبحنا نعتقد أننا نستطيع رسم الجمال على الألواح. ولمدة ليست بالهينة رسمنا الكثير على الألواح و الجدران وفي المدارس و الدفاتر وأحيانا من باب الشغب الجميل رسمنا على الطاولات بحب وعشق لجمال القصبات.
وحينما شاءت الاقدار أن نشد الرحال الى مدينة أكادير الجميلة الزرقاء ببحرها والخضراء بأركانها ربحنا مساحات أخرى جميلة للخلق والإنتاج، وجدنا فضاءات أوسع للتعبير والإبداع والتقينا بمبدعين وفنانين تعلمنا منهم ولازلنا نتعلم لكن لم تمت القصبات في ذاكرتنا ولم تنمحي الصداقات القديمة في قلوبنا ، رغم رحيلنا عن بلدتنا .فالثقافة وعاء نحمله معنا أينما حللنا وارتحلنا . قدمنا الى أكادير فعملنا على رسم القصبات على شكل جداريات في مؤسسات تربوية وفي معارض تشكيلية . عملنا وكلنا أمل وعزيمة على إيصال رسالة وحيدة وهي أن القصبة ليست من الماضي ، القصبة صرخة أصيلة تتحدى الزحف الإسمنتي ”الغولي ” إن صح التعبير .القصبة لوحة فنية ونظرة ثاقبة تخترق الزمان و المكان . متى كانت عودتنا الى التصاميم الأصيلة تخلفا ؟ أليست العمارة الأمازيغية إبداع يميزنا عن غيرنا ايجابا بل ويرتقي بنا الى مصاف الدول المحافظة على تراثها ؟
متى كان التراث عيبا ؟ لماذا نبني مدنا تعكس حضارات ليست لنا ولا منا ؟ لماذا نخجل من تراثنا ؟ …الإكودار نسبة الى أكادير أي الحصن، بسوس العالمة يشكل علامة عظيمة تحيلنا على البنوك القديمة . كيف لا نفتخر بمناحل تارودانت الضاربة في أعماق التاريخ ؟ أليست من أكبر مناحل العالم وهي الأصيلة والعريقة و الطبيعية . كفى احتقارا لذواتنا ولنستمع لأنين القصبات وصرخات التراث .
ذ.الفنان عمر أيت سعيد

   

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد