التكتيكات الجديدة لمناصرة قضايا المجتمع المدني

ازول بريس/ Azulpress

استلهم رواد المجتمع المدني طيلة ردح من الزمن تكتيكات متنوعة لنصرة قضاياهم والدفاع عنها، غير أن مآلها يتدحرج ما بين قوة الاقناع والتأثير ثارة والفشل الذريع ثارة آخرى. ولعل المتأمل في معظم الاستراتيجيات المتبعة سيجدها تنبني على مقاربات عتيقة تعيد إنتاج نفس الرؤى التغييرية، كما قد تصتدم باستبداد الانظمة المهيمنة ولا تجد منفذا لتحقيق التغيير.
فهل المجتمع المدني قادر على المشاركة في التغيير؟ وكيف يقوض التكتيكات الكلاسيكية التي تفشل في التغيير؟ كيف ندافع عن قضية مجتمعية بتكتيكات مبدعة؟ وهل المناظرة/ المناصرة كفيلة بتحقيق الاهداف المنشودة؟ ما هي المعيقات التي تجابه المجتمع المدني ؟ وما هي الاستراتيجيات الفعالة لتحقيق أهداف ذكية؟
يمكن اختزال العلاقة الجدلية بين المجتمع المدني والدولة في نوعين :
1: علاقة صراع وتنافر: ويسود هذا النمط في المجتمعات ذات نظام شمولي ديكتاتوري، حيث يلعب المجتمع المدني دور المعارض الديموقراطي، ويدافع عن قضايا وهموم المجتمع، باتباع تكتيكات كلاسيكية كالعصيان المدني، والاحتجاج السلمي وغير السلمي، فضلا عن الاضراب وقد يلجأ للثورات كحل جذري..
2: علاقة تكامل وتفاعل: وهو النوع الشائع في البلدان الديموقراطية التي تتفاعل مع المجتمع المدني وتعتبره حلقة وصل بينها وبين الدولة، كما تنظر اليه كمكمل لادوارها، لذلك تشركه في بلورة وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية، وتدعمه لسد الثغرات والاختلالات الناتجة عن سياستها.
وتجدر الاشارة الى أن النوعين قد يتواجدان معا في ظل نظام واحد، بمعنى أن المجتمع المدني ليس كيانا موحدا ومتناغما بقدرما تحدث تصدعات داخله، ولو كان النظام ديموقراطي ويشرك المجتمع المدني، كما قد يحدث العكس..
يبدو أن الغاية المتوخاة من دينامية أي مجتمع مدني هي رأب التصدعات الناتجة عن سياسات الدولة، والضغط عليها من اجل التغيير. ايمانا بالمقولة المأثورة: ” أن نشعل شمعة خير أن نلعن الظلام.”
إن التفكير في استراتيجيات مبدعة وفعالة كفيل بتحقيق التغيير المنشود، ولعل أسلوب المناظرة وتقنيات المناصرة والترافع أتبث نجاعته في تغيير السياسات وممارسة الضغط بتقديم الحجج  والبراهين التي تبين كيفية إحداث التغيير، والاسباب الكامنة وراء وجوب إحداثه.
“وتضم عملية المناصرة عدة أنشطة: كالضغط المباشر، وبناء التحالفات، ورفع الدعاوي القضائية بشكل استراتيجي، وتقديم عرائض شعبية أو ملتمسات تشريعية، وكذا التواصل الاعلامي وتوجيه الرأي العام..
غير أن نجاح أية مناصرة يستلزم أولا: اختيار قضية محددة للدفاع عنها وابراز مشكلتها. ويمكن اتباع استراتيجية الخطوات الخمس لحل المشكلات واتخاذ القرار والتي تبدأ أولا: بتحديد المشكلة التي نرغب في حلها ومناصرتها.
ثانيا:  تحليل المشكلة باعتماد تكتيك شجرة المشكلات التي تعيننها على استيعاب وفهم المشكلة، وتتكون الشجرة من الجذور أي أصل المشكلة./ الجذع: أي الاسباب الاساسية للمشكل./ النتائج: اي نتائج ومظاهر المشكل.
ثالثا: بعد تحليل المشكلة باتباع تكتيك شجرة المشكلات يمكننها ابتكار الحلول المبدعة ، وقد نعتمد على تقنية العصف الذهني للتفكير بكل حرية في مختلف الحلول، مما سيسمح لنا باختيار أجودها وأنجعها.
رابعا: التنفيذ وهي مرحلة مهمة لتتويج المجهودات المبذولة من قبل منظمة مدنية ما، وسيرورة طبيعية لمسار المناظرة.
خامسا: مراقبة النتائج التي تعتبر بمثابة تقييم لمدى نجاح عملية المدافعة والى اي حد تحققت الاهداف المبتغاة، وتسمح بوضع التكتيكات المتبعة موضع سؤال ونقد، فإما أن نثمن العملية ونهنئ أنفسنا على نجاحها، وإما انتقاد العمل ومحاولة كشف ثغراته ونقاط ضعفه لتجاوزها مستقبلا.
إن نجاح أية مناصرة يستدعي اتباع خطة عقلانية محكمة، والتخطيط الاستراتيجي الناجع. ولا يمكن اغفال العلاقة الجدلية بين النتائج والاهداف المنشودة، فقد أثبتت العديدة من الدراسات أن اختيار الاهداف الخاطئة واتباع استراتيجيات منمطة يؤدي الى نفس النتيجة، ألم يقل أينشتاين أن الغباء هو ” فعل نفس الشيء، بنفس الاسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة”.
ولضمان نجاح قضيتنا ينبغي اتباع استراتيجية الأهداف الذكية SMART Goals.
فغالبا ما نختار أهداف مبهمة وغامضة ونستغرب من فشلنا في تحقيقها، او من سوء تفاعل السلطات الحكومية معها، أو ضعف تأييدها من لدن أصحاب المصلحة. ولذلك لابد من تطبيق هذه الاستراتيجية على أهداف أي قضية مجتمعية.
وتحمل كلمة سمارت SMART دلالات نستشفها من تفكيك أبجديتها:
  فالحرف اللاتيني S : Specific يدل على أن الهدف يجب أن يكون محدد وواضح فلا يمكن مثلا اختيار تحرير فلسطين كهدف للمناصرة لانه عام وفضفاض ولا يندرج ضمن الاهداف الذكية.
أما M:  Measurable يعني قابل للقياس مثلا اختيار هدف إحداث فضاءات خضراء للاطفال غير قابل للقياس، لذا يجب تحويره وتعديله ليصبح قابلا للقياس كالقول إحداث 3 فضاءات للالعاب والترفيه.
أما A: Agreed فيعني متفق عليه، أي يجب أن يتفق عليه المكتب الاداري للمنظمة المدنية مع السلطات الحكومية بمعنى أن يندرج ضمن اختصاصاتها التي تنص عليها القوانين التنظيمية..
أما R: Realistic فتعني واقعي وقابل للتحقيق، فلا يمكن مناصرة قضايا ذات أهداف مستحيلة التحقيق.
أما T: Timed فيقصد به أن الهدف محدد زمنيا، أي مرتبط بوقت محدد لتحقيقه.
لابد من الاشارة الى ان سيرورة المناظرة تستلزم كذلك تحديد وتحليل أصحاب المصلحة (الهيئات والفئات والمؤسسات والافراد ) الذين سيتأثرون من الهدف المحدد في قضيتنا إما بشكل سلبي أو إيجابي ويمكن تقسيمهم الى:
1-الشركاء
2_ الحلفاء
3- المحايدين.
4- الخصوم.
نخلص انطلاقا مما تقدم أن المجتمع المدني يلعب أدوار طلائعية في الدفاع عن القضايا المجتمعية، وأن نجاح أي مناظرة رهين بالتكتيكات المبدعة والفعالة المتبعة وهي عصارة المعارف المكتسبة من المساق التدريبي الالكتروني حول تقنيات المناظرة واليات المناصرة والمدافعة، الذي أطره معهد الفضاء المدني بشراكة مع  مركز الشباب للابحاث والتنمية.
ذ. الحسن أمخلوف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد