ليبيا بؤرة التوتر في شمال افريقيا

حسن أوريد //

في مؤتمر دولي، كنت التقيت بمسؤول ليبي سابق، تولى قيادة الحكومة بعد الإطاحة بنظام القذافي، أرجع تعقد الملف الليبي إلى كثرة التدخلات الدولية، حتى صارت ليبيا حلبة لتنافس قوى خارجية ذات أحجام مختلفة وأجندات متضاربة، ولم يعد الليبيون مالكين لأمورهم، شأنهم شأن كومبارس في فيلم، ليسوا في النص، ولا في الإخراج.
وما فاقم الوضع، التركيبة القبلية في غياب ثقافة الدولة، والعنف الذي غرسه نظام القذافي، بزجّه الأطفال كي يشاهدوا في ستاد كرة القدم عمليات الإعدام للمعارضين، وتولد عنه الاستخفاف بالحياة والإنسان.
وكانت الأمور قبل سنتين من كلام المسؤول الليبي، قد ازدادت حدة التدخلات الدولية، وتأجج الوضع بين أهم فريقين في المشهد الليبي، القائد العسكري حفتر، والحكومة الشرعية، عدا عن وحدات قبلية وميليشيات، على رأسها أمراء حرب، يحولون ولاءاتهم حسب الظرفية والمصالح، ووحدات مافيوزية تستفيد من الوضع القائم. وزاد الطين بلّة قوى غربية تلعب على الحبلين، تساند ظاهريا الحكومة الشرعية، وترتبط بعلاقات مع قوى حفتر.

أي تأخير في فرض الحل، وأي تنصل عن الاتفاقات من شأنه أن يفاقم الوضع وتتناسل عنه تطورات تهدد ليبيا والمنطقة

عرف الملف الليبي اختراقا بعد قرار أنقرة بعث وحدات عسكرية إلى ليبيا لحماية الحكومة الشرعية، وهو القرار الذي تناسلت عنه سلسلة من الإجراءات، كان من نتائجها لقاء موسكو الذي جمع الطرفين المتنازعين تحت رعاية كل من تركيا وروسيا، للتوصل لحل، مع التزام الطرفين بوقف إطلاق النار. الخطوط العريضة للاتفاق الذي لم يُعلن بعد عن مقتضياته، والذي رعته كل من روسيا وتركيا بموسكو يوم 13 يناير الحالي بشأن ليبيا، قد يكون فرصة لوضع حد لمأساة الشعب الليبي، في أفق لقاء برلين، تحت رعاية أممية. ظهر جليا غياب أطراف مغاربية ذات رؤية منسجمة، أو عربية يكون لها موقف مبدئي واضح في الملف الليبي. كل الأطراف التي كان من المفترض أن تكون جزءا من الحل، فشلت، وأججت الخلافات. كان على الدول المغاربية التي تتفق في دعمها للحكومة الشرعية ووحدة ليبيا، أن تخرج بموقف موحد. وكان على الدول العربية والجامعة العربية أن تدعم الشرعية، على أن تميل بعضها لخيار القوة. وكان على الطرفين الأوربيين إيطاليا أولا، وفرنسا ثانيا، أن يتكلما لغة واحدة، لا أن يصبح الملف الليبي ساحة لتصريف اختلافاتهما، بشكل مضمر وسافر، وكان عليهما دعم الشرعية الدولية، عوض اللعب على الحبلين. ضبابية موقف فرنسا وإيطاليا، وارتباطهما ظاهريا بالحكومة الشرعية، والإبقاء على علاقات مع الجنرال حفتر، أسهم في إطالة أمد التوتر من خلال مدّ الميلشيات المسلحة ذريعة للاستخفاف بكل الاتفاقات المبرمة والتعهدات، الأمر الذي أدى ثمنَه الشعبُ الليبي، في الأرواح والمنشآت والممتلكات. عدم التوصل إلى حل ملزم، لا يهدد الشعب الليبي وحده، في أمنه واستقراره ووحدته، بل المنطقة كلها. وضع الدولة الفاشلة، يجعل من ليبيا لقمة سائغة للاتجاهات المتطرفة، كما حدث قبيل سنوات في إقليم سيرت، حيث نشطت وحدات مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي واجترحت أفعالا رهيبة، فضلا عن مشكل الهجرة في غياب سلطة قوية تبسط نفوذها على المعابر، في الجنوب والشرق، وتتحكم في منافذ الخروج على البحر. غياب دولة قوية جعل ليبيا أكبر مَعبر للهجرة غير الشرعية في حوض البحر الأبيض المتوسط، وسمح بقيام شبكات الاتجار في البشر. استمرار الوضع بالشكل الذي هو عليه تهديد لأوروبا، وبالشكل الذي يمكن أن يؤول له، تهديد لتونس والجزائر، مع تداعيات ذلك على المنطقة المغاربية كلها. الحرب الأهلية، أو التقسيم خطر على المنطقة من غير استثناء، ومن شأنه أن يؤجج الانتماءات الجهوية والقبلية التي لا توفر بلدا
إن أي تأخير في فرض الحل، وأي تنصل عن الاتفاقات من شأنه أن يفاقم من الوضع وتتناسل عنه تطورات تهدد ليبيا والمنطقة. لقد كان اتفاق الصخيرات فرصة للحل، وتم إفراغ الاتفاق من خلال استخفاف أطراف في النزاع، كانت تشعر بأنها مسنودة بقوى إقليمية سعت إلى تقويضه. ضبابية موقف كل من فرنسا وإيطاليا، ومراهنتهما على مصر، عوض الشرعية الدولية، كانتا من الأسباب التي أضعفت إطار اتفاق الصخيرات. سلسلة إخفاقات الأطراف الضالعة في الملف في السابق هو ما منح الشرعية لكل من تركيا وروسيا للتدخل والحصول على نتائج ملموسة. إن فشل كل من فرنسا وإيطاليا، في الملف الليبي هو ما دفعاهما لقبول تدخل كل من تركيا وروسيا، على مضض. وإذا كان التنافس الفرنسي الإيطالي، قد عزز من دور تركيا، فليس مستبعدا أن تعمد أطراف لا يروق لها التطور الحاصل، أن تنسف التفاهمات الجارية، وتُقوض لقاء برلين كما فعلت مع اتفاق الصخيرات. إن توصل كل من تركيا وروسيا إلى تفاهم بشأن الملف الليبي، يؤشر إلى تغيير الفاعلين الدوليين في شمال افريقيا. هو انتصار للدبلوماسية التركية، وتعزيز للدور الروسي في حوض البحر الأبيض المتوسط، مثلما ظهر جليا انسحاب الولايات المتحدة من الملف، والتي لم تمانع في التوصل لاتفاق برعاية روسيا وتركيا، وظهر كذلك تذبذب المواقف الأوروبية، ما قد يؤشر مستقبلا إلى تقلص دورها في المنطقة، أو وضعها موضع مساءلة، خاصة فرنسا. أضحى كل من تركيا وروسيا فاعلَين في شمال افريقيا. ومن شأن هذا الدور أن يتعزز، ويُخشى أن تتحول المنطقة إلى حلبة صراع ما بين القوى الغربية القديمة، والقوى الجديدة، في غياب التنسيق للمعنيين والنظرة الاستراتيجية، أي الدول المغاربية. وقديما قال ابن زريق الأندلسي: ومن لا يُحسن المُلكَ يُنزعُه.
كاتب مغربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد