عبد الرحيم أريري يكتب : فاتورة إعمار الصحراء

لنقلها بجرأة: من هي الدولة التي تخوض حربا لاستكمال وحدتها الترابية وتتحمل المجهود الحربي دون أن يدب الوهن في مفاصلها لمواجهة التحديات والإكراهات لإعمار الصحراء:

لا يوجد اسمان، بل هناك اسم لدولة واحدة اسمها المغرب.وإليكم الدليل:

أولا: جاء الربيع الاصولي بالعالم العربي وأتي بالإخوان المسلمين عام 2011 إلى السلطة في عدة دول بدعم من إدارة أوباما، ولعب الأصوليون في المغرب -بزعامة بنكيران- دورا خبيثا عبر اتخاذ قرارات موجعة أنهكت المغرب والمغاربة وعطلت تنميته. فضلا عن كونهم كانوا سببا في إلهاء المغرب في معارك هامشية.

ثانيا: دول الخليج توقف دعمها المالي للمغرب فور وصول الأصوليين إلى الحكم، مما خلق للبلاد متاعب وصعوبات، هذا دون الحديث عن تجاوز بعض دول الخليج لحدودها وطمعها في أن تلعب دورا في رسم السياسة الداخلية للمغرب وكأن المغرب إمارة من إمارات الخليج.

ثالثا: في عام 2012 و2013 تحركت أذرع المنظمات الحقوقية الدائرة في فلك الولايات المتحدة ضد المغرب بلغ مداها بصياغة مسودة قرار لمجلس الامن بإيعاز من محيط أوباما ضد الصحراء.

رابعا: في دجنبر 2015 تصدر المحكمة الاوربية قرارا ضدا على سيادة المغرب في صحرائه بشأن عدم شمول الاتفاق الفلاحي تراب الأقاليم الجنوبية قبل أن تتراجع عنه. وهي معركة أخذت من المغرب وقتا ومعارك كبرى.

خامسا: في غشت 2016 تندلع أزمة حادة في الكركارات، كادت أن تشعل حربا بين المغرب من جهة والبوليزاريو والجزائر من جهة ثانية، لولا أن القوات المسلحة الملكية ضبطت النفس، وانتصر الأمين العام الأممي غوتيريس للطرح المغربي عام 2017.

سادسا: في أكتوبر 2016 سيندلع أكبر حراك شعبي بالمغرب عثقب مقتل محسن فكري بالحسيمة، مما جعل العقل العام للدولة ينصرف لمواجهة هذا الحراك الذي انطلق بمطالب اجتماعية وانتهى به المطاف بيد أطراف تخدم أجندات اجنبية لا علاقة لها بالحراك ولا بالمطالب الاجتماعية، بشكل جعل الفاتورة ثقيلة (اجتماعيا وماليا وسياسيا).

سابعا: في مارس 2018 عين الرئيس الأمريكي ترامب أحد اشد أعداء المغرب في منصب حساس، ألا وهو جون بولتون كمستشار للأمن القومي، وهو المستشار الذي لم يكن يخفي عداءه للطرح المغربي، مما زاد من متاعب المغرب دوليا، قبل أن يقتنع الرئيس ترامب بأن بولتون لا يصلح لا للأمن القومي ولا للمصالح العليا لأمريكا وأقاله من منصبه في شتنبر 2019.

ثامنا: في عام 2019 ستعود قطر إلى أدوارها اللئيمة، بتمويل ذراعها الجمعوي بجنيف (MENA RIGHTS GROUP) للتشويش على المغرب بمجلس حقوق الانسان دون أن تضع قطر في الحسبان أن المغرب لعب دورا بارزا في أزمتها مع جيرانها بالخليج، مما يبرز أن لا ثقة في قطر أو في غيرها من الدول.

تاسعا: التململ التركي للبحث عن موطئ قدم بالمغرب عبر سفرائها الأصوليين (البيجدي) للتمطط بالمغرب وهو تململ أطر بالمغرب كثيرا.

عاشرا: الجبن الذي أظهرته نقابة الباطرونا بالمغرب التي لم تكن في مستوى التحديات التي يواجهها المغرب في ملف الصحراء وإحجام جل العائلات المالية الكبرى بالمغرب عن الاستثمار في الصحراء لتخفيف العبء المالي عن الدولة، بشكل زكى القناعة لدى المغاربة أن نقابة الباطرونا بالمغرب هي نقابة الريع وحلب المغرب والمغاربة، بدل أن تكون باطرونا وطنية ومواطنة تخوض المغامرة في الأقاليم الجنوبية وتتحمل المخاطر في الاستثمار بالصحراء إسوة بالرأسمال الوطني في أوربا وأمريكا الذي كانت له أفضال على بناء وتلحيم الدولة هناك.

ومع ذلك، ورغم هذه الدسائس والإكراهات ظل رأس المغرب مرفوعا وظلت الإمدادات تتدفق على الأقاليم الجنوبية ولم ينقطع أي تمويل ولم ترتفع أي أسعار ولم يتوقف تجديد العتاد العسكري أو الثكنات، لا بل وانخرط المغاربة بعد خطاب 6 نونبر 2015 – في برنامج تنموي بغلاف 77 مليار درهم خاص بالصحراء يشمل جوانب مهيكلة مختلفة (طريق سريع تيزنيت، الداخلة، ميناء الداخلة الأطلسي، مجمعات ضخمة للمجمع الشريف للفوسفاط كليات…إلخ).
ثم جاء خطاب 6 نونبر 2019 ليطوي الملك محمد السادس ملف الصحراء طيا أبديا بإرسال ميساج للعالم عبر الإعلان عن معطى جغرافي سيقلب المعادلة مستقبلا. هذا المعطى المرتبط باسترجاع المغرب للصحراء وماتبع ذلك من جعل أكادير تتوسط المغرب والحاجة إلى أن يكون هذا الوسط (أكادير) هو حلقة الوصل الجديدة بين أقصة نقطة في شمال المغرب (طنجة) وأقصى نقطة في جنوبه (الكويرة). ولن يتحقق ذلك إلا بإنجاز خط سككي يربط بين مراكش بأكادير في أفق إيصال القطار إلى العيون. ليكون الإعلان عن هذا المشروع المهيكل تجسيدا لانخراط المغرب منذ 1975 في ضخ الاستثمارات اللازمة لإعمار الصحراء التي استرجعها المغرب من الاستعمار الإسباني وهي أرض جرداء خالية من أي عنوان عمراني، بشكل تطلب تضحيات كبرى من المغاربة بلغت 124 مليار درهم، لتكون مدن الصحراء أحسن من مدن دول أخرى مجاورة غنية بنفطها وغازها، وبشكل جعل المغرب يربح الرهانات مقارنة مع دول أخرى، وحدت ترابها كألمانيا والفيتنام التي بادرت إلى إعمار ترابها المسترجع في ظرفية سلمية عكس المغرب الذي لم يكن عليه فقط تنمية وإعمار الصحراء بل وكان عليه خوض حرب فرضت عليه من طرف الجزائر والبوليزاريو.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد