الخطر القادم من الأعماق

توالت أحداث في الأسابيع القليلة الماضية، تفتح النقاش حول سؤال قد يعتبره البعض تهويلا، و يعتبره البعض الآخر مخططا يحتاج إلى فهم خلفياته :
هل المغرب مستهدف في إستقراره؟
دواعي طرح هذا السؤال يرجع إلى توالي أحداث تتعلق بالمس بتوابث وطنية المغاربة عبر استهداف رموزه، و المعبر عنها بأحداث قد لا يكون بينها رابط او تنسيق مما يفقدها سمة الخطة الممنهجة لكن تعبيراتها قد توحي بهذا الإعتقاد و لو على مستوى تراكم الوقائع،
– العلم الوطني الذي تعرض للحرق هو وصورة ملك البلاد، تلته مشاهد فيديو لشخص إختار الوقوف أمام إحدى سفارات المغرب وهو يحرق ورقة نقدية من فئة 200درهم و بعدها يدوس على صورة الملك ويمزقها بأقدامه. وبعد ذلك ‘اغنية’ يدعي اصحابها الكلام بإسم الشعب وهم ينعتون الوطن و ملك البلاد بنعوث قدحية بلا ضوابط لا وطنية ولا فنية.
– إقدام نشطاء مشهود لهم بالنزاهة على ممارسة سلوك و تقديم تصريحات تمس هي الأخرى بمكونات البلاد، كإستهداف رجل سلطة باللكم دفاعا عن قضية مشروعة بأسلوب مرفوض، يستهدف رجل سلطة بكل رمزيته الإدارية، فيما ناشطة سياسية تتجه مباشرة لإتهام الملك بأنه لا رغبة له في التغيير و انه من يتحمل مسؤولية أزمة البلاد.
– خروج متقاعدي الجيش للإحتجاج بشوارع الرباط بتصريحات تقارن وضعيتهم بوضعية العائدين او بوضعية من سموهم جنود البوليزاريو، و في الوقت نفسه تعرض إحتجاجهم للضرب و الدفع و الرفس لشيوخ عزل من طرف رجال الأمن،
-تفكيك خلية إرهابية تمتثلت خطورتها عكس باقي الخلايا بتخطيطها إستغلال جبال بنواحي تازة لإعلان قيام الخلافة بالمغرب الكبير من المغرب،
– إنتشار ” إلترات” رياضية تردد أغاني نالت العالمية وهي تنعت المغرب بدولة الحشيش و القمع و الفوارق الإجتماعية، و الظلم و الفساد.
– رياضي يرمي بميدالياته التي حصدها في المنافسات في البحر وهو يختار الهجرة عبر ” الحريك”.

– تبخيس النجاح الدبلوماسي المغربي بعدم إشراك ممثلي البوليزاريو ضمن وفد الجزائر في اللقاء الإفريقي الروسي وهو ما اعتبر سابقة تم تحويل النقاش حولها إلى نشر فيديوهات لطريقة سلام وتحية رئيس الحكومة للرئيس بوتين،
– توالي إعلان توقيف كميات كبيرة من المخدرات الموجهة للخارج و التي كانت ستجعل بلادنا تعرف إغراقا للإقتصاد الوطني بسيولة خارج الدينامية الإقتصادية الطبيعية.
– حملة فيسبوكية تدعم كل التعبيرات السابقة بلغة و تعليقات ترى في كل ما سبق مبررا طبيعيا لما آلت إليه الأوضاع ببلادنا. مع خرجات إعلامية تضامنية لهيئات خارج الشرعية الإدارية.
فهل يتعلق الأمر بمخطط مدروس؟ أم الأمر هو ردود فعل نتيجة ما تعرفه بلادنا من أزمات إجتماعية؟
في تقديري الشخصي كمتتبع للشأن الوطني في ارتباط مع ما يعرفه محيطنا الدولي من حراك يجعلني أجد الرابط بين كل هذه الوقائع متمثلا في ما اسميه بالفشل الدريع للسياسات المتبعة في تدبير إنتظارات الشعب المغربي،
فرغم عمق الخطب الملكية، و طرحها لقضايا تشخص أزمات البلاد إنطلاقا من سؤال :أين الثروة؟ ، وصولا بدق ناقوس الخطر مما يمس الطبقة الوسطى، وصولا إلى تردي القطاعات الحيوية المرتبطة بشؤون المواطنين، لكن هذه الخطب لم تجد في الفاعلين بمختلف مواقعهم أي مبادرات فعلية للعمل على تجاوز الوضع و تنزيل التوجهات الملكية،
كما أن حكومة الكفاءات المعلنة بعد التعديل أبانت ان الممارسة بعيدة عن الشعارات المرفوعة، مما يفقد العملية السياسية كل مصداقية او نجاعة في التجاوب مع تطلعات الشعب.
إن مغرب اليوم يعيش أزمة قيم يحتاج معها إلى رجة قوية، تضع البلاد في سكة الإصلاح الحقيقي، عبر التجاوب مع نبض الشارع بدل الإختباء خلف سياسات لا شعبية، تغدي الفوارق الإجتماعية و تمس القدرة الشرائية للمواطن البسيط،
مغرب اليوم كما صوره تقرير جطو يحتاج لربط المسؤولية بالمحاسبة لضمان تكافؤ الفرص و الضرب بيد من حديد كل المفسدين من الطبقة السياسية و رجال الأعمال و المنتخبين وكل من ينهب أموال هذا الشعب المسالم،
مغرب اليوم يعرف مطالب بسيطة تدخل في صلب العيش الكريم من صحة و تعليم و أمن و لقمة عيش قارة، وكلها مطالب تفضح الأرقام و المنشآت و الممارسات أنها بعيدة عن المواطن بل تحولت إلى كابوس يقض مضجع الأسر المغربية،
مغرب اليوم هو مغرب الفساد بإمتياز، لم يعد القانون فيه سوى عصا لجلد المواطن البسيط، و إقتصاده إقتصاد طبقة محظوظة تسكن الضيعات و الفيلات و تركب السيارات الفارهة و تقضي عطلها بأغلى الفنادق العالمية،
مغرب لا يرى في بحره غير أمواج للسباحة للمتعة او للهجرة، فيما سمكه بكل أنواعه لا يصله منه سوى ‘السردين’ الذي شح أيضا في الأسواق،
لماذا مغربنا ليست به سياسة ردع لكل هذا الفساد الذي ينخر المجتمع؟
ولماذا هذه الوجوه التي تحتل تلفزتنا و منابرنا لا تريد أن ترحل وهي علامة بؤس على كل الوطن؟

إن وطنا بلا مدرسة، وبلا طبقة سياسية نزيهة، وبلا منتخبين ملتصقين بقضايا الناخبين ،وبلا إقتصاد بمقاولات مواطنة، وبلا صحة وبلا عدل سيتحول شعبه إلى قنابل موقوتة بلا وطنية ولا مواطنة، بلا وعي ولا شعور بالإنتماء،
سيصبح الفرد عود حطب لنار تحرق الأخضر و اليابس،
نعم الفقر كفر، و اليأس إنتحار، و الفساد سرطان ينخر و يقتل.
لنتحرك كل من موقعه لوقف النزيف، حتى لا نتحول إلى فوضى و عبث و ألغام قاتلة فاتكة و مدمرة.
فهل تعتبرون؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد