” بيلماون/ بوجلود” و أهل الكهف

كلما انبعثت بعض الأشكال الثقافية للهوية الأمازيغية من رمادها إلا و أصيب أهل الكهف في المغرب بالخوف و الهلع , لأن كل إحياء لجزء من ثقافتنا المغربية يقابله سقوط جزء من الصرح الإيديولوجي الضخم الذي شيده التيار القومي و السلفي بالمغرب منذ أن بسط هيمنته الإديولوجية و الثقافية في الستينات و في السبعينات,لكن سرعان ما بدأت أجزاء هذا الصرح تتهاوى جزءا جزءا بتوافق عكسي مع انبعاث أي جزء من أجزاء الهوية الثقافية الٱمازيغية للمغرب.

هذا الانبعاث صاحبه وباء الأمازيغفوبيا لدى ساكني هذا الصرح, ليتشظى إلى فوبيات مرتبطة كلها بهذا الوباء الأصلي الذي عالجته الحركة الثقافية الأمازيغية بحكمة و عقلانية لنصل اليوم إلى ما نعيشه اليوم من تصالح مع الذات برجوع المغاربة إلى هويتهم المغربية.
الفوبيا الجديدة التي ظهرت مؤخرا لدى بعض المثقفين من بقايا هذا التيار (أهل الكهف) مرتبطة باحتفالات بيلماون/ بوجلود ليؤرخ لظهور مصطلح جديد في علم النفس هو “بيلماونفوبيا”. و مع أن هذا المرض ارتبط بادئ الأمر بالإسلاميين في المغرب الذين استغلوا المنابر الدينية و الإعلامية لنشره هذه الآفة الإديولوجية بين الناس لكنهم أخفقوا في مسعاهم لأن الهوية و الثقافة المغربية تبقى دوما الملاذ الأخير للمغاربة و التي لا يمكن التفريط فيها.
أمام فشل الإسلاميين في زرع “بيلماونفوبيا” في نفوس المغاربة ظهرت مؤخرا بعض الأقلام المحسوبة على أهل الكهف تريد اللعب بهذا الوتر المهترئ باستغلال كتاباتهم – بما فيها أعمدتهم الصحفية- في بعض الصحف المحسوبة على هذا التيار القومي بالمغرب. فما كتبه الصحفي رشيد عفيف في عموده بجريدة المساء ليوم الإثنين 19 غشت 2019 يصب في هذه الحملة الإيديولوجية الحاملة لمرض ” بيلماونفوبيا” و التي أوهنت قبله قرن الإسلاميين( كناطح صخرة ليوهنها حسب الشاعر الأعشى) . إعادة إحياء هذا الصحفي للحملة الإيديولوجية ضد احتفالات بيلماون لا يمكن تفسيره إلا بتفسير موضوعي و جلي, هو هذا النجاح الشعبي المحتضن لهذا الاحتفال التراثي و الثقافي التي تشهده بعض المدن المغربية بسوس, حيث انتقلت احتفالات “بيلماون” من احتفالات بسيطة و أحيانا عشوائية لدى البعض الى احتفالات منظمة من طرف جمعيات المجتمع المدني بسوس و بعض الجهات المغربية الأخرى عبر مسار من النجاحات و الاخفاقات و الممتد عدة سنوات راكمت فيه الجمعيات المنظمة لهذا التراث الثقافي خبرات و تجارب مهمة في التنظيم و التطوير و التجديد فتعززت به هوية المغرب الثقافية.
فأن يتهم هذا الصحفي في مقاله سوس الحاضنة لهذا التراث ب” الرداءة و الانحدار الأخلاقي و الثقافي” فهذا مما لا يجب السكوت عنه خصوصا إذا كان صادرا من صحفي له عموده السياسي في جريدة معروفة هي جريدة المساء المعروفة بتوجهها القومي, فلو صدر الاتهام من حثالة لأدخلناه ضمن الحثالة التي يعتد بها, لكن أن يصدر في جريدة معروفة بقوميتها فتلك فضيحة أخلاقية.
بدأ هذا الصحفي مقاله المعنون ” بوجلود ..ثقافة أم سخافة?” بهذه السخافة التي لا تصدر إلا من مريض ب “بيلماونفوبيا ” , كتب يقول :” لا أدري لماذا يراد لسوس العالمة, و عاصمتها أكادير, أن تلبس لبوس الرداءة و الانحدار الأخلاقي و الثقافي تحت غطاء احياء التراث المفترى عليه ببؤس عادات مختلقة..”.
هنا, أريد أن أذكر هذا الصحفي أن الرداءة و الانحدار الأخلاقي هو الذي نشرته نفس الجريدة في إحدى افتتاحياتها و في الصفحة الأولى بأحد أعدادها و بالضبط يوم 7 أبريل 2009 في عمودها الأساسي لأحد رؤساء تحريرها و هو عبد الله الدامون الذي بايع فيها هذا الصحفي رئيس فينزويلا الراحل “تشافيز” أميرا للمسلمين في أغرب بيعة في التاريخ, لأن تشافيز أغلق سفارة إسرائيل( أثناء العدوان على غزة) في عاصمته كاراكاس و في نفس الوقت فتح سفارته لدى البوليزاريو,فكانت إشادة رئيس التحرير قوية بهذا العمل “البطولي” و القومي الذي قام به تشافيز فكافأه بمبايعته أميرا للمسلمين, و تناسى هذا الصحفي المسؤول عن هذه الجريدة المغربية الإهانة القوية التي وجهها لمشاعرنا الوطنية في إشادته بديكتاتور فتح سفارته لدى البوليزاريو مقابل إغلاقه لسفارة إسرائيل. لكن القوميين أمثال هذا الصحفي يغلبون دوما المصلحة القومية على المصلحة الوطنية ( لمن أراد الاطلاع على هذا الأمر فليرجع إلى مقالي أنذاك بعنوان” عبد الله الدامون و غوغائية القوميين المغاربة” موجود في الأنترنيت) .
فأن يتهم الصحفي رشيد عفيف في مقاله ممارسي احتفال “بيلماون” بضحايا الهدر المدرسي حين كتب: ” تحولت هذه العادة إلى نشاط خاص بالمراهقين من ضحايا الهدر المدرسي ..” هو إهانة إلى الثقافة الأمازيغية و إهانة إلى مناضلي جمعيات المجتمع المدني المنظمة لهذه الاحتفالات و إهانة إلى الفنانين و إلى المثقفين الذين يحتضون هذه الاحتفالات الشعبية و إهانة لكل الغيورين على التراث المغربي..
فأن يتمادى هذا الصحفي في وصف “بيلماون” بالتفاهة, يقول : ” لكنها التفاهة نشرت أجنحتها على سوس”, نقول لهذا الصحفي
سوس العالمة هي نفسها سوس بيلماون و أحواش و المواسم و سيدي حماد أوموسى و إمعشارن و الزوايا و سيدي وكاك و المقاومة و التجارة و الشعراء و إنضامن و ميثاق أكادير و التاريخ و المبدعين و الكتاب …إنها صورة عن المغرب المتنوع و المتعدد في وحدته
رفقا يا سي رشيد عفيف بنفسيتك و بذاتك المريضة ف ” بيلماونفوبيا” التي تلبستك ستشفى منها ب “بركة ” بيلماون حين تشارك فيه ( ad tssust tamDunt nk), لتر بٱم عينيك أنه ارتقى اليوم الى احتفال وطني بفضل الجمعيات الثقافية ذات النزعة الوطنية التي تبنته و بفضل المثقفين و المناضلين و الفنانين و كل الغيورين على الثقافة الأمازيغية, و لا ننسى هنا سهر السلطات في توفير الأمن لهذه الاحتفالات, تلك السلطات التي حاولت منعه سابقا لكن الاحتضان الشعبي لهذا التراث الثقافي المغربي و قف حاجزا أمام هذا المنع, ليصل الاحتفال اليوم إلى ما وصل إليه من حسن التنظيم و روعة الفرجة التي جذبت إليه الآلاف لرؤية هذا الموروث الثقافي, رغم بعض الثغرات التي يستغلها البعض خارح التنظيم ( و من الثغراث يتقوى التنظيم ).
نقول لهذا الصحفي و لأمثاله المصابين ب ” بيلماونفوبيا” ان هذا الاحتفال سيصل مستقبلا الى العالمية ككرنفال ثقافي مغربي يشيع التسامح و الحب و الجمال ليعطي لبلدنا تميزه الثقافي كبلد الحضارة و مهد الانسانية ( إنسان إغود) و بلد التسامح, و سيضاهي كرنفال البرازيل العالمي و ستشد إليه الرحال.
و إن غدا لناظره قريب.

ذ. الحسن زهور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد