فرجة بيلماون، مسرح طقوسي أمازيغي،

بقلم: الدكتور عزالدن الخراط//

تضاعف الاهتمام في الٱونة الأخيرة من طرف الجمعيات الثقافية الأمازيغية والباحثين بالفرجات الأمازيغية من خلال اتخاذ مبادرات تروم تنظيم مهرجانات وملتقيات تسعى للإحتفاء بهذه الفرجات في الفضاءات العمومية المفتوحة والأحياء الشعبية أو من خلال تفعيل أدوات أرشفة وتوثيق ذاكرتها الثرية وتحصينها من عوامل الاندثار والنسيان، وفي هذا الصدد تحتفي ساكنة أحياء أكادير بفرجة بيلملون (تكوين، بن سركاو، أنزا، تدارت، الخيام، بوتشاكات، أمسرنات، بواركان إحشاش، الباطوار….حيث ينفرد كل حي من هذه الأحياء باحتفال فرجوي متميز ومختلف وذلك لأن لكل حي تقاليده الفرجوية يؤثثها بعناصر هويته وبخصوصياته ومواضيعه التي تتيح له الانتقال من تقليد فرجوي شعبي إلى تقليد فرجوي آخر تتداخل فيه ثقافات وأنماط موسيقية ورقصات مختلفة تنسجم مع نمط الأداء الأصلي، وتساهم كل الشرائح العمرية:(أطفال،شباب،نساء،رجال …)في صناعة الصرح المعماري لفرجة بيلماون بدءا بتهييئ اللباس وترتيب المجال العمومي وتقمص الأدوار والأداءات حيث يقطع المؤدون (المشاركون في صناعة الفرجة) مسافات طويلة لتقمص أدوار اجتماعية جديدة، عبر وسيط القناع، أو لتمرير خطابات طافحة بطقوس الاحتجاج الرمزي
وتعرية مكامن الخلل وتكسير وخرق الطابوهات التي تنعكس آثارها في الصراعات الخفية في المجتمع بين قوتين تتأرجحان بين التقليد والحداثة، وبين قبول تراث الأجداد أو رفضه، وبين استهجان بعض المواقف التي تزعزع التماسك الاجتماعي والتي تغلغلت تدريجيا في أوساط بعض الأسر المغربية: منها زواج المغربيات برجال من دول الخليج أو من الدول الغربية، أو الهجرة السرية (الحريك) والشطط في استعمال السلطة من طرف من يتحمل المسؤولية في تدبير الشأن العام، أو تناسل بعض الأنماط الإجتماعية التي تشوش على الحرية الفردية…..إنها مواقف هي في العمق مجموعة من التمثيلات الاجتماعية/الابديولوجيات ملائمة في المقامات التي يحدث فيها التنافس والصراع والهيمنة بين الجماعات، أي أنها جزء من الصراع الاجتماعي وهذا ما يفسر أن العديد من البنيات الأيديولوجية متقاطبة (polarisées (أي بين ما ينتمي
لجماعة ومن هو مقصى منها، أي بين من ينتمي ل “نحن” ومن ينتمي ل “هم” وعلى هذا الأساس تتضافر عناصر احتفالية واجتماعية صرفة في بناء الصرح المعماري لفرجة بيلماون، والتي ترتبط بمكونين احتفاليين، الأول ديني مقدس، والثاني اجتماعي وسياسي، ليتضح أنها تستمد أنساغ وجودها من أصول دينية واجتماعية تجد ملاذها في :
* العلاقة بين المقدس الديني والمقدس السياسي، وتتجسد في السعي إلى تعرية المحظور وخرق المألوف والاعتيادي .
* ظهور أجساد بوجوه مقنعة في هيآت تشي بالقمع وخرق الاعتيادي والمألوف كما عبر عنه ميخائيل باختين من خلال سلسلة التعارضات منها اللباس/العري، أعلى الجسد/أسفله، وحدة/تفكيك
الجسد المغلق /الجسد المنفتح.
وعلاوة على ذلك، تؤكد مجموع العناصر المسرحية المتوفرة في فرجة بيلماون على أنها مسرح طقوسي نابع من ثقافة أمازيغية أصيلة أنتجت فنها المسرحي في صيغة كرنفال متميز يجمع بين التمثيل الفردي والتعبير الصامت الذي يلغي النص والحوار معا ليعبر بواسطة القناع والحركة الجسدية والرقص عن مظاهر لصيقة بالبيئة المذكورة. كما يكشف مرة كل سنة في لحظة تحرر عن المكبوت الذي يعيش في اللاوعي مجموعة من العناصر الأساسية التي تتجلى في فن القناع الذي يرمز للعبة الاختباء أو الاحتماء خلف مادة مصنعة واهمة، للتحرر من وجه إنساني يطفح بكثافة علاماتية مكشوفة، أو لتصريف خطابات الاحتجاج على واقع معين لا يبعث على الإطمئنان، أو تعبير رمزي عن تمفصلات فارقة بين الصورة بحمولتها الاجتماعية والثقافية، والوهم بحمولاتة الفنية والأدائية، أليس القناع كما قال أحد الفنانين “مرعب،أداة ملغزة، لقد منحني، دائما، وما زال يمنحني إحساسا بالخوف، مع القناع نحن على عتبة التمثيل المسرحي الغامض الذي تعود فيه الشياطين ثانية بثبات، بوجوه غير قابلة للتغيير”.(يتبع)
خ ع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد