الاحتفاءُ بالمسْرح عبْر الفيلم الأمازيغي: قراءة انطباعية لفيلم “الزَّواق”

سنوات وسنوات والأفلام الأمازيغية تنسج بإيقاع ووتيرة وتركيبة لا تكاد تختلف من فيلم إلى آخر،إلا أنه اليوم بدأ المخرجون وكتاب السيناريو يفكرون مليا في أفلام متميزة تختلف عن السابقة التي تكرر نفسها بين حين وآخر مما يجعلها موسومة برتابة تميت الإبداعية والجِدَّة فيها.

ولأن الفيلم الأمازيغي مرتبط بالتراث والثقافة الأمازيغية قيما ومزايا ورؤيا، فإن ذلك لن يمنعه من ركوب موجة المغامرة مع توخي التجاوز و العمل جديا من أجل خدمة الفنية السينمائية بأبعاد وآفاق جديدة وعميقة تبتعد عن التيمات والموضوعات المستهلكة والتي لن تساعد على النهوض بالفيلم الأمازيغي ليكون في المستوى المرتجى ، ويساهم في في نشر الثقافة وخدمة القيم عبر الدراما .

فيلم “الزَّواق” دراما اجتماعية تتطرق لحياة محترف لفن الحكي في حلقات في ساحات عمومية ،ويعتبر مَنْفَذا للترفيه والتوعية في قالب إمتاع يستند على احترافية الفنان.

تتحول قضية الإبداع في الفيلم إلى تيمة تثير الكثير من التساؤلات في ظل عدم الفهم العميق لدوره التربوي مع ربطه بالموضاعات الملتهمة لحدود القيم ن وترسخ لثقافة الانحراف بشكل أو بآخر ، وهو ما يتبدى في كثير من المواقف التي سنشير إليها في قراءتنا المختصرة للفيلم . وتطرقه لهذا المجال يجعله فيلما نوعيا بنسبة معينة قياسا على كثير من الأفلام السابقة التي تتناول مواضيع متشابهة وبنفس الاسلوب والحبكات.

وتدور أحداث الفيلم حول شاب طموح مهتم بالمسرح يدعى عماد وقد نشأ يتيما بعد وفاة أبيه الذي لم يعرف عنه شيئا. وبعد سنوات يعرف أنه كان يشتغل “حْلايْقيا “مع صديقه الزَّوَاقْ الذي اتخذ قصته موضوعا لِحلْقاته قبل أن يسافر بلا وجهة محددة.

المسرح سيد الأحداث

تبدأ أحداث الفيلم بمسرحية كركوزية يحضرها أطفال معجبون بها إعجابا ،يصفقون ويرقصون متفاعلين مع أغنية تراثية أدرجت في المسرحية ،وهي استهلال موفق ما دام الفيلم برمته سيشتغل على الحلقة والمسرح كإبداع له أهميته التربوية والاجتماعية قبل أن تبسط وسائل الإعلام المتطورة والمختلفة ظلالها  وسلطتها على حياتنا.

لذا جاء معظم الأحداث مرتبطا بهذا الجانب الإبداعي الذي اختلفت حولها المواقف وردود الأفعال قبل أن تختتم هذه الأحداث بالمسرح ذاته ،وبذلك يكون الفيلم مستهدفا الدفاع عن الحلقة والمسرح وخلفهما الدفاع عن سائر الفنون باعتبارها أداة تواصلية ممتازة تعزز ارتباطنا بقيمنا وتراثنا عبر الحكي عن الأبعاد الإنسانية التي ينبغي الحرص على استمرار سريانها في مجتمعاتنا في وقت تحاول العولمة التهام الثقافات والهويات العريقة لمختلف شعوب المعمور.

الثنائيات في الفيلم

تتوزع أحداث الفيلم عبر ثنائيات متفاعلة متضادة ومتوافقة أحيانا بشكل يجعلك أمام مواقف متنوعة وكلها في صالح الإبداع .

أ ـ ثنائية الزواق والحسين ،وهما “حْلايْقيان” يعيشان صديقين حميمين، يتقاسمان مرارة وحلاوة الحياة ،وتكاد حرفتهما أن تكسد لولا تفكيرهما في تجديد الموضوعات والشخصيات التي يحكيان عنها في كل حلقة. وقد انتهى بهما الأمر إلى اتخاذ حكاية صديق الزواق المتوفى حكاية للحلقة وقد لقيت استجابة حارة من قبل الجمهور.

ب ـ ثنائية عماد وزينب ، وهما طالبان متعاشقان رغم التفاوت الصارخ بينهما ماديا ، فأبو زينب الحاج المهدي تاجر مغمور ، بينما عماد يتيم لا يعوله سوى أمه الأرملة التي تمارس الخياطة من أجل مصاريف متابعة دراسته ، وقد حصل على الماستر في الأخير.

ج ـ ثنائية الحاج المهدي وخديجة ،الأول أرمل والثانية أرملة وقد تحابا وقررا الزواج ولم يعرفا أن ابنيهما زينب وعماد متحابان ومترافقين عازمين على الارتباط بالزواج،وقد تم لهما ذلك بعد أن أشار إليه الزواق عبر حوار دميتين متحاورتين في آخر الفيلم.

د  ـ ثنائية لطيفة وزينب وهما طالبتان الأولى تهوى المسرح وقد انخرطت في أنشطته مما جعل عماد يثير غيظ زينب وهو يحدثها عن قضايا وتقنيات وتاريخ هذا الفن.

هذه الثنائيات أعطت الفيلم شحنة من التفاعلات التي وسمته من البداية حتى النهاية ، تفاعلات تتوتر وسرعان ما تهدأ لتنتهي بالتوافق بين الأطراف ،وقد أحسن المخرج إدارة الممثلين الذين جسدوها تجسيدا يدل على عمق إدراكهم للموضوع العام للفيلم.

رسائل متنوعة

يحاول الفيلم خلافا لكثير من الأفلام الأمازيغية أن يكثف من معالجة ثيمة واحدة معالجة مركزة بدل تشعيب الثيمات الذي يجعل الفيلم مفتوحا لا يركز على شيء محدد تحديدا يجعله رئيسيا يشكل رسالة الفيلم بامتياز ، وموضوع الفيلم يحيل على أهمية المسرح كفن راق ينبغي الاهتمام به بدل النظر إليه نظرة الن الباعث على اقتراف ما يلطخ القيم المتعارف عليها في المجتمع لتحل محلها المنكرات والسفاسف ، وقد تجسد ذلك في مواقف كثيرة تمكن الفيلم من تغيير نظرة أصحابها نحو المسرح وجعله فنا بعيدا عن سلبيات جسدها الفيلم ضمن عدة مواقف نذكر منها :

ـ موقف خديجة زوجة “لَحْلايقي” المتوفى (إبراهيم) ، ويتمثل هذا الموقف في نصيحتها المتكررة لابنها عماد وهو طفل صغير بألَّا يفتح غرفة هي بمثابة خزانة لملابس ودمى وأكسسوارات أبيه الذي امنهن الحكي عبر الحلقة قبل أن يتوفى ولم يره عماد. وقد فتح الخزانة وهو شاب ليكتشف الحقيقة التي أغضبت أمه التي خافت من أن يدرك حرفة أبيه فيحتقر نفسه ، وقد حدث العكس لكون عماد صار مثقفا واعيا بأهمية الفنون.

ـ موقف الحاج المهدي الرافض رفضا تاما وقاطعا لالتحاق ابنته بطلبة المسرح ، فحين اقترحت عليه ذلك قال لها أعطيك بؤبؤ عيني ولا أسمح لك بممارسة المسرح ، ماذا سيقول الناس عن الحاج المهدي الثري الوجيه وابنتهُ تمارس المسرح؟؟.

ـ موقف الجمهور ويتمثل في رفضه الانضمام إلى حلقة الزواق ورفيقه الحسين بحجة رتابة الموضوعات التي يحكيان عنها ،وقد عدلا عن ذلك وأفلحا في جذب الجماهير من جديدوغيرها من المواقف المرتبطة باختلاف الطبقات الاجتماعيات ماديا ومعنويا.

ختــــــــــــــــــــــاما

   رغم أن الفيلم جاء بأحداث ومواقف محتدة متوترة أحيانا فقد حمل معه جوانب فكاهية تثير الضحك من تجسيد ممثلين لهما قدم راسخة في هذا المجال وهما خديجة ومصطفى الصغير. 

      والمتتبع لأحداث الفيلم قد يتوقع تصالح الزواق مع وضعه الجديد ، وقد صار له جمهوره بعد أن فقده لكنه يفضل أن يرحل نحو المجهول ، وكان يتمنى أن يكون طائرا كي يقوم برحلات في كل بقاع الدنيا بلا نهاية حاملا معه قصة إبراهيم الذي سحره بإبداعه وحسن أخلاقه ،و بينما هو في الطريق يلتقي بعماد ليوصيه بطاعة أمه قبل أن يواصل رحلته.

      الفيلم مفعم بأجواء التسلية الشبابية في ظل التنشيط المسرحي وما يتعلق به من تشخيص وغناء وموسيقى ، ويبدو أن قصة الفيلم تدخله في أفلام السِّير التي يحاول فيها المخرجون إعادة إحياء أهم المحطات التي شكلت ملامح الإبداع والنبوغ عند هذا الفنان أو ذاك، وإن جاء ذلك في الفيلم بصيغة خيالية . وقد شكل الفلم بمعظم أحداثه نافذة للتعرف على مقام الإبداع والمبدع في ظل مجتمع متضارب المواقف إزاء الفن وأدواره الريادية في التغيير والانعتاق.

ويستخدم الفيلم خطوطا سردية تلتقي في خدمة موضوعه الأساس المرتبط بـ”الزواق” وصديقه إبراهيم  المتوفى، وصديقه الحسين الذي صار الرفيق الجديد الوحيد له بعد ذلك. وكل شيء في الفيلم من الحوار إلى الأحداث والتصرفات جاء واضحا لا يحتاج إلى تأويلات ما عدا الحدث الذي جاء قبيل رحيل الزواق حيث رمز ومرَّر عبر دميتين كون دوره قد انتهى وهو الحرص على تربية عماد ابن صديقه ابراهيم ،والذي صار شابا مثقفا مشرفا على الزواج.

لحسن ملواني ـ المغرب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيلم “الزَّواق ” : ـ إخراج حسن بنجلون- الصورة رفقته ـ سيناريو علي الداه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد