هذا ما وصلت إليه ليبيا.. الاعتداء على طرابلس

في بداية هذا الموضوع يجب أن أذكر أن الإسلام السياسي قد حاول منذ اندلاع حراك 17 فبراير في سنة  2011 فرض سيطرته على مسار الحراك وخاصة بعد فشله في انتخابات المؤتمر الوطني في عام 2012 وكذلك انتخابات البرلمان عام 2014. أذكر هذا في بداية الموضوع حتى لا يفهم أن هذا المقال يدعوا إلى مناصرة التيار الإسلامي والذي يعتبر تيارا غريبا في الساحة السياسية الليبية وأن هذا التيار استمد تواجده من قوى أجنبية خلقته ليكون حجر عِتْرَة ضد أي نهوض ديمقراطي في ليبيا. هذا النهوض الذي نادى به حراك 17 فبراير 2011 .

هنا : صور مرعبة وخطيرة حول تدمير طرابلس 

وأنا كعلماني مقتنع تمام الاقتناع بأنه لابد من إبعاد الدين عن السياسة وعن الحكم ذلك لان السياسة والحكم أمور دنيوية لا تتعلق بالروحانيات والتي تربط الإنسان بالخالق ومن تم عبادته..

وصلت ليبيا اليوم إلى ما هو أسوأ مما كان متوقعا أن تصل إليه من تبديد للأحلام المواطنة الحقة والديمقراطية العلمانية والتي سعت لتحقيقها ثورة 17 فبراير.

أحلام كان يتوق لها المواطن الليبي في كل أنحاء البلاد الواسعة الأطراف في شرقها وجنوبها وغربها بعد معاناة استمرت 42 عام من ديكتاتورية الفرد والعائلة والمتمثلة في شخص “القذافي” وعائلته وأبنائه.

أحلام انتهت إلى تقاتل الليبيين.. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: القتال لصالح من ومن سيكون المستفيد منه؟

هل الدولة الوهابية والمسماة بالمملكة التي تحكمها العائلة السعودية؟ أم دولة الإمارات الغنية والتي تصنف نفسها بالدولة الصوفية؟ أم مصر العسكرية والتي تحكمها شلة من العسكريين مدعية أنها تحمي “عمقها” الجغرافي؟ وهل “العمق” الجغرافي الليبي بالنسبة لمصر أهم وأخطر من “العمق” الجغرافي الإسرائيلي؟ أم هو طمع التوسع للانفجار السكاني الذي تعاني منه هذه الدولة والتي هي مفروضآ فيها أن تكون دولة جارة لليبيا..

ولكن الإجابة عن هذه الأسئلة سرعان ما نجد لها الحل عندما نعرف علاقة فرنسا وروسيا( الصناعيتين لآلة الحرب والطامعين في السيطرة على ليبيا بلاد البحر المتوسط والغنية بالنفط والمعادن الأخرى)بهذه الحرب أو القتال الذي يغذي سوق السلاح.

قبل شهر ابريل الماضي ( 4 ابريل 2019 بالضبط) كنّا نحن الليبيين جميعآ نتوقع اللقاء الجامع والذي كان مزمعآ عقده في مدينة غدامس  الليبية الأمازيغية في منتصف أپريل 2019؛ غير أن ممثل العمالة لهذه الدول المسماة آنفآ العسكري والبيدق “حفتر” هو وأبنائه قاموا بتنفيذ أوامر هذه البلدان لما سموه  “تحرير” طرابلس.

دغدغتهم العمالة وحب السيطرة والوصول إلى حكم ليبيا وعلى الطريقة  “القذافية” ولكن بالتوجيه الوهابي والصوفي مدعيين محاربة الإرهاب والإسلام السياسي، متناسين أنه لا فرق بين من يسمون نفسهم جماعات الإسلام السياسي والوهابيين والصوفيين؛ لأن الدين ليس له علاقة بالسياسة ويجب أن يبعد عن السياسة. أما ظاهرة الإرهاب والتي يدعي حفتر وميليشياته أنه ينوي استئصالها فكل الأدلة تشير على أن ميليشياته والتي يسميها الجيش ليس لها أي صفة جيش ولا إلتزام عسكري وأنها لا تحترم أي من حقوق إنسان وأنها إرهابية في كل ممارساتها وليس بعيدآ ما قامت به إحدى ميليشياته من تعدي عَلى  زوج عضوة بالپرلمان “سهام  سرقيوة” ، ولأن هذه العضوة الپرلمانية اعتقدت أن يمكنها الوقوف والتعبير عن رأيها ضد الهجوم على العاصمة طرابلس في جلسة پرلمانية عقدت في القاهرة بناء على طلب من حكومة مصر!!!!!

 وأن حصانتها الپرلمانية ستحميها من أي إعتداء عليها، ولكن  لم تحترم ميليشيات حفتر المجرم هذه الحصانة وبمجرد رجوع السيدة “سهام سرقيوة” إلى بيتها في بنغازي تم الاعتداء عليها وعلى زوجها وإختطفت وأقتيدت إلى مكان لم يعرف حتى الآن…وما قام به طيران جيشه “العربي” أو “الإماراتي” كما هو معروف؛ يوم الأحد (04.08.19)من غارة على مدينة مرزق التي قتل فيها أكثر من أربعين من المدنيين “التبو” من سكان هذه المدينة، معترفآ بأنه هو من قام بهذا العمل وبحجة مقاتلة المعارضة التشادية الهاربة إلى مرزق*!!!!

غريب هذا العالم بمواقفه اللاإنسانية والتي لايمكن إستيعابها إلا في إطار المصالح؛ فاليوم يقتل الأبرياء في طرابلس ومن يقف إلى جانبها وبدون أن يصدر أي تنديد ومطالبة هذا المجرم “حفتر” بإيقاف الغزوة الخليجية المصرية وفرنسا وروسيا من ورائهم بل وبكل برود دولي يصدر ما يسمى إيقاف إطلاق النار والعودة إلى طاولة الحوار!!!!! بدل أن يحدد المعتدي والدور العمالي القذر الذي يقوم به يطالبون بالاعتراف به كطرف في الحوار بدلا من توصيفه كمعتدي ورافض للحوار وأنه هو من أجج الموقف وزاد من حدة المشكلة….بالرغم من غاراته على مركز للمهاجرين الذي تسبب في قتل العشرات منهم، وبالرغم من غاراته المتكررة على المطار الوحيد المستخدم في طرابلس وبالرغم من إختطافه لشخصيات معروفة وبالرغم من غاراته على الكثير من المدن (مدينة مرزق لا الحصر) وتهييج المكونات الإجتماعية المختلفة بها؛ يطالب ممثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالجلوس مع هذا العسكري الذي يقود الإرهاب في ليبيا….لماذا؟ هل إرضاء لدولة الإسلام الوهابي أم لدولة الإمارات الصوفية والتي بدأت تعلن عن ممثل آخر لها يسمى “العارف النايض”** وبدأت تلمع صورته إعلاميآ  كرجل مدني سياسي.

ليبيا ليست بحاجة لا للصوفيين ولا للسلفيين ولا للوهابيين ولا للإرهابيين ولا للإسلام السياسي. ليبيا في حاجة ماسة إلى دولة المواطنة والقانون دولة الديمقراطية التي يتم فيها الإعتراف بالإنسان ككائن له حق الحياة وعليه واجبات لابد أن يقدمها لبلاده في إيطار إنتمائه الوطني. ليبيا لا تريد أن تكون ساحة حرب تهدر فيها الأموال التي سيدفع ثمنها الشعب الليبي إرضاء لعمالة حكام مصر والصوفيين والوهابيين الذين ستزدهر بعمالتهم مصانع الأسلحة الفرنسية والروسية.

يا دولة الوهابيين القابعة في الجزيرة العربية ومدعية حماية “الحرمين” ويا دولة الإمارات الصوفية  ويا جارة ليبيا الشرقية التي يسيل لعابها طمعا في الحصول على الأكثر والمزيد من الأراضي في ليبيا تحت مظلة “العمق الإستراتيجي أو الجغرافي” أما كفاكم ما تقومون به لهدا الوطن ليبيا؟ هل ستتوقفون عن الدفع بهذا البيدق المشهور بإنهزاماته*** والذي وصل به حنقه لتدمير ليبيا، فبعد أن دمر مدينتي بنغازي ودرنة وبعد الهزيمة التي مني بها في مدينة “غريان”***** مؤخرآ،ها هو الآن يسعى وبدون نجاح لتدمير طرابلس لتحقيق حلمه الزائف لسيطرة وحكم أسرة حفتر في ليبيا….إتركوا ليبيا لليبيين.

محمد شنيب / ميلانو إيطاليا / الأثنين 5.08.19

هوامش المقال :

*مرزق مدينة في الجنوب الليبي وسكانها من التبو والليبيين “العرب” ودخلتها ميليشيات حفتر في شهر فبراير 2019 ولم يتم إستتباب الأمن بها منذئذ،ويناوئ التبو الميليشيات الحفترية.

**العارف النايض من العائلات الغنيةالتي عاشت في بحبوحة أيام القذافي مستغلة إنتمائها لمدينة “ورفلة” التي كان يدعي القذافي أنهم لهم قرابة بوالدته غير أن العارف القذافي إستطاع أن يصبح سفير ليبيا لدى الإمارات في الحكومة التي تشكلت بعد إنتصار حراك 17 فبراير مدعيآ أيضآ إنتمائه للصوفية.وإستقال من منصبه في عام 2017 منتميآ لپرلمان طبرق وحاصلا منهم على إستقالته…مع أن إستقالة السفراء يجب أن يتم الحصول عليها من خارجية الحكومة…ووطد عن طريق الإمارات علاقته مع روسيا .

***كانت أول إنهزامات العسكري حفتر في معركة وادي الدوم عام 1988 عندما كان قائدآ لقوات القذافي التي كانت تطمع في إحتلال وضم “تشاد” للسيطرة القذافي.

**** غريان مدينة جبلية تقع على بعد 70 كم جنوب غربي مدينة طرابلس.إستخدمها “حفتر” كمركز لميليشياته في الهجوم عَل طرابلس وتم طرد ميليشياته في شهر يونيو الماضي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد