كائنات عجيبة :الفارس الأخير..

بقلم.. ابراهيم الرامي //

إذا كانت الكرة الأرضية مستديرة، وإذا كانت وجوه من يسكنها من البشر شبه مستديرة، فلا غرابة أن يعشق البشر لعبة إسمها الكرة المستديرة أو كرة القدم… هذه اللعبة أكيد تتطلب قدرا كبيرا من السرعة والقوة وكذا الطاقة البدنية والذكاء… وكل هذه الصفات ربما وجدها المغاربة في الثعلب … لذلك هللو لهيرفي رونار … ومادامت البنين أنهت المسلسل ولم تترك ذلك الوهم يتسلسل … قررت أن لا أتكلم عن المنتخب وفضلت أن أتكلم عن كائن عجيب إسمه الفرس. فالأكيد أن هذا الكائن كان بدوره أجدر بثقة المغاربة المغلوبين على أمرهم … فالأكيد أننا لو أدخلناه للملعب قد يتنصل من أصله العاشب الحيواني، وقد لا ينتبه إلى بقايا العشب المغشوش الذي لا يصلح للأكل ولا للعب، والذي نجده في أغلب ملاعبنا الوطنية، لذلك فبأنسنتنا لهذا الكائن قد ننجح في تحقيق الأهداف التي يعجز عن تحقيقها كثير من بني البشر من من تعلفهم الجامعة المغربية لكرة القدم على حساب المغاربة…
لا تسافرو بعيدا فأنا أقصد ما أقول فهناك فرس بشري إسمه أحمد صنع الأمجاد والمعجزات مع المنتخب الوطني في الجيل الذهبي للسبعينيات ومنها الظهور لأول مرة في كأس العالم والفوز بالكأس الإفريقية، والحصول على الكرة الذهبية، بل يعتبر هذا الفرس المغربي الأصيل هداف المنتخب المغربي على مر العصور ب 42 هدفا …
بعيدا عن نكبة منتخب الأسود .. لنعد إلى الطبيعة أفضل وأرحم .. ولنتأمل في ملكوت الله ونبحر في سيرة الفرس الحيواني …
منذ الطفولة درسنا في المدرسة وفي المخيمات نشيدا ما تزال موسيقاه ترن في أذني حتى أيامنا هاته ومن غير شك فأنتم تعرفونه تمام المعرفة وهو بكل بساطة نشيد :
“فرس علي ينام في الإسطبل بينما علي يزدرد الحلوى” وكثير من الناس أطالوا النوم في الإسطبل بينما قليل منهم عرف كيف يزدرد الحلوى … كما أن تفصيل علاقة الفرس بعلي قد تجرنا إلا ما لا تحمد عقباه في ظل الصراعات المذهبية والطائفية القائمة حاليا .. لا علينا …
إستمتعو بنومكم أعزائي وازدردو الحلوى إن وجدتم إلى ذلك سبيلا .. وسرجوا أحصنتكم لتعودو بأحلامكم من أم الدنيا لأبيها .. ولنبدأ رحلتنا بأغنية “العاود البيض يا بابا والسلام عليك يا بابا …” والتي تحفظونها عن ظهر قلب .. والتي إتخدتها شركة متخصصة في البطاريات شعارا لحملاتها الإشهارية في إعلامنا الوطني، حينما كانت لإعلامنا لذة وطعم ورائحة… بل إن للفرس .. هذا الكائن العجيب حضورا لافتا في عالم المال والأعمال، بل جعلت منه أحد أشهر الأبناك المغربية رمزا شعبيا رغم أن الثقافة الشعبية ترجح كفة الحمار على الحصان… كما أن تذكارا عظيما للحصان يستقبلك بمدخل مدينة سيدي إفني عاصمة أيت بعمران بالجنوب المغربي، وبمدينة سطات في إتجاه الشمال الغربي للبلاد.. وما لذلك من دلالات لن نغوص في تفاصيلها حتى لا نطيل.. وعلى كل حال سأحاول أن أركض بسرعة الحصان .. وأقفز هنا وهناك في محاولة لأشفي غليل هذا الكائن المتمرد الذي لا يكف عن الصهيل في إسطبل أفكاري .. ويأبى إلا أن يدخل عالم الكائنات العجيبة التي رصدتها معششة في أرشيف صوري، وقررت أن أجعلها تنبض بالحياة من جديد، وأن أنقلها وأنتقل معها إليكم ولو في العالم الإفتراضي …
الفرس .. إنه ذلك الكائن الذي يرمز للقوة والسلطة.. والجاه .. ذلك الحيوان الأليف .. الأنيق .. الرشيق .. ممشوق القامة .. والمفتول العضلات … يعرفه الأمازيغ تحت إسم “أيييس” ويعرفه العرب تحت مسميات كثر منها الفرس والجواد والحصان وغيرها كثير … والكل يتباهى به ويشيد بأصالته وتفرده كالملوك والسلاطين والفنانين وغيرهم خلق كثير…، وكم تغنى به الروايس وأسال مداد الشعراء، بل كم نسجت حوله الأساطير في مختلف بقاع الأرض… وخصوصا ذلك الفرس الأبيض الذي إقترن في المخيال الشعبي بالملائكة وبالإنتقال ما بين السماوات والأرض كما هو شأن “البراق” أو الفرس الطائر الذي يؤرخ لحدث الإسراء والمعراج، عندما أسرى الله بنبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم ليلآ من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، فصلّى فيه الرّسول بالأنبياء ورجع إلى مكّة في نفس اليوم. كما أن الخيل مذكور في آيات كثيرة من القرءان الكريم ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر؛ الاية 14 من سورة “آل عمران” حيث قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾، بدون شك استوقفتكم كلمة البنين في الآية الكريمة ولكن لا بأس لنعد لخروفنا ..
هذا وترجح الروايات أن تعود بداية إستئناس الخيول إلى سيدنا إسماعيل ابن إبراهيم الخليل عليهما السلام. كما أنه عرف عن نبي الله سليمان بن داوود شغفه بالخيل حيث تؤكد الروايات إمتلاكه لآلاف مؤلفة من الخيول والأحصنة منها ما يسرج ويركب ومنها ما يجر العربات…
عندما بدأت كتابة هذا المقال لم أكن أقصد الغوص في كل هذه التفاصيل .. ولكن صهيله وتمرده في داخلي هو الذي يرميني في كل وقت وحين بميزة أو بفكرة تعنيه لذلك إسمحوا لي أن أنثر عليكم بعض البذور المتعلقة به علها تنمو في عقولكم وتجعلكم تبحرون في الذاكرة والمكان كلما وقع بصركم عليه أو سمعتم له صهيلا أو سحرتكم إيقاعات حوافره …
فالحديث عنه يعود بنا للفتوحات و لحروب التحرير والمقاومة، وطقوس الأعراس والختان وسلطان الطلبة، والفرس الشرطي، وفرس الكوتشي أو الكرويلا بمراكش وتارودانت، وبحضوره في طقوس البيعة والولاء، وبمداخل المساجد والقصور كما هو شأن مسجد حسان الأثري، بل هناك خيول الترفيه كما هو شأن الشواطئ والمنتجعات السياحية، بل هناك حزبا مغربيا أدخل الفرس عالم السياسة… بل كل المغاربة يحتفون بعشق إسمه التبوريدة أو الفانتازيا، كما لا أريد أن أكون نماما لأدخل في تفصيل نسبه وعلاقته بفرس النهر …
كما أن هناك طينة أخرى من المغاربة يعشقون الخيول أكثر من المنتخب على طريقتهم الخاصة وهم فئتان : جيش من الفقراء يتزاحمون على الأكشاك ومقاهي التيرسي .. وجوههم لوحات إمتزجت فيها كل أشكال التعبير الكتابي والشفوي .. وفئة قليلة من الأغنياء تلاحق حلمها في الثروة وترعى خيولها في الملاهي ومحلات القمار..
وقبل أن أنهي سباق الخيول الذي لا ينتهي في هذا المقال .. أترككم مع هذا الفاصل الإشهاري : دار السلام ترحب بكم … “طبعا مشات أيام أسبوع الفرس …”
الفرس إختصارا هو كائن إجتمعت فيه كل صفات الأصالة والجمال، لذلك لا غرابة أن كل الفتيات يحلمن بالفارس… ذلك الشاب الوسيم الذي يتميز بالرشاقة والأناقة وتفرد لباسه الأرستوقراطي وحدائه الطويل وقبعته… ذلك الفارس الذي قد يظهر في أي لحظة وقد يخرج من أي مكان ليخطف القلوب ويحقق الأحلام الكثيرة والتي تزاحمت في عقول الفتيات في عصر الأنستكرام والسنابشات و المسلسلات المدبلجة….
وفي الأخير هناك قولة أو حديث يوصي بتعلم السباحة والرماية وركوب الخيل، وهذه إحالة إلى أهمية هذه الرياضة، كما أن تسمية الفرس قد يترجمها المغاربة لكلمة “العاود” التي قد يتم اطلاقها على الإنسان القوي البنية أو السريع … ويبقى البغل أو “أسردون” بالأمازيغية الحلقة التي تصل الفرس بالحمار…
وكي ننهي هذا المقال يجب أن تعرفوا أن الفرس يستطيع أن يعيش 25 يوما بدون أكل وشرب، كما أنه لا يعيش أكثر من 35 سنة، كما أن قطع ذيله يرديه قتيلا …
وختاما أترككم مع بيت شعر من أشهر قصائد المتنبي :
ألخَيْـلُ وَاللّيْـلُ وَالبَيْـداءُ تَعرِفُنـي
وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـمُ

تحية لكل أبطال المنتخب الوطني وحظ موفق مستقبلا

إعداد إبراهيم الرامي


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading