العين الأخرى : الفلم الكولونيالي جزء من ذاكرتنا السينمائية
تصادف سنة 2019 ذكرى مرور مائة سنة على تصوير أول فلم روائي طويل بالمغرب. يتعلق الأمر بفلم “مكتوب” للثنائي دانييل كانتان و جوزيف بانشون. وقد اختارت مهنة السينما في المغرب تخليد هده الذكرى تحت شعار “مائة سنة من الإنتاج الأجنبي بالمغرب” (اليوم الوطني للسينما. رواق المغرب في مهرجان كان…). و قد سجلت في حينه تحفظا حول هدا الاختيار الذي غلب الجانب الترويجي السهل على حساب الحقيقة التاريخية و لسبب منهجي أساسا, دلك لكون فلم مكتوب ليس فقط أول عمل سينمائي طويل يصور في المغرب بل لكونه أيضا يفتح المجال لجنس سينمائي موثق تاريخيا هو “السينما الكولونيالية” أثمر متنا فلميا متجانسا و محددا في الزمان و المكان. واقول بداية أن الإنتاج الأجنبي شيء و السينما الكولونيالية شيء آخر
و نتحدث عن السينما من الزاوية التاريخية يجب أن نفرق منهجيا بين تاريخ السينما في المغرب و تاريخ السينما المغربية.
وبهمنا الآن مايتعلق بجانب تاريخ السينما بالمغرب حيث يشكل الفلم الكولونيالي مكونا رئيسيا على أن نعود مستقبلا لتاريخ السينما المغربية خاصة و انطلاقا من السؤال الشيق حول من هو أول فلم مغربي.
لقد عرف المغرب السينما تصويرا ثم عرضا مبكرا. فمباشرة بعد العرض الأول في باريس أرسل الإخوان لوميير مجموعة من المصورين إلى مختلف بقاع العالم و منها الدول المغاربية الخاضعة للنفوذ الفرنسي أنداك لجلب صور جديدة و غرائبية لتلبية حاجة جمهور متعطش و منبهر يهدا الوسيط الجديد. وبعد حلول الحماية انطلاقا من 1912 سيبدي المقيم العام ليوطي اهتماما خاصا بالسينما وسيسن أولى التشريعات يهدا الخصوص إيمانا منه بان” السينما (إلى جانب الطبيب) أحد أهم وكلائنا لولوج البلاد”, وقد ساعد دللك على تشكيل مناخ عام ملائم استغله بعض المنتجين للشروع في إنتاج أفلام لتغذية سوق تعرف دينامية كبيرة. وفي هدا السياق يأتي فلم مكتوب لكانتان و بانشون. ويعتبر دانييل كانتان خريج “مدرسة” الإخوان لوميير حيث كان احد مصوريهم في حين جاء بانشون من الاوبرا و الرسم. وسيناريو فلم مكتوب “مغربيا” من حيث القصة و الشخصيات و كان وراء دلك شخصية عاشقة للمغرب المستشرق رايمون دوتي (تحمل احدى أزقة المدينة القديمة في مراكش اسمه) والقصة من النوع الميلودرامي تحكي علاقة حب بين “ولد الطاهر” احد أبناء الأعيان في منطقة الرحامنة و الراقصة طامو. ويمكن أن نتحدث عن انتاج ضخم تجندت له جموع غفيرة من ألممثلين ومنهم عدد كبير من المحليين خاصة من الفرق الغنائية الشعبية.
ويهمنا هنا أن نسجل من الناحية المنهجية التمييز بين الأفلام المنتمية لجنس “السينما الكولونيالية” الذي دشنه فلم مكتوب و الأفلام الأجنبية المصورة في المغرب. فالسينما الكولونيالية متن فلمي محدد في الزمن . في المغرب يتعلق الأمر بالفترة الممتدة من 1919 إلى 1955 و بعدد محدد من الأفلام (أكثر من 50 فلم طويل) وله أسماؤه البارزة وعناوين أفلام ناجحة. الشيء الذي يختلف تماما مع أفلام صورت كليا أو جزئيا
في المغرب.
ففلم ايطو لجان بونوا ليفي و ماري ابشتاين (1934) ينتمي للسينما الكولونيالية في حين فلم عطيل مثلا (ارسون ولس 1948-1952) ينتمي للانتاجات الأجنبية التي بدأت في عهد الحماية و استمرت مع الاستقلال.
و قد مرت السينما الكولونيالية من مراحل وحقب في ارتباط مع الأوضاع السياسية و الاجتماعية في فرنسا و المغرب و عكست على المستوى الدرامي والجمالي التمثلات السائدة في كل مرحلة. و هكذا نجد حقبة (خاصة العشرينات من القرن الماضي) سادت فيها افلام حضر فيها المغرب كفضاء غرائبي فولكلوري يحيل الى أجواء ألف ليلة و ليلة مع تغييب تام للمغربي أو حاضر كمؤثث لديكور مجهول الهوية.
وهناك حقبة ثانية سادت فيها أفلام صداميه مع الأخر يحضر فيها المجال المغربي كأرض خلاء متوحشة يجب إقحامها بالقوة في «الحضارة” صيغة مغاربية لغزو الغرب أي نوع من الوسترن. انظر كتابان مهمان في هدا الصدد لعبد القادر بنعلي و ادريس الجعايدي والمرجع الأساسي الوحيد لبيير بولانجي.
في أواخر الثلاثينات بدأت دور السينما المغربية تعرض افلام مصرية. وقد لاقت اقبالا جماهيريا كبيرا (انتجت تاثيرات ثقافية و اجتماعية وسلوكية على المواطنين المغاربة). وقد اثار دلك النجاح حفيظة السلطات الاستعمارية خاصة ان بعض العروض كانت تتحول الى التعبير الجماعي (بالتصفيق او الغناء) عن حس الانتماء الى هوية لها امتدادات في التاريخ و الجغرافية. و لمنافسة هدا الحضور المصري /”القومي” عملت السلطات على تشجيع انتاج محلي. وستشكل سنة 1946 محطة مفصلية في هدا الاتجاه, حيث ستشهد ميلاد عدة شركات انتاج (حوالي 12) محلية وجاء دلك بعد تأسيس المركز السينمائي المغربي (يناير 1944) و إنشاء استيديوهات سينمائية…وسيعرف الانتاج طفرة مهمة مابين 1946 و 1949 وستبرز بعض الأفلام ابن القدر( بيير مياراكي 1946) و راقصة مراكش (ليون ماتو 1949) مثلا. وستتميز هده الافلام بحضور وجوه محلية مغاربية و حضور نوع من المثاقفة في تصوير الأخر و النزوع الى
نو ع من الميتولوجيا.
غير ان ابرز اسم يجسد تحول على مستوى التصور هو اندري زفوبدا الذي سيوقع على تحفتين سينمائيتين : الباب السابع (1947) و عرس الرمال (1948). عرس الرمال الذي أنتجته شركة مغربية (ستيديو مغرب لمحمد الغزاوي) بعد انسحاب المنتجين الفرنسيين. وقد قام بكتابة التعليق وقراءته الكاتب و السينمائي الفرنسي جان كوكتو.
اننا ندعو لرد الاعتبار لهدا الإنتاج وإدماجه ضمن التراث الرمزي لبلدنا والعمل على استرجاعه إلى الخزانة السينمائية الوطنية. وفي دلك منافع شتى . ليس فقط من زاوية الدراسة التاريخية و الانتروبولجية بل أيضا من حيث مساهمته في تكوين السينمائيين الحاليين واغناء تصوراتهم وتحرير تمثلاتهم حول مجتمعهم من الصور النمطية. بمعنى اخر ولوج السينما المغربية تاريخانيتها .
محمد بكريم
التعليقات مغلقة.