الصيام: بين التشدد الوهابي و الاعتدال المغربي

انصرم شهر رمضان بأجوائه الروحانية المتميزة من جهة، و بمظاهر التشدد و الانغلاق التي بدأت تشوبه من جهة أخرى، لينتقل بذلك هذا الشهر التعبدي من شهر روحاني تطهيري لنفس المسلم المتدين الى شهر تمارس فيه الجماعة سلطتها الدينية متخذة العنف المعنوي و المادي و الجسدي وسيلة اكراهية لمن خالف التصور الجديد للجماعة
المتأثر بالفكر و التدين الوهابي المتشدد، و الذي تجذر حاليا في المجتمع المغربي نتيجة عوامل متعددة
سياسية و ايديولوجية مرتبطة بمحاولة بعض القوى المتحكمة في جهاز الدولة سابقا، و بعض التيارات السياسية الدينية و القومية ربط هذا البلد بالشرق لاضعاف هويته الثقافية و الحضارية.
اذ ان اهم مميزات تديننا المغربي، كما عرفه الاجداد و عشنا فترة منه، هو وضع التدين في موضع وسط بين التدين الجماعي و بين التدين الفردي، بحيث لا تفرض الجماعة على الشخص تدينا على المقاس، و من هذا المنطلق لا تقصي الجماعة غير المتدين منها، و لا تفرض عليه ممارسة طقوس العبادة بالاكراه( كما نراه اليوم) و تكتفي فقط بطلب الهداية لمن لا يمارس الطقوس او يقوم بممارسات ينهى عنها الشرع…( و هو ما عشناه قبل اجتياح الوهابية لبلدنا).
في حين ان التدين الوهابي يفرض على كل افراد الجماعة و المجتمع نوعا من التدين المتشدد و لا حرية للفرد فيه ان يخالف الجماعة و لا ان يمارس حريته ، اذ ان مصير من لا يمارس الشعائر الدينية فيها هو التكفير و الاكراه البدني الذي يصل احيانا الى القتل.
فمن مظاهر هذا التشدد الديني في بلدنا هي هذه الدعوات الجديدة التي تريد “فرض” صيام ستة أيام من شوال، و الامر سيبدو اليوم عاديا يدخل ضمن الاختيار الشخصي للمتدين، و هو حر في صيامها ابتغاء للأجر و الثواب و هنا لا جدال في الامر، لكن ما نخافه مع توالي السنين ان يصبح هذا الاختيار الشخصي مفروضا بقوة العادة و التشدد ليصبح بدوره فرضا تحكم فيه الجماعة على من لا يصوم هذه الايام بما تحكم على من يفطر في رمضان، و الذي كان المجتمع المغربي يتساهل مع غير صائميه مكتفيا بطلب الهداية لهم، لينتقل المجتمع اليوم الى ممارسة العقاب المعنوي و المادي و البدني على كل من يخالف الجماعة، و لنا امثلة كثيرة وقعت في مجتمتنا المغربي في شهر رمضان.
و أخوف ما نخافه ان تتحول بعض الاختيارات الشخصية التدينية الى اجبار جماعي تفرضه جماعة دينية ما لتتحول الى عادة مفروضة بقوة تصور سياسي ديني .
فما كتبه الباحث رشيد ايلال مؤخرا حول تحويل صيام ستة ايام من شوال من اختيار شخصي يتعلق بحرية الفرد الى محاولات تحويله الى اجبار جماعي من طرف بعض الجماعات الدينية
يدعونا الى مناقشة الامر، و لا سيما و أن هذه الجماعات تسعى جاهدة الى نشر التشدد كوسيلة لفرض هيمنتها الدينية و السياسة على المجتمع المغربي.
كتب الباحث رشيد ايلال:
( كعادة إخواننا المتدينين بالدين التراثي أشبعونا سبا و شتما لأننا سألناهم عن علمهم بموقف الإمام مالك من صيام الست من شوال، الذي اعتبره بدعة، وكرهه ونفاه نفيا قويا وقاطعا وبأسلوب شديد اللهجة…ونحن سننقل هذا النقل من “موطأ الإمام مالك” رقم الحديث:677 : “…قَالَ يَحْيَى : وَسَمِعْتُ مَالِكًا ، يَقُولُ فِي صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ : إِنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ يَصُومُهَا ، وَلَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ ، وَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَخَافُونَ بِدْعَتَهُ ، وَأَنْ يُلْحِقَ بِرَمَضَانَ مَا لَيْسَ مِنْهُ أَهْلُ الْجَهَالَةِ وَالْجَفَاءِ لَوْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ رُخْصَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرَأَوْهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلك”. موطأ مالك، رواية يحيى الليثي، كِتَاب الصِّيَام، باب جامع الصيام).
ما يهمنا في ما كتبه الباحث ايلال عن موقف الامام مالك من صيام الايام الستة من شوال- مع ان مذهبه هو المذهب الرسمي في المغرب- هو ان لا يتم تحويل اختيار تديني شخصي الى تدين جماعي هو في نهاية الامر يصب في مصلحة الجماعات الدينية التي تريد فرض وصايتها على المجتمع و بالتالي ترسيخ “شرعيتها ” لسحب البساط من الشرعية التاريخية للبلد، و بمعنى أوضح التحكم الديني كمطية للتحكم السياسي كطريق للوصول الى السلطة.
ذ. الحسن زهور.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد