الأمازيغية تحتاج التعديل الدستوري وليس فتات القانون التنظيمي

لا يملك المرء إلا أن يشمئز من انبطاح الحركة الأمازيغية أمام الأمر الواقع الذي فرضه الفصل الدستوري الخامس الظالم وهو الترسيم الأعوج والمشوه للغة الأمازيغية في 2011.

ونحن الآن في 2019 نستطيع أن نقول أن حصيلة اللغة الأمازيغية من هذا الترسيم الدستوري الكارثي المعوج المشوه هو صفر مسفنج كما توقعنا بالضبط (انظر مقالي القديم الذي كتبته في 2011 وعنوانه: “دستور ممنوح.. لاديموقراطي.. ويستغفل الشعب”). 

فما بني على باطل هو باطل، ولا يأتي منه خير.

بدل أن تطالب الحركة الأمازيغية بمعالجة المشكل من جذره ومنبعه الذي هو الفصل الدستوري رقم 5 فضلت وما زالت (إلى اليوم!) تفضل أن ترضخ للأمر الواقع وأن تقبل بالفصل الدستوري الكارثي رقم 5 وأن تلهث وراء “القانون التنظيمي” العبثي الذي تم وضعه في الفصل الدستوري الخامس خصيصا لتأجيل وتسويف وتقزيم ترسيم اللغة الأمازيغية وإبطائها وإغراقها في البيروقراطية البرلمانية ثم الإدارية على مدى عقود طويلة من الزمن.

اللغة الأمازيغية اليوم في 2019 تحصد نتائج تخاذل الحركة الأمازيغية منذ 2011 عن الوقوف في وجه الظلم الدستوري وتخاذلها عن المطالبة الجادة الفاعلة بتعديل الفصل الخامس من الدستور قبل أي شيء آخر.

فالدستور هو الأساس. وعليه يبنى كل شيء آخر.

وإذا فسد الدستور فأي شيء منبثق عنه هو فاسد دائما.

وما دامت اللغة الأمازيغية مظلومة محقورة ثانوية في الدستور المغربي فهي ستظل مظلومة محقورة ثانوية في كل إدارة وكل مدرسة وكل جامعة وكل مؤسسة رسمية تابعة للدولة المغربية.

ما سر انبطاح الحركة الأمازيغية منذ 2011 أمام الفصل الدستوري الخامس الكارثي و”قانونه التنظيمي” الكارثي وتحول معظم مناضلي الأمازيغية إلى ببغاوات تسبح بحمد “القانون التنظيمي” ليل نهار وصباح مساء وكأنه المسيح المخلِّص المنتظَر أو الإمام المهدي المنتظَر للغة الأمازيغية؟

وما سر سكوت الحركة الأمازيغية بأكملها عن المشكل الجوهري الذي هو الترسيم الأعوج المشوه للغة الأمازيغية في الفصل الدستوري رقم 5؟

هل لأن تعديل الدستور مستحيل؟ لا.

التفسير المنطقي لهذه الظاهرة العجيبة الغريبة هو أن الحركة الأمازيغية حركة جماعية تتحرك بمنطق القطيع ولا توجد فيها تعددية للآراء أو استقلالية للرأي الفردي. فإذا أحجم وسكت كبار قادتها الرمزيين عن المطالبة بتعديل الفصل الدستوري رقم 5 الذي يظلم اللغة الأمازيغية فسيسكت الجميع ويخرس الجميع في القواعد ومن يدور في فلكها.

وإذا قرر كبار القادة الرمزيين للحركة الأمازيغية بأن “القانون التنظيمي” هو الحل فسيكرر الجميع هذه اللازمة كالببغاوات.

وإذا زعم قادة الحركة الأمازيغية كاذبين أو متوهمين بأن “الأمازيغية رسمية إلى جانب العربية في الدستور المغربي” فستكرر القواعد تلك الكذبة بشكل ببغائي رغم أن الفصل الدستوري الخامس لا يقول “إلى جانب” ولا يعترف بالأمازيغية والعربية كلغتين رسميتين متساويتي الرسمية للدولة المغربية. بل إن الفصل الدستوري الخامس الكارثي يضع العربية في الطبقة العلوية السامية ويضع الأمازيغية في الطبقة التحتانية الواطئة السفلية بشكل واضح ومتعمد هدفه ترسيخ المكانة العليا للعربية والمكانة السفلى للأمازيغية.

وهذا الفصل الدستوري الكارثي يعترف بالعربية بصفتها “اللغة الرسمية” (الوحيدة، لأنه خصصها بالتعريف لوحدها في فقرة وحيدة وبطريقة حصرية منفصلة) ويأمر الدولة بحماية العربية وتطويرها وتنمية استعمالها. ثم بعد ذلك في الفقرة التحتانية يتذكر بأن هناك شيئا اسمه اللغة الأمازيغية فيعترف على مضض بالأمازيغية كـ”لغة رسمية أيضا” (أي لغة رسمية ثانوية أي كلغة من درجة ثانية). ويحرص الفصل الدستوري الخامس على الإشارة إلى أن رسمية الأمازيغية مبدئية واسمية (nominal) فقط وليست فعلية وأن “تفعيلها” مؤجل إلى المستقبل المجهول. ثم إن هذا الفصل الدستوري الكارثي يحرص على إفهام القارئ بأن الأمازيغية مؤجلة الترسيم بمراحل (مجهولة العدد) إلى “المستقبل” وأنها مقيدة بشيء عجيب اخترعته الدولة اسمه “القانون التنظيمي” تتلاعب به الأحزاب منذ 2011.

هذا ما قبلت به الحركة الأمازيغية وفرحت به وانبطحت له منذ 2011 وإلى الآن في 2019.

منذ ستينات القرن العشرين ونشطاء الحركة الأمازيغية بالمغرب يطالبون بالاعتراف باللغة الأمازيغية والهوية الأمازيغية في الدستور المغربي.

وهذا يعني أن جرأتهم في الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات كانت متفوقة بسنوات ضوئية عن جرأتهم اليوم. فلا يجرؤون اليوم في 2019 على أن ينبسوا بعبارة “تعديل الفصل الدستوري الخامس الظالم”.

فهذا نوع من الزندقة والتجديف والهرطقة بالنسبة لهم، على ما يبدو.

الحركة الأمازيغية طالبت منذ الستينات بالاعتراف دستوريا باللغة الأمازيغية والهوية الأمازيغية وبقيت آذان الدولة صماء. ولكن في 2011 بفضل مظاهرات حركة 20 فبراير الضخمة قررت الدولة فجأة الاعتراف باللغة الأمازيغية في الدستور لتهدئة الشارع المغربي الثائر.

ولكن أي اعتراف؟ وبأية صيغة؟

اعتراف مشوه ناقص معوج تمت صياغته بطريقة مراوغة ماكرة تجعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية الوحيدة الحقيقية مذكورة لوحدها على أنها “تظل اللغة الرسمية” بينما الأمازيغية لغة ثانوية مؤجلة الرسمية عبر مراحل مستقبلية ومقيدة بأغلال وقيود وسلاسل وأصفاد “القانون التنظيمي”.

وهذا يعني أن اللغة الأمازيغية في الدستور المغربي هي ببساطة ليست لغة رسمية فعليا (كالعربية) وإنما هي لغة رسمية بشكل اسمي (nominal) ورمزي (symbolic) فقط. هذا فضلا عن مرتبتها السفلى.

(أما “الهوية الأمازيغية” للمغرب فلا يعترف بها الدستور المغربي إطلاقا بل هو يعتبر الأمازيغية مجرد “مكون” للهوية المغربية مثل “المكون الصحراوي الحساني” و”المكون العربي – الإسلامي”!).

فقبلت الحركة الأمازيغية بهذه الخدعة في الفصل 5 بسبب السذاجة وأيضا بسبب رغبة قادتها في الاكتفاء القنوع بهذا الاعتراف المشوه البئيس لكي يختموا مسيرتهم النضالية بشيء ما يكون أفضل من لا شيء، أو لكي يظفروا بمناصب الإيركام ومجلس اللغات.

فانطبق على الحركة الأمازيغية المثل الدارج الساخر “صام عام و فطر على بصلة”.

مناضلو الحركة الأمازيغية أنفقوا عقودا وهم يناضلون من أجل الاعتراف الدستوري باللغة الأمازيغية وعندما تمخض الجبل فولد الفأر المعلوم فرحوا بذلك الفأر واعتبروه إنجازا عظيما.

أما الشيء الذي كان واجبا على الحركة الأمازيغية منذ 2011 فقد كان أن تقاوم وترفض هذا الفصل الخامس الدستوري الكارثي منذ اليوم الأول لصدوره في 2011 وفق حكمة “ضرب لحديد ما حدّو سخون”.

لن تنصلح أحوال اللغة الأمازيغية وأحوال المغرب إلا بتغيير جذري وتعديل جذري للفصل الخامس من الدستور المغربي يجعل اللغة الأمازيغية لغة رسمية كاملة الرسمية بالمساواة التامة مع اللغة العربية، وأن لا تكون اللغة الأمازيغية مقيدة بأي قانون أو أية خدعة بيروقراطية أو تشريعية أو تأجيلية أو مرحلية تحد من رسميتها أو من درجتها أو تعطي المسوغ للدولة لكي تماطل في الترسيم الإداري وتؤجله.

لهذه يجب على قواعد الحركة الأمازيغية وبقية أنصار اللغة الأمازيغية المستقلين الأحرار الغير المنتمين لأية منظمة أو حزب أن يخرجوا من القطيع وأن يتمردوا على قادة الحركة الأمازيغية الفاشلين المتخاذلين ذوي العقليات التقليدية الديبلوماسية المهادنة التفاوضية المساوِمة الذين تهمهم مناصبهم وكراسيهم وصورتهم الإعلامية وتفاهماتهم مع هذا الحزب أو ذاك الحزب أكثر مما تهمهم اللغة الأمازيغية.

لقد أوصل قادة وزعماء الحركة الأمازيغية الفاشلون المتخاذلون اللغة الأمازيغية إلى النفق المسدود بسبب انبطاحهم أمام الفصل الدستوري الخامس الظالم وانبطاحهم أمام الأمر الواقع الذي فرضته الدولة، وبسبب وضعهم اللغة الأمازيغية رهينة للأحزاب السياسية التي لا يحترمها معظم المغاربة أصلا. فتلك الأحزاب لا تعبر إطلاقا عن الصورة السياسية الحقيقية للشارع المغربي. ولو كانت هناك حرية حقيقية لتأسيس الأحزاب في المغرب لاندثرت وانقرضت كل تلك الأحزاب اللئيمة التي يكرهها أكثر المغاربة. فما بالك بوضع اللغة الأمازيغية تحت رحمة هذه الأحزاب الريعية الانتهازية المغضوب عليها شعبيا؟!

ورغم اتضاح أن النفق مسدود وأن الخلل القاتل الذي يمضغ وينهش اللغة الأمازيغية يكمن في الفصل الدستوري الخامس فإن قيادات الحركة الأمازيغية مستمرة في دفن رؤوسها في الرمال وفي توسل واستجداء الدولة والأحزاب لإخراج “قانون تنظيمي” فاسد أصلا مبني على أساس دستوري فاسد ظالم معوج مختل.

والانبطاح الأمازيغي وقع أيضا في 2003 عندما حاصر الإسلاميون والتعريبيون الإيركام وأملوا عليه بأن لا يقوم باعتماد الحرف اللاتيني في كتابة اللغة الأمازيغية وفي طباعة كتبها المدرسية الموجهة للعموم. فرضخ الإيركام للأوامر والتهديدات الإسلامية التعريبية ورضخت معه الحركة الأمازيغية وتم اعتماد حرف ثيفيناغ الذي أدخل اللغة الأمازيغية في نفق مسدود وأبطأ تدريسها وتعميمها بل أفشله وحول اللغة الأمازيغية إلى ديكور شكلي لا يضر ولا ينفع ولا يقرأه أحد ويستعمل فقط للزينة على بعض البنايات والصيدليات فضلا عن كونه مليئا بالأخطاء الإملائية والنحوية والترجمية التي لا يعلم بها أحد ولا يقرأها أحد.

إذن هذه النخبة الأمازيغية الهرمة المتكلسة التي تقود الحركة الأمازيغية وتتحدث باسم كل الناطقين باللغة الأمازيغية أدخلت اللغة الأمازيغية إلى النفق المسدود وإلى الجمود الكارثي بانبطاحها أمام التهديدات الإسلامية التعريبية التي فرضت على الأمازيغية حرف ثيفيناغ وحرمتها من الحرف اللاتيني العالمي في 2003، ثم بانبطاحها منذ 2011 وإلى 2019 أمام الترسيم المعوج المشوه للغة الأمازيغية في الفصل الدستوري الخامس الكارثي الذي ما زال يجرجر الأمازيغية في الأوحال ويبهدلها في مأدبة اللئام.

ولتجدن قادة الحركة الأمازيغية إلى حد هذه اللحظة مصرين على الانبطاح للفصل الدستوري الخامس الظالم متوسلين الدولة والأحزاب أن تنعم عليهم بذلك الفتات المسموم المسمى “القانون التنظيمي”. وهذا الإصرار من لدنهم على اللهاث وراء سراب “القانون التنظيمي” هو بسبب صعوبة تراجعهم عن ما قالوه وكرروه وانبطحوا له منذ 2011 وشعورهم بأنهم تجاوزوا نقطة العودة إلى هاوية اللاعودة.

لهذا يجب على النشطاء والمستقلين المناصرين للغة الأمازيغية أن يقطعوا مع هذه النخبة الأمازيغية الفاشلة وأن يتجرأوا على قول آرائهم الحرة خارج إجماع القطيع وخارج مسلّمات القطيع، وأن يبدأوا في معالجة الورطة الأمازيغية من جذورها عبر المطالبة بإصلاحات جذرية مثل:

1 – ضرورة تعديل الفصل الدستوري الخامس جذريا لرفع الظلم عن اللغة الأمازيغية ومساواتها التامة بالعربية شكلا ومضمونا بشكل حرفي وبلا أية ألاعيب التفافية أفعوانية ولا قوانين تقييدية تأجيلية تسويفية. وأن يتم اعتماد صيغة دستورية واضحة قاطعة مثل:

“الأمازيغية والعربية هما اللغتان الرسميتان للدولة المغربية، ويجب على الدولة استعمالهما بالتساوي في كل المؤسسات والإدارات والمحاكم، ويجب تدريسهما بالتساوي في كل المدارس والمستويات التعليمية لجميع المغاربة.”

Tamaziɣt ed Taɛrabt d-nitenti yellan d-tutlayin tisiranin en Uwanak en Murakuc, aha yuccel i Uwanak ad tent yessewri es tugdat deg wakk tuddsiwin ed tdeblin ed tsenbaḍin, aha yuccel ad ttwaslemdent es tugdat deg wakk iɣerbazen ed yiswiren islemdanen i Yimurakucanen aɣrud nsen

2 – ضرورة العودة إلى تدريس وترسيم اللغة الأمازيغية Tutlayt Tamaziɣt بالحرف اللاتيني لتكون لها مكانة قوية في المغرب ولتكون لغة وظيفية حقيقية قابلة للقراءة والاستعمال العملي الوظيفي النافع للمواطن المغربي في المدى القريب ولتسريع نشر اللغة الأمازيغية في كل مكان.

3 – تأسيس “أكاديمية للغة الأمازيغية” بمستوى جامعة University بفروع في عدة مدن في الريف والأطلس وسوس والرباط والدار البيضاء وطنجة تتخصص في تكوين أفواج معلمي وأساتذة اللغة الأمازيغية والمترجمين والمحررين الصحفيين والإداريين باللغة الأمازيغية المكتوبة بالحرف اللاتيني.

tussna@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد