من أجل قانون تنظيمي بروح الدستور

يرتقب صدور القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والقانون التنظيمي 04.16 المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية يوم الثلاثاء القادم، ويأتي هذا الإفراج المتأخر عن القانونين ليس عن قناعة راسخة للحكومة المغربية بضرورة وراهنية هذه الخطوة، بل يأتي عقب ما أثاره رفض تعديل المادة 57 من مشروع القانون 40.17 المتعلق ببنك المغرب والتي تقضي بإضافة فقرة للمادة المذكورة بخصوص إدراج اللغة الأمازيغية في الكتابات المطبوعة أو المنقوشة على الأوراق والقطع النقدية من تجاذبات سياسية بين الأحزاب وكذا الشجب والتنديد الواسعين للإطارات والفعاليات الأمازيغية.

مشروع القانون 40.17 المتعلق ببنك المغرب هو إذا من “سيعجّل” بصدور القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ولكن لا بدّ بداية من إبداء التحفظ من تكليف لجنة برلمانية هي لجنة التعليم والثقافة والاتصال، خصوصا أن الأحزاب السياسية المغربية لا تملك رؤية واضحة ومُلزِمة لممثليها ومسؤوليها حول قضية الأمازيغية، فتظل تقارب الموضوع مقاربة سياسية نفعية وذاتية بالخصوص، تكليفها بالبث في قانون بحجم القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، قانون سيرسم معالم مستقبل لغة عمّرت في شمال افريقيا منذ آلاف السنين.

لقد كان من الأجدر تعيين لجنة ملكية مستقلة من ثقاة البلاد، ممن يفقهون في الدرس اللساني والفقه الدستوري وتاريخ بلادنا للحسم في الأمر، لجنة مشهود لها بالحكمة والموضوعية وبعد النظر والتشبع بقيم المواطنة الحقة والتسامح، تستفيد من تجارب دولية سبقتنا إلى التعدد اللغوي لتستثمرها في التنسيق والتشاور مع القوى المجتمعية المتنوعة للخروج بقانون في مستوى شعار دولة الحق والقانون.

إنَّ سياسة التسويف التي طالت الإجراءات والتدابير المتعلقة باللغة والثقافة الأمازيغيتين على مدى ثماني سنوات من  دسترة اللغة الأمازيغية  لغةً رسميةً لا يمكن أن تفهم خارج اختيار الإقصاء والطمس الذي تبنّته الأغلبية الحكومية وسكتت عنه الأحزاب الأخرى للنيل من لغة الشعب المغربي وصميم هويته. فالتأخير لم يكن لدواع موضوعية  بل مجرد هدر للزمن الدستوري وهروب إلى الأمام خصوصا في ظل  تنامي الوعي بالحقوق اللغوية وتزايد المساندة الشعبية لها من داخل الناطقين باللغة الأمازيغية وغيرهم.

 وعلى كل حال، وبعد وضعنا أمام الأمر الواقع، لا يسعنا إلا أن ننبه إلى مجموعة من النقاط حتى يستجيب القانونين المنتظرين للحد الأدنى من الإنصاف والتعدد الحقيقيين، مع استحضار ما انتهت إليه مقررة الأممية الخاصة بالقضاء على كافة أشكال التمييز عقب زيارتها للمغرب خلال شهر دجنبر الماضي التي أقرّت أن هناك انتهاكا للاتفاقية الدولية لمناهضة كافة أشكال التمييز العنصري من جانب الدولة المغربية.

إن القانون التنظيمي المرتقب والمتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية يجب أن يجسّد المقتضى الدستوري الذي ينزل الأمازيغية منزلة  لغة رسمية للدولة، بعيدا عن كل القراءات والتأويلات التي تهدف إلى الانتقاص منها لنقض واقع التعدد والتنوع. كما يفترض أن يؤسس القانون التنظيمي المرتقب لقطيعة مع التمييزالذي طال ولايزال تعامل الجهات الرسمية مع اللغة الأمازيغية ولو بعد دسترتها لغة رسمية للبلاد، ومن ذلك رزمانة القوانين التي أعقبت التعديل الدستوري دون أي إشارة للغة الأمازيغية.

بداية لا بد أن نركزّ على معطى الوضوح في صياغة القانون بشكل يجعل الالتزامات دقيقة واضحة لا يسمها اللبس ولا تحتمل التأويل، حتى لا يعطي القانون فرصة لجيوب المقاومة داخل مؤسسات الدولة لتعطيل إنصاف الأمازيغية. وللتمكين لهذا القانون، نرى من الضروري خلق جهاز مستقل يتولى السهر وتتبع مسلسل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، جهار مستقل سياسيا وماليا بشكل يمكّنه من أداء مهامه بشكل شفاف وموضوعي.

 كما يتعين أن يتضمن القانون التنظيمي تمييزا إيجابيا للغة الأمازيغية بالنظر إلى الحيف الذي طالها على مدى عقود طويلة، وأضعف الإيمان تمكين هذه اللغة من كل الفرص والاعتمادات والوسائل التي تحظى بها نظيرتها العربي بشكل يحقق المساواة بين اللغتين الرسميتي للبلاد.

في منظومة  التربية والتعليم، لا محيد عن المبادئ الأربعة التي بموجبها  أدمجت اللغة الأمازيغية في منظومة التعليم، ليس إقرارا بل  من باب ترصيد المكتسبات التي تعود إلى 2003،  ومنها إلزامية تدريس اللغة الأمازيغية لجميع المغاربة  دون تمييز، تعميم تدريس اللغة الأمازيغية أفقيا على كل التراب الوطني، وعموديا على جميع أسلاك التعليم، توحيد اللغة الأمازيغية ومعيرتها التدريجية بوصفها لغة موحّدة ومؤسساتية، وأخيرا كتابتها بحرفها الأصلي تفيناغ، كما تقررّ وبورك  من جلالة الملك بعد التشاور مع الأخصائيين وموافقة الأحزاب السياسية منذ 10 فبراير 2003.

في منظومة  الإعلام، يتعين التأكيد على ضرورة احترام حصيص اللغة الأمازيغية في كل وسائل الإعلام، حصيص يأخذ بعين الاعتبار وضعية اللغة الرسمية للأمازيغية، والتعامل بحزم مع كل الخروقات والاختلالات التي تسجل، علما ضبابية المقتضيات تفتح المجال لجيوب المقاومة لعرقلة التفعيل الحقيقي وإنصاف اللغة الأمازيغية.

التعبير عن حسن النية من خلال وضع آجال معقولة لتفعيل الطابع الرسمي، خصوصا أن إدماج هذه اللغة في الهوية البضرية للبلاد لا تحتاج إلى موارد مالية ضخمة بالقدر الذي تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية ومن ذلك  وثائق الهوية على اختلافها، الاوراق النقدية والطوابع وخواتم الإدارات وغيرها.

لقد كانت الأمازيغية  رهينةَ مزايدات سياسية بين الأحزاب التقليدية، وورقة سياسية تلجأ إليه بعض الجهات  بدعاوى باطلة، وآن الأوان أن يكون  القانون التنظيمي المرتقب ذو بعد إستراتيجي يقرّ أجرأة فعلية وعاجلة لتفعيل رسمية اللغة الأمازيغية في مدى قصير لا يتعدى خمس سنين لإنجاح مشروع النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين الذي التزمت به الحكومة أكثر من مرّة.

إن القانون التنظيمي المرتقب والمتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية سيميط اللثام عن مدى صدق الدولة المغربية في الوفاء بكافة التزاماتها الدولية والدستورية لمناهضة كافة أشكال التمييز، وهنا، ليعلم القيمون على القانونين التنظيميين أن الأمازيغية قضيتنا وحقّنا المشروعان اللذان سنظل ندود عنهما حتى يتحقق الإنصاف الحقيقي مهما تلكأ المتلكؤون وتخاذل المتخاذلون.

https://www.facebook.com/massinedimrane

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد