8 مارس: الجريدة الشرارة التي وضعت قضية المرأة على أجندة المجتمع المغربي
حين أعلنت عن ميلادها في نونبر 1983، خلقت جريدة 8 مارس الحدث الذي سيشكل منعطفا حاسما في تاريخ القضية النسائية بالمغرب و في مجال الإعلام النسائي بالبلاد، كانت الشرارة الأولى التي أطلقت شعار من أجل تأسيس ” حركة نسائية جماهيرية ديموقراطية تقدمية مستقلة”. شعار شكل الهدف المركزي الذي تمحورت حوله كل الجهود بالجريدة. 8 مارس كانت أكبر من جريدة، كانت مشروعا فكريا مؤسسا لثقافة النهوض بحقوق النساء ومنبرا للتعبير والحوار وتطوير الوعي النسائي وسط المجتمع والنخب.
ضدا على الصمت 8 مارس كسرت الحواجز واخترقت المغيب والمسكوت عنه في واقع المرأة المغربية، بعزم وإرادة اجتمعت ثلة من المثقفات والمناضلات الديمقراطيات التقدميات لرسم معالم تجربة مدكاة من وهج الشفق المبشر بالخلاص وجاءت الولادة الأمل، جريدة لكل النساء بدرة مخصبة تفتق مئات السنابل لتعد بالغد الأفضل.
وكانت 8 مارس صوت من لاصوت لهن في زمن التهميش السياسي والحلقية الحزبية والمنطق الرجعي بكل تلاوينه المحافظة والأصولية. إرادة نفض الغبار عن القضية النسائية وجعلها موضوعا في صلب التغيير المجتمعي. كانت الجريدة أكبر من إرادة التهميش التي قوبل بها صدور العدد الأول, أدكر هنا الصمت الجليدي الدي إلتزمت به الصحافة تجاه المولود الإعلامي النسائي. بإستثناء صحيفة أنوال كل المنابر يمينا ويسارا تجاهلت صدور 8 مارس. عانقت الأوساط النسائية المشروع ورحبت به، نفدت الجريدة من الأكشاك واتسعت رقعة الاشتراكات عبر البريد تشكلت لجان الدعم الأدبي والمعنوي في أغلب المدن وكانت الدرع الدي يحتضن الهم النسائي و حركة 8 مارس.
لم تدع الجريدة ملكها للحقيقة أو المفتاح لحل إشكالية المسألة النسائية أو القدرة على خلق حركة جماهيرية للنساء، لكنها كانت مؤمنة بقدرتها في بلورة و خلق الشروط السياسية والثقافية والإجتماعية للطفرة النوعية. وكانت الوسيلة الجرأة وتكسير التابوهات . التعاطي الإعلامي الجريئ والمنفتح مكن طاقم 8 مارس من خلق تراكم نوعي في الإحاطة بأوضاع المرأة والتعريف بمعاناتها ومطامحها وتفجير قدراتها من خلال نشر ودعم الإبداع النسائي.
الهوية النسائية التي ظلت تقاوم و تبحث عن تعبيراتها داخل الأحزاب السياسية لدى جيل مابعد الإستقلال
لم تكن قادرة على فرض خصوصيتها لأن الأحزاب تعاملت مع المسألة النسائية كقضية جزئية للمسألة الاجتماعية. المرأة داخل الفضاء الحزبي لم تتح لها تبوء مراكز القرار، مما أبعد النساء بفعل العقلية الذكورية عن العمل السياسي. إنزال القضية النسائية كمحور إجتماعي وسياسي وازن في الفضاء المغربي لإقرار حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، جاء بقوة مع بزوغ حركة 8 مارس.
خلق هدا الوعي الجديد لدى الحركة النسائية بضرورة استقلالية قرارها فرصة تاريخية من أجل إسماع صوتها في الفضاء العام، فبادرت إلى تأسيس الجمعيات النسائية بعيدا عن الإطارات الحزبية، و شكلت الاستقلالية رافعة للتعبير النسائي مع بداية الثمانينات من القرن الماضي.
8 مارس إحتضنت القضية بصدق وأفق. فجاءت مواد الجريدة لتعكس الوضع النسائي في تجلياته التربوية والصحية والقانونية والإجتماعية والساسية. الشمولية والقرب والإنفتاح شكلت روافع الخط التحريري. “دعوني أتكلم” الركن / الصرخة لنساء الهامش جاء كمرآة لآلام المجتمع، أعطيت الكلمة للخادمات، والمشردات وللإماء، لكسر الصمت وتمزيق ستار الظلام. صفحات قضايا المحاكم حكايات تعكس أوضاع المهانة والدونية للمرأة وتقهقر الوضع القانوني للأسرة المغربية. نزلت صحفيات الجريدة إلى الأحياء و الدروب والأزقة لإنجاز الملفات والتحقيقات وكانت الجرأة سيدة الموقف. إستغلال الخادمات، الدعارة، المرأة . الشارع. المطاردة، تعدد الزوجات، التربية الجنسية، نساء الموقف، المرأة والعمل النقابي/ والعمل السياسي، الحياة الجنسية للمرأة المغربية، الطلاق ؛ بعض الموضوعات من كثير وضعت الأصبع على واقع مجتمعي طاله الصمت. وجاءت ” نساء تتحدثن” لتنقل هموم وطموحات الأصوات النسائية المتعددة المشارب في الحقل أو أمام بوابة السجن أو من أعلى المنابر الأدبية والفنية.
8 مارس ، فسيفساء نسائية تجرأت وخلقت حركية داخل المجتمع المغربي سنة 1992 بإطلاق حملة المليون توقيع “من أجل وضع الطلاق بيد القضاء” كانت الأولى من نوعها في البلاد، تلتها مبادرات من أجل إدخال تعديلات جوهرية على مدونة الأحوال الشخصية. ورشات عمل، تجمعات جماهيرية، عرائض شكلت وسائل عمل الجريدة من أجل تحسيس النساء والرأي العام والمجتمع المدني، وتعبئة النساء ضد كل أشكال التهميش والميز الجنسي.
أدكر المنع الدي طال الدكرى الأولى للجريدة. كانت العصا سلاح السلطة أمام التظاهرة الشعبية التي تم التحضير لها ، أدكر أيضا فتاوي القوى الظلامية لتكفير نساء 8 مارس، لكنني أدكر أيضا الأفق الإعلامي الدي إخترق وضع المرأة المغربية المغيب عن قصد أو بتجاهل في الهوامش والملاحق، وفتح الطريق لتأسيس جمعيات نسائية وازنة في الثمانينيات من القرن الماضي ( إتحاد العمل النسائي/ الجمعية الديموقراطية لنساء المغرب) و حركة دفاعية كبيرة للنهوض بحقوق المرأة المغربية ووضع المسألة النسائية على أجندة المجتمع وأصحاب القرار للتعبئة والمسائلة و المطالبة بالتغيير.
*فوزية بنيوب صحفية من الفريق المؤسس ” 8 مارس”
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.