يمر الفنان الأمازيغي الكبير والعصامي أحمد بادوج، الذي صنع أمجاد الدراما الأمازيغية بتلقائيته المعهودة وبكل تواضع فني، يمر هذه الأيام بوعكة صحية أدخلته المستشفى ، ويعاني في صمت ، بهذه المناسبة نتمى الشفاء العاجل للفنان بادوج ، ونتمنى من الضمائر الحية من الفاعلين وغيرهم ، الوقوف إلى جانبه ، ومساعدته على استعادة الفرحة لنفسه ولذويه ولجمهوره..بالمناسبة كذلك نعيد نشر مقال للزميل يوسف غريب كتبه عن الفنان بادوج مباشرة بعد تكريمه من طرف منظمي مهرجان الضحك السنة الماضية بأكادير…… الحسن باكريم.
مقالة يوسف غريب:
ما إن يهم بالصعود إلى الخشبة حتى تنفجر القاعة تصفيقا ..صفيرا
تدفعك مدة الوقوف إلى استنباط عمق الاحترام الذي تكنه الجماهير لهذا الهرم الفني كما قدمه المنشط البارحة بمسرح الهواء الطلق وسط تسابق مجموعة من عشاقه لالتقاط صور بالمناسبة.. وأنت تتابع حفل تكريمه ضمن فعاليات مهرجان ( تضصا / الضحك ) تلاحظ توافد مجموعة من الممثلين في الحقل الأمازيغي لتقبيل رأس المحتفى به تعبيرا عن روابط التلمذة مع أغلبيتهم… وإذا أضفنا إلى ذلك هذا البياض الذي غزا الرأس وبعض من تجاعيد الوجه التي خلفتها أكثر من 35 سنة من التواجد في الساحة الفنية… إذا أضفنا كل ما سبق إلى هذا التجاوب التلقائي العفوي مع جمهوره ليلة البارحة… تتفق وبلا تردد مع الذين لقبوه بشيخ المسرحيين الأمازيغيين ومناضل عصامي في مسار تأسيس الفيلم باللغة نفسها.
هو الشيخ ليس بقياس سنوات العمر بل بما خلفته هذه الشخصية الاستثنائية من تراكم إنتاجي فني كما ونوعا وعلى مستويات متنوعة تأليفا وتمثيلا وإخراجا… عمرهذا المسار عمليا هو 26 سنة من التواجد منذ 1987 تاريخ تأليف وتمثيل وإخراج أول مسرحية ( 100 مليون ) كان الصدى الذي رافق عرضها لأول مرة بانزكان ونواحيها إيذانا بميلاد الرعيل الأول من ممثلي الدراما الأمازيغية بسوس… وبهذا الأسلوب التي عولجت به القضايا الاجتماعية التي تناولتها بالسخرية والضحك حد البكاء…
كانت 1987 أيضا إيذانا بميلاد مؤلف مسرحي… لا خلفية أكاديمية وراءه… حرفي /مهني توقف عن السنة النهائية من التعليم الاعدادي 1968 بولي العهد بأكادير مقر ولادته بداية خمسينيات القرن الماضي.. كان القدر قد ساقه إلى إنزكان سنة 72 من أجل فتح ورشة للتكبيب والحال أن ماكان ينتظره منذ ذلك هو فتح ورشة المسرح والفيلم بالأمازيغية…
بعد ست سنوات سيعرف المجتمع الإنزكاني ميلاد أول جمعية ( كوميديانا) وهي اول من احتضنت الفنان أحمد بادوج برفقة جار له يحترف الخياطة… هذا الاخير الذي حكى اسباب ولوجهم الى التمثيل بالامازيغية يقول (… في خضم إحدى التداريب على النطق والإلقاء والحركة.. ومن باب الترويح على النفس بين أعضاء الجمعية اتفقت مع الأخ بادوج بتشليح حوار صغير (…انطونيوا: من هذا الذي يقبل مسرعا نحونا ) ( مايكا غاون دي تزالن حوكمادن )كانت بداية التفكير بشكل مستقل بعد هذا الاكتشاف الذي حرره من سلطة اللغة …
تحقق ذلك في وقفة قصيرة في جمعية الشعلة الثقافية والمشاركة في مسرحية ( ولد المختار البوهالي ينهزم للمرة الأخيرة) ..للمخرج الحسين بيزكارن الذي آمن بفكرة الإنتاج الدرامي عبر لغة أخرى …سنوات قليلة ستشهد السنيما المغربية ميلاد اسني اوورغ وهو أول فيلم باللغة الأمازيغية بمعايير إلى حد ما مقبولة كبداية أولى من أخراج الحسين بيزكارن وبطولة أحمد بادوج ( ايدر)لقد عرفت هذه التجربة تسويقا وترويجا منقطع النظير خصوصا في البادية السوسية وجاليتها أيضا بالخارج مما جعل من بطلها أشهر من علم …لم تغريه الشهرة والاشعاع بل أحس بثقل المسؤولية والعمل على رفع منسوب الإنتاج تلبية لهذا الشغف لدى قبائل المنطقة وعبر المغرب عموما ..هذا ما سيفسر هذا الفوران في الكتابة التأليفية إلى حدود 2013 حتى ليكاد المتتبع ينتظر مؤلفا دراميا كل سنة …نفس الشئ في التمثيل والإخراج توج مشواره بالحصول على بطاقة المخرج من طرف المركز السنيمائية المغربي 2004 يليها بطاقة الفنان 2009 ..هو اعتراف للمؤسسات الوصية لكن الأعمق منه هو هذا الاحتضان الشعبي لجل أعماله كاستحضار تكريمه في أغلب الفعاليات الفنية جهويا وعلى امتداد البلد…
هو أيضا وبصدق تاريخ مناضل أسس المسرح والفيلم الأمازيغيين بالإضافة إلى ماقيل كانت مساهمات أيضا تمتد إلى الجانب المالي واللوجيستيكي وغيره ..هو الآن وهو متقاعد يشرف على تكوين وتأطيرا مجموعة من الممثلين ضمن مدرسة للتكوين أسسها في السنوات الأخيرة… وسط هذه الأجواء … سألته…ألم تعتزل بعد …بنفس عميق وتنهد قال ( أفلاح إعفوا ربي )لا تحتاج إلى ترجمة..
وهل الفن مرض اسي أحمد …
لا أبدا…. لكن لا يطعم خبزا.
أعادني هذا الرد الصادم إلى استحضار نفس المصير لبطل مسرحية 100 مليون…
هي أول مسرحية من تأليف وتمثيل وإخراج هذا الهرم الفني الكبير…
هل كان يتنبأ بمصير شرفاء هذا الوطن.
هو اللحظة…
وأيادينا مرفوعة بالشفاء العاجل.. يارب..
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.