دور وسائل الإعلام

.. نور الدين كنوي..

إنّ الوسائل الإعلاميّة ببرامجها الثّقافيّة والسّياسية، تساهم إلى حدّ بعيد في نقل المشهد الحضاري الإنسانيّ. إذ إنّها وباختيارها لبرامجها الحواريّة إنْ على مستوى الدّين أو السّياسة، أو الاجتماع، ترتفع بالمستوى الإنسانيّ إلى رقيّه، أو تنحدر به إلى مستوى الحيوانيّة والغرائزيّة.
ولعلّ البرامج الحواريّة السّياسية تقوم بالدّور الأبرز في استثارة ميول الإنسان العنصريّة وتعزيزها، من خلال اختيارها للمتحاورين. فنشاهد اقتتالاً مستميتاً فارغاً من الأهداف والنّتائج الإيجابيّة، معزّزاً بالكلمات النّابية أحياناً، والسّلوك غير اللّائق، والّذي إن دلّ على شيء، فهو يدلّ على الانحدار في المستوى الأخلاقيّ والثّقافي.
هذا المستوى ينتقل إلى المشاهد ويؤثّر فيه، في حال لم يكن متمرّساً على الحوار كلغة إنسانيّة، وبدوره يتمثّل بالسّادة المتحاورين ويسلك منهجهم، خاصّة إذا كان منحازاً لأحد الأطراف السّياسيّة المتنازعة.
وقد يلذّ لمدير الحوار أن يترك المتحاورين على سجيّتهم أم أنّه يختار بعناية الأسئلة المستفزّة لخلق جوّ متوتّر بين الطّرفين. وكأنّ هذا الأسلوب يجذب العديد من المشاهدين فترتفع نسبة المشاهدة، وبالتّالي المساهمات الإعلانيّة.
البرامج السّياسيّة المحترمة قليلة جدّاً وتكاد لا تتخطّى عدد أصابع اليد الواحدة، وفي الوقت عينه نرى أنّ نسبة مشاهدتها عالية، وهذا يعني أنّ المشاهد يطيب له أن يستمع إلى ما يسمّونه حواراً في حين أنّه ثرثرات مقيتة لا أكثر ولا أقل.
“تكلّم حتّى أراك”، يقول سقراط. وهذه العبارة فلسفة بحدّ ذاتها، تبيّن أنّ الكلام الّذي يستخدمه الإنسان هو انعكاس لشخصيّته الإنسانيّة، وكلّما ارتقى بكلمته أظهر سلوكاً حضارياًّ رفيعاً. والكلمة الرّاقية تنبع من عقل تمرّس على التّفكير السّليم والتّحليل المنطقيّ والموضوعيّ، ومن قلب تمتلكه المحبّة المتفهّمة والمدركة للأعماق الإنسانيّة. من هنا يعتمد الحوار على ثلاث نقاط أساسيّة: العقل، والقلب والكلمة، الّتي تكوّن فنّ الحوار وآدابه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد