هْضْرْ/ تْكْلّْمْ بالعربية، أبشع مظاهر التمييز ضد الناطقين باللغة الأمازيغية
- الطيب_أمكرود //
في أجزاء كبيرة من الوطن، وبنسب حقيقية، بعيدا عن الأرقام الرسمية، قد تتجاوز السبعين بالمئة، في الريف والمغرب الشرقي والجنوب الشرقي والأطالس الثلاث وزمور وسوس وصولا إلى تخوم واد نون، إضافة إلى المدن والحواضر التي هاجر إليها الناس للحاجة، يواصل الناس الحديث بلغتهم الأم اللغة الأمازيغية بتنويعاتها المختلفة، ويتحدث باقي المغاربة إما الدارجة المغربية في باقي المناطق أو الحسانية في الأقاليم جنوب كلميم.
ويظن عدد منا إلى اليوم، فقط لكونهم يتحدثون الدارجة أو الحسانية أن لا صلة لهم بلغة أرض شمال افريقيا أي اللغة الأمازيغية، وبسبب ذلك الظن أو الزعم، وبسبب السياسات التي انتهجت عقودا ضد الأمازيغية، وبسبب ضعف ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان لدى عدد منا، يظن هؤلاء أنهم متفوقون على إخوانهم المواطنين الناطقين بالأمازيغية، مما يجعلهم يعتقدون أن بإمكانهم ممارسة السلطة عليهم وبالتالي إرغامهم من أجل تحقيق التواصل اليومي على الحديث بألسنهم أي الدارجة والحسانية، فيشهرون أمامهم العبارة الشهيرة هْضْرْ بالعربية للداريجوفونيين أو تْكْلّْمْ بالعربية للناطقين بالحسانية.
إن الناطق بالدارجة أو الحسانية، بسبب الفاقة العلمية أو الإيديولوجيا، ولفرض لسانه على غير الناطقين بها أو لإقناعهم بالحديث بها يدعي أن ما يتحدثه عربية تستقي مشروعية إجباريتها من الدين والأمة والنسب وما إليه، علما أن اللغات الطبيعية ألسن بشرية أبدعها الناس للتواصل بينهم، وأن النظامين اللغويين مجال توارد للأمازيغية لغة السكان الأصليين والعربية لغة الوافدين من الهلاليين والمعقليين، وأن لا فضل للسان على آخر إلا بالقدرة على البقاء والصمود، وهي صفات من صفات الأمازيغية التي عايشت كل اللغات القديمة المنقرضة، وفرضت وتفرض سلطتها إلى اليوم على الدارجة والحسانية أصواتا ومعجما ونحوا وصرفا وتركيبا. وإن نفس الناطق بغير الأمازيغية في المغرب، لا يجد حرجا في محاولة إرضاء كل الأجناس والأقوام الذين يصادفهم بالحديث بألسنتهم، فيتحول معهم إلى حمل وديع خاضع يحاول الحديث مع الجميع بالسنتهم، لكنه سرعان ما ينقلب إلى وحش كاسر إزاء أخيه المواطن الذي يتحدث الأمازيغية، فيرميه بكل النعوت والتهم والعبارات الجاهزة التي صيغت في زمن الرصاص.
هْضْرْ/ تْكْلّْمْ بالعربية عبارة تمييزية تحقيرية خطيرة تستدعى من قبل من لا يتحدث إلا الدارجة المغربية أو الحسانية، هْضْرْ/ تْكْلّْمْ بالعربية عبارة تشهر في وجه كل من يتحدث الأمازيغية لإخراسه أو هضم حقوقه أو ازدرائه، هْضْرْ/ تْكْلّْمْ بالعربية عبارة توظف في كل المناطق التي ليست بها الأمازيغية لغة أما ويجد الذين يتقنون الأمازيغية أنفسهم بها لسبب من الأسباب، هْضْرْ/ تْكْلّْمْ بالعربية عبارة خرقت وتخرق حقوق الملايين من المغاربة الذين يتحدثون الأمازيغية، حقوقهم الأساسية في التعليم، في الصحة، في التقاضي، في الإعلام وفي الولوج إلى المعلومة…
إن وضع الإصبع على مكمن الداء يقتضي تسمية الأشياء بمسمياتها، وقد حان الوقت لفعل ذلك، ووقف كل أشكال التمييز رسميا وشعبيا ضد الناطقين فقط بالأمازيغية. فقد صادق المغرب على الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وسجل العديد من الإنجازات والقرارات لصالح اللغة والثقافة الأمازيغيتين، وأضحى لزاما عليه أن يفي بكل التزاماته تجاه كل مواطنيه، وفي صلبها التنزيل الفعلي والحقيقي لرسمية اللغة الأمازيغية وتجريم ووقف كل أشكال التمييز ضد الناطقين بها من قبل الناطقين بغيرها سواء كانوا مسؤولين أو مواطنين.
إن عددا من المسؤولين يسبحون ضد التيار العام للدولة في أعلى مستوياتها، فتجدهم يحاسبون المواطن على إتقان الأمازيغية فقط، ويوظفون إزاءه للتواصل الدارجة المغربية أو الحسانية، فتضيع حقوق أساسية كثيرة لإنسان لم يختر مسقط رأسه ولا لونه ولا لغته ولا عرقه، ولم يؤخذ رأيه من قبل من استبعدوا لغته من التعليم والإعلام والحياة العامة، فضاعت حقوق الآلاف من المتقاضين والمرضى والتلاميذ الذين لا يتكلمون إلا لغة أمهاتهم، فكم من مرتفق هدرت حقوقه أمام الإدارة لكونه لا يتقن إلا الأمازيغية، وكم من متقاض ظلم لكونه لا يتقن إلا الأمازيغية والقاضي لا يتحدثها، وكم من مريض لم تشخص حالته ولم يوصف له دواء لأن طبيبه لا يتحدث لغته الأم، وكم من تلميذ اعتبره أستاذه متعثرا ورمي به في المقاعد الخلفية من حجرة الدرس فقط لكونه لا يتحدث إلا الأمازيغية…
إن مواطنا بسيطا ناطقا بالدارجة أو الحسانية يظن أن من حقه أن يمارس السلطة على الناطق فقط بالأمازيغية فيحاول إجباره على الحديث بلسانه حتى يتحقق التواصل، وهي قناعة ترسخت لدى العديد ممن يشاركوننا الوطن بسبب عقود من تهميش الأمازيغية في كل تمظهراتها، ويحدث أن تجد نفسك رغم ما راكمته من تجارب في العلم والترافع من أجل الأمازيغية إزاء مثل هذه المواقف من قبل من لم يقم بعد بتحيين معطياته بشأن اللغة الرسمية الثانية للمغرب أي اللغة الأمازيغية.
لقد حان الوقت لتنزيل حقيقي لرسمية اللغة الأمازيغية، وإدماج حقيقي وفعلي لها في التعليم والإعلام وفي كل مناحي الحياة العامة، وسن تشريعات تجرم كل أشكال التمييز ضد الناطقين فقط بالأمازيغية، سواء كان تمييزا رسميا من قبل بعض المسؤولين، أو شعبيا من قبل بعض المواطنين، وهي أمور لن تتحقق ما لم تنهض اللغة الأمازيغية بكل مهامها بوصفها لغة رسمية للمغرب منذ اثنتي عشرة سنة، ولغة وثقافة تحظى بعناية أعلى سلطة في البلاد منذ اثنين وعشرين سنة، وهي أمور يبدو أنها تغيب عن أذهان العديد ممن يشاركوننا الأرض والماء والهواء بسبب سياسة التعتيم الإعلامي على ما أنجز وينجز، وبسبب مساعي خصومها، حتى لا نقول أعداءها، لوقف إعادة الاعتبار لها.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.