محمد محمود أحمد //
كيف حالك يا أبي؟ أمي كيف حالك أيضًا؟ ي للهول كيف لي أن لا أعترف لكما طوال وجودي معكما بأني أحبكما؟ لماذا؟ وكم كنت شحيحا في ذلك! آه: إني والله أحبكما حبًا عظيمًا يكاد يخطف روحي وبصري ولا يترك منه شئيا.
صورتكما لم تغادر ذهني ومخيلتي في لحظة من اللحظات، وهنا أقولها من بُعد وبهمس، وسيحملها لكما الصدى وإن طال المدى.
لقد مر عام على غُربتي، وعلى ابتعادي منكم، ومن الوطن؛ أعلم أن قلبكما يتكسر في جنح الليل، ويتحسر في وضح النهار، وأعلم حجم همكم بي، رغم إظهاركما اللامبلاة!، لكن بدوري أنا ما العمل؟ إنها الحياة، تتطلب الصبر والاختبار والاعتراك في دروبها.
أبي الرجل الحنون، أعلمُ أن خير ما فعلت هو الابتعاد، تسألني: لماذا؟ أجيبك: لأني سئمت التكرار والنمط الكربوني في كل يوم، رغم إنني كنت ناجحًا ومتفوقًا في عملي ومن قبل في دراستي، لكن ذلك لم يكفي ولم يشبع رغباتي!، إن التكرار مقبرة ناعمة، خاصة في بلادي الذي يتجلى ذلك فيها في كل مناحي الحياة، للدرجة التي تكسر فيها عامل الزمن، فتفقد القدرة على تحسس جزء من ملامح المستقبل، ويصعب عليك قراءة الحاضر. وياويل من الشعور الذي يداهمنا في منتصف الطريق حين تتوقف وتتسأل ما الجدوى من الاستمرار؟، يا أبي ليست العبرة في البدايات أو في من سبق، فمن السهل أن نبدأ وكلنا يجيد البدايات، بل العبرة في من صدق، ونحن صادقون، وسنبقى كذلك.
أمي السيدة التي لن تتكرر: لماذا أحبك أكثر من أبي؟ رغم إنني أحبه أكثر منك!، تشتاقين إلى، أليس كذلك؟، تمرين بجوار سريري وتجدينه خاليا، تسترجعين طفولتي وشغبي، وحين كنت أُعصبك، وأضحكك، وأجلب لك المشاكل تارة، والشهادات التقديرية تارة!، هل مازلتي تُلفين بعض المأكولات والاواني بالصُحف وتتعمدين مع سبق الإصرار والترصد الصفحات التي تحتوي على تقاريري وحواراتي وتهزئين بها؟، أمي: لم أعد مُغرمًا بالصحافة كما قبل وإختلفت نظرتي وزوايتي لها، يسرك ذلك الشعور الجديد اليس كذلك؟ أعلم أنه سيسرك!.
ي سلام!، مرَ عام، كلمح البصر، في بلاد جميلة، لاهي قريبة من الشرق ولا بعيدة من الغرب؛ إنها المغرب، بلد رائع وناسه رائعون، كرامون، جميلون، نظيفون، مثقفون، عمليون…، بلاد ساحرة بطبيعتها، واروع بكثير ممن خُيل في ذهني من قبل، أو مما شاهدته في التقارير والأفلام الوثائقية، بلاد واسعة شاسعة، خضراء بيضاء غناء، لا أرفض فكرة أن أجوبها بقدميا طولا وعرضاً صيفياً أوشتاءاً، السياحة فيها شامة، بلاد تتنفس حضارة، وتخطو نحو المستقبل بجد، سياسيوها لا يجيدون الكلام، ولكن الحياة في المغرب جيدة!
صديقي أنا بخير في الغربة، سعدت بما يفيض عن حاجتي من السعادة، وحزنت أحيانا بلا سبب!، كان العنوان الأبرز فيها الإعتماد على النفس في كل شيء، وكان إختبارا حقيقيا لقدراتي وأخلاقي، وعقلي وقلبي، عرفت ما ينقصني فعزمت العمل على ردمه. الغربة منحنتي فرصة مهمة وهي الخلوة، أتعرف ي صديقي ما الخلوة؟ ليست هي العزلة، وإنما أن تخلو بنفسك بهدوء مرات ومرات تقرؤها جيدا وتستمع إليها، وتخاطبها، تقدرها حينا وتجلدها حينا، وكل ما وجدت نفسي وحيداً وظفتها بسرعة إلى خلوة، راجعت فيها الأحداث والعبر بهدوء، قل ما يتوافر ذالك في بلادك.
رأئيت الكثير، وجلست مع الكثير، تجددت أفكاري، وتبدلت جزء من قناعاتي، استمتعت إلى اليهودي، والإفرنجي، والعربي، والأمازيغي، والدرزي، والسني، والصوفي، والشيعي… تحدثت مع صُناع القرار ومستهلكيه، ناقشت الملحدين واللادينيين، أنصت إلى العاهرة وإلى المثلي، رأيت التاجرالملتحي وهو يغش، والماجنة وهي تتصدق، أقمت في أرقى الفنادق والمنتجعات، وسكنت في أحقر الغرف في أخطر الأحياء، ونمت في المطارات ومحطات القطار، وصادقت بائع الخضار، والسمسار، والنجار… تقربت من مجتمع الأساتذة والطلاب والمهندسين والاطباء، تعرفت على وجوه قليلة وأقنعة كثيرة، وعرفت حقًا معنى القناعة كنز لا يفنى. خرجت مع أجمل الفتيات الشقروات، وجاورت المُحجبات، وعلمت فعلًا أن الجمال الحقيقي جمال القلب والجوهر وأن كل ما دونه زائف وزائل.
إتخذت قرارات ما كان بإمكاني أن أتخذها لو كنت في بلادي، قسى قلبي حينا ورق حينا. البعض رآني مُحترمًا، والآخر رآني ساذجًا، منهم من ظنني أستاذًا، والآخر رآني طالبا، فيهم من ظن إنني أقرب إلى المثالية، ومنهم من إعتبرني غريبًا، وهنالك من رآني قريبًا؛ فالكل يراك من زاويته والكل يراك بما يريده أن يراه فيك، فلم أتعب نفسي من الشرح والتبرير والتفسير.
وسأسافر أكثر كل ما وجدت فرصة، ففوائده تتجاوز الأربعة بكثيييير.
وأخيرا ي صديقي لا أريد أن أطول الحديث، ولدي الكثير لم احكه لك، وأؤكد لك إني بخير، والحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا…
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.