رجاء غرسة الجلاصي//
تمكّنت قوات المجلس الرئاسي الليبي من هزيمة تنظيم داعش الإرهابي الذي سيطر منذ ما يزيد عن عام على مقار رئيسية في مدينة سرت الساحلية وسط ليبيا، محاولا التمدد منها إلى الشرق طورا وإلى الغرب طورا آخر.
وفي أوّل تعليق له على انتصارات الجيش في سرت قال رئيس الحكومة فايز السراج في خطاب مصوّر نشرته صفحة حكومته على موقع “فيسبوك” “نبارك انتصارات أبنائنا في جبهات القتال (…) في معركة تحرير سرت وتطهيرها من تنظيم الدولة”. وأضاف “ما يحدث من إنجازات على هذه الجبهات يستحق أن يكون نموذجا لمشروع وطني لمحاربة الإرهاب”، داعيا الليبيين إلى أن “يلتفّوا” حول هذا “المشروع الوطني لمحاربة تنظيم الدولة”.
حسم تاريخي
وأكد العقيد إسماعيل شكري أحد القياديين الميدانيين في الحرب على “داعش” في سرت في تصريح لـ”الضمير” أمس الثلاثاء، أن قواته تحاصر ما تبقّى من عناصر التنظيم الذين تحصّنوا بالمنازل في مساحة جملية تقدّر بخمسة كيلومترات مربعة.
ولم يقلّل شكري من أهمية معركة “الوجه لوجه” ضد تنظيم “داعش”، مؤكدا أن هذه المرحلة متوقّعة وأن قوات “البنيان المرصوص” لم تستبعد أن يلجأ مقاتل التنظيم إلى التحصّن داخل المنازل.
إلّا أن المصدر أكّد أن “المعركة حُسمت”، مشيرا إلى أن الهدف الآن هو القضاء نهائيا على عناصر التنظيم الإرهابي وقطع دابره من ليبيا، وليس تمكينه من ممرّ للخروج الآمن.
يذكر أن إسماعيل شكري هو إحدى قيادات الكتيبة 166 التي كانت في مواجهة “داعش” العام الماضي قبل أن يجبرها على الانسحاب، ليستولي على المدينة.
وقال شكري إن عناصر “داعش” التي تقاتلها قواته هي عناصر تعتمد أساليب المباغتة والتفجيرات الانتحارية ولا تفقه غيرها، مؤكدا ضعفها أمام النيران المكثفة لسلاحي الجو والبر لقوات المجلس الرئاسي.
ويوم 5 ماي الماضي استفزّ التنظيم الإرهابي قوات الغرب الليبي (تحت امرة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق)، عندما هاجمت عناصره بوابة السدادة شرقي مصراتة وتوعدت قياداته بأداء صلاة العيد في مساجد المدينة.
وأعلن المكتب الإعلامي لعملية “البنيان المرصوص” الثلاثاء “تدفّق الدعم لخطوط القتال من جميع المناطق الليببة” ، مؤكدا ”وصول رتل تابع لكتيبة فرسان جنزور” (ضواحي طرابلس).
من جانبه، قال عضو المكتب الإعلامي لعملية البنيان المرصوص محمد سويب في تصريح لـ “الضمير” إنّ “قوات الجيش تسيطر على منطقة قصور الضيافة في سرت من قبل قوات الجيش، ولا يمكن الاستهانة بالعدو هناك لأنه ما يزال يملك القوة”.
وعن تاريخ إعلان تحرير المدينة قال سويب إن ذلك يتوقف على ما ستؤول إليه المواجهات، مشيرا إلى “الحذر في التعامل مع الهدف تجنّبا لوقوع ضحايا من المدنيين، إن وجدوا”.
ورغم إجبار المدنيين على التزام بيوتهم، نجح سكان سرت من النزوح من المدينة هربا من الحرب. وأضاف عضو المكتب الإعلامي: “قوات الجيش فرضت طوقا حول الدواعش في أماكن وجودهم في سرت”.
إحباط حلم “الدولة”
وتنظيم “داعش” الليبي، في ظاهره جزء لا يتجزّأ من التنظيم في العراق والشام يحمل عقيدته وينفّذ مخططاته العريضة، إلا أنه في سرت استفاد من حاضنة اجتماعية وقبلية سلبتها ثورة 17 فبراير ما تمتعت به طيلة أربعة عقود من الجاه والمال على خلفية صلة القرابة بـ”ملك ملوك إفريقيا”. سرت التي شهدت مقتل “الزعيم” و”الابن البار” لسرت في إحدى “مواسير تصريف المياه فيها”، وقوبلت بالرفض والاستبعاد والنبذ من قبل الثوار.
وعكس مدينة درنة شرق ليبيا، التي انتفض سكانها ضد التنظيم وتمكنوا من طرده مؤخرا بالتعاضد مع مجلش شورى المجاهدين (ثوار)، رأى سكان سرت في التنظيم المتشدد سبيلا للحماية والانتقام في الآن ذاته.
واستفاد التنظيم الإرهابي أيضا من غياب الدولة في ليبيا وتصارع حكومتين وجيشين مواليين لهما، قلّلوا من شأن نموّ تنظيمات إرهابية، وتجاهلوا تقارير تحدّثت قبل ظهور “داعش” عن كون ليبيا حاضنة للإرهاب ومركزا لتدريب الجهاديين بعيدا عن أعين الدولة.
واستغل التنظيم عددا كبيرا من المقاتلين المغاربيين كانت وجهتهم سوريا في مواجهة الأسد قبل أن تتقطع بهم السبل عام 2013 في مراكز تجميعهم في عدة مناطق في ليبيا.
كما كان المهاجرون غير الشرعيين الذين يقصدون ليبيا للعبور إلى أوروبا صفقة مربحة للمهرّبين ولقمة سائغة لتنظيم “داعش” الذي كان يعمل بسخاء على تعزيز صفوفه من أجل تحقيق إمارات طرابلس وبرقة وفزان التي تمتد إلى المغرب الأقصى غربا وإلى إفريقيا جنوبا، كشفتها وثائق للتنظيم حصلت عليها “قوات البنيان المرص”، وفق ما صرّح به إسماعيل شكري لـ”الضمير”.
ويبدو أن شيئا لم يمنع عزم الثوار الليبيين في القضاء على “داعش”، لا حيرة المجتمع الدولي في بحث آلية مناسبة والاتفاق على جهاز قادر على التخلص من تهديد التنظيم الإرهابي في ليبيا، ولا تخلّف مجلس الأمن في رفع حظر السلاح المفروض على ليبيا منذ ربيع 2011، ولا التقارير التي قدّرت عناصر “داعش” بالآلاف، وتحدّثت عن فرار قيادات التنظيم الرئيسية بعد قصفها في العراق وسوريا.
ورغم أهمّية الجيش والسلاح في محاربة “داعش” في ليبيا اعترضت روسيا ومصر يوم الاثنين، على وضع قوات الأمن والجيش الوطني الموحد وتعزيزها تحت السلطة الوحيدة لحكومة الوفاق الوطني خلال عملية التفاوض بين أعضاء مجلس الأمن للاتفاق على بنود مشروع قرار المجلس حول ليبيا.
وأعلنت القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني أغلبها من مصراتة، إطلاقها عملية “البنيان المرصوص” للقضاء على “داعش” في سرت، منذ حوالي شهر، إلّا أن عدة كتائب للثوار أعلنت انضمامهم إلى هذه العملية، وعاضدهم في الشرق جهاز حرس المنشآت النفطية الذي انطلق من منطقة الهلال النفطي في اتجاه الغرب وتمكّن الأسبوع الماضي من تحرير بلدتي بن جواد والنوفلية من قبضة التنظيم الإرهابي.
وارتفعت حصيلة الحرب على داعش إلى “118 شهيدا و350 جريحا في صفوف قوات المجلس الرئاسي”، حسب ما أفاد به مدير المكتب الإعلامي بمستشفى مصراتة المركزي عبد العزيز عيسى في اتصال هاتفي مع “الضمير”.
وبالرغم من أن كثيرين يعتبرون أن المعركة ضد “داعش” معركة مصير، إلّا أن قائد الجيش الموالي لحكومة “طبرق” خليفة حفتر يبقى غير آبه بما يجري في المنطقة الوسطى، منشغلا بمعارك كسب الأرض في الشرق وتطهيرها من معارضيه في بنغازي ودرنة بعد تمكّن أهلها وثوّارها من طرد تنظيم “داعش” الذي استقرّ بها منذ ما يزيد عن أربع سنوات.
وتستمد معركة المجلس الرئاسي أهميتها في كونها رسالة ملهمة لقدرة السكان المحليين في هزيمة كل تنظيم دخيل بعيدا عن يد الدول الغربية في المنطقة، وله أبعاد نفسية تكبح جماح التنظيم الذي يرى في فرعه في ليبيا ملاذا آمنا من غارات التحالف، ومحطة لالتقاط أنفاس قياداته.
التعليقات مغلقة.