مداخلة السيدة النائبة نعيمة الفتحاوي في منتدى النساء البرلمانيات المنظم بمجلس النواب حول موضوع: “تمثيلية النساء في البرلمانات: الممارسات والآفاق ” يوم الثلاثاء 27 شتنبر2022 .
“عرفت التمثيلية النسائية في البرلمانات تطورا واضحا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. حيث ازدادت نسبة النساء البرلمانيات في العالم ووصلت إلى % 26.1 وفقًا لتقرير أصدره الاتحاد البرلماني الدولي تحت عنوان “النساء في البرلمان في عام 2021”.
وعلى المستوى الوطني، عرفت التمثيلية السياسية للنساء تطورا ملحوظا، حيث بدأ العمل بنظام الكوطا منذ سنة 2002، ولكن ذلك كان بشكل توافقي وهو ما تم تقنينه على مستوى القانون التنظيمي لمجلس النواب فيما بعد؛ حيث تم اعتماد نظام اللائحة الوطنية والتي عرفت بدورها تطورا نوعيا بما فيها الجزء المتعلق بالشباب والذي كان مخصصا في البداية للشباب من الذكور دون الإناث.
وفي دستور 2011، ستعرف قضية المساواة بين الجنسين، وتعزيز التمثيلية السياسية للنساء تطورا كبيرا من خلال التنصيص على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية.
لقد أظهرت نتائج هذه الانتخابات التشريعية الأخيرة تحسناً في تمثيلية النساء في مجلس النواب، وانتقلت هذه التمثيلية من % 20.5 في مجلس النواب السابق (2016 – 2021)، إلى % 24.3 في المجلس الجديد. بحيث أصبحت قريبة من المتوسط العالمي.
أما في انتخابات الجماعات الترابية فقد عرفت تمثيلية النساء تطوراً من 21.18 في المائة في انتخابات 2015 إلى % 26.64.
ومنذ انتخابات 2002 اعتمد المغرب نظام اللائحة الوطنية المخصصة للنساء، وحدد لها 30 مقعداً من أجل ضمان تمثيلية النساء.
وفي انتخابات 2011، تم رفع العدد المخصص للائحة الوطنية من 30 إلى 60 مقعداً، مما رفع عدد النساء في مجلس النواب، وفي اقتراع 8 سبتمبر الأخير، جرى رفع الحصة المخصصة للنساء إلى 90 مقعداً؛ يتم انتخابهن على أساس لوائح جهوية.
وانتقل عدد النساء في مجلس النواب من 81 امرأة في مجلس النواب السابق إلى 95 امرأة في الاقتراع الأخير، منهن خمس نساء فزن في دوائر محلية، من أصل 395 وهو مجموع أعضاء المجلس.
لكن ما سبق لا يعني أن الوضع الحالي يدعو للاسترخاء، بل على العكس فإن الوضع الحالي يطرح تساؤلات من نوع جديد بشأن نسبة مشاركة المرأة ومستوى ادائها وكيفيته، ومدى قدرتها على التأثير في الحياة السياسية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني. ومدى صلتها بالنضال القائم من أجل الحريات العامة وحقوق الإنسان في المجتمعات العربية.
لقد أقر المؤتمر العالمي الرابع للمرأة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود (بيكين1995) بضرورة مشاركة المرأة في عملية صنع القرار وتولي المناصب السياسية.
والتزمت بذلك العديد من الدول. لكن ما زال وضع المرأة في المنطقة العربية مقارنة بباقي دول العالم أقل بكثير في إمكانية الوصول إلى المناصب القيادية السياسية والمشاركة في عملية صنع القرار، سواء من زاوية تمثيل المرأة في السلطات الرئيسية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ومن خلال قراءة بسيطة لنتائج اقتراع 8 شتنبر 2021 فلقد عرفت تمثيلية النساء داخل البرلمان المغربي والمجالس المنتخبة الجهوية والمحلية، تحسنا طفيفاً الا أن تمثيلية النساء في الولاية الحالية من مجلس النواب لا يرقى إلى مستوى الطموحات المنشودة لأن مبدأ المناصفة الذي نص عليه الدستور مفقود، ولم يتحقق حتى ثلث أهدافه المحددة، ما يعني تجاهل الدستور ومعاهدات دولية صادق عليها المغرب؛ من هنا نرى أن التغيير الذي تحقق طفيف، والطريق لا يزال طويلاً أمام النساء ويتطلب المزيد من النضال والتعبئة لتفعيل بنود الدستور والمواثيق الدولية الخاصة بحقوقهن التي وقع عليها المغرب.
وإذا أخذنا تمثيل المرأة في المجالس النيابية نجد أن نسبة تمثيلها في الدول العربية تعد من أدنى النسب على مستوى العالم، مع الأخذ في الاعتبار التفاوت فيما بين الدول العربية في هذا الصدد.
كذلك أن عدد النساء اللواتي يشغلن مناصب وزارية محدود للغاية، وتترك بعض الوزارات تحديدا لكي تشغلها النساء.
هناك صعوبات وعقبات على المرأة تخطيها إذا ما ارادت خوض غمار العمل العام، نذكر من هذه العقبات عوامل متصلة بالمرأة نفسها وبوضعها الاقتصادي، وعوامل متصلة بالمؤسسة السياسية، وعوامل متصلة بالمجتمع والثقافة السائدة فيه.
ولا شك أن الكوطا على مستوى الأحزاب ترفع من مشاركة المرأة في الشأن المحلي والجهوي وفي البرلمان.
وعليه، يجب أن تسعى النساء من أجل فرض كوطا نسائية داخل الأحزاب، تماماً كما حدث في ألمانيا وبعض الدول الاسكندنافية. فالكوطا- كما يعرف الجميع- مرحلية ومؤقتة للوصول إلى المجالس المنتخبة.
نظام الكوطا اشارت اليه اتفاقية “السيداو” باعتباره نوعاً من التمييز الإيجابي، ويجب على الدول التي ستطبق نظام الكوطا القيام بمجموعة من الإجراءات من بينها العمل على تغيير التنشئة الاجتماعية.
وهو خطوة على طريق تحقيق المساواة، وهو إجراء مؤقت إلى حين يعتاد المواطنون على رؤية المرأة في مواقع المسؤولية.
ولكن لا بد أن نتساءل هل النساء اللاتي وصلن إلى مراكز القرار في ظل نظام الكوطا أحدثن تغييراً ما؟ هل غيرن شيئاً في نظرة المرأة والرجل إلى المرأة؟ حتى إذا ما أُلغِيَ نظام الكوطا يمكن للناخبين والناخبات أن يصوتوا لصالح مرشحات من النساء؟ ما مدى ارتباط الأداء السياسي للمرأة بالقضايا النسائية؟
إن تفعيل المشاركة السياسية للمرأة تَلزَمُه مشاركة مجتمعية شاملة لا جزئية، وتلك هي نقطة البداية في المقاربة لهذا الموضوع.
ولكي نفهم على نحو جيد مفهوم المشاركة السياسية لابد أيضاً أن نشير، كما تشير عدة دراسات ومرجعيات تحليلية مختلفة، حيث يتم التطرق الى المشاركة السياسية للمرأة من خلال ثلاث مقاربات:
أولها: مقاربة النوع الاجتماعي وإشكاليته الأساسية هي أن النساء هن الضحية الأولى للفقر والبطالة والأمية وضعف المشاركة السياسية على وجه العموم، وبالتالي لابد من تجاوز وتقليل الفجوة النوعية بين الرجل والمرأة.
ثانيها: مقاربة التنمية التي تركز على ضرورة تشبيك المرأة مع الرجل في المنظومة التنموية.
ثالثها: مقاربة حقوق الإنسان. ترى أن المشاركة السياسية للمرأة حق من حقوق المرأة كإنسان لا يمكن لأحد أن ينازعها فيه.
ولتعزيز الدور القيادي للمرأة لا بد من الاهتمام بعدة نقاط منها:
1- دعم عملية التحول الديموقراطي ومفاهيم حقوق الانسان والمواطنة.
2- الاهتمام بنشر ثقافة الديموقراطية وعدم التمييز والحق في الاختلاف والتعددية وقبول الاخر ومفاهيم النوع الاجتماعي.
3- الانتخابات النزيهة التي تضمن التداول السلمي للسلطة الذي يمثل رافعة أساسية من روافع الديمقراطية.
4- تغيير الإطار القانوني الذي يحكم المشاركة السياسية للمرأة.
التوصيات:
1- تهيئة بيئة حاضنة لفكرة المشاركة السياسية للمرأة عبر التثقيف وتوعية تبدأ منذ التنشئة الأولى بهدف تغيير النظرة النمطية لدور وقدرات المرأة في صنع القرار.
2- رفض ومواجهة كل خطاب يؤثر سلبا على تقبل المرأة في الحقل العام.
3- العمل على وضع قوانين انتخابية أكثر عدلاً وأقل تحيزاً، وإحدى الوسائل الأساسية لتحقيق هذه الغاية هي توسيع الكوتا، لكون الأخيرة إحدى آليات تغيير قواعد اللعبة السياسية.
4- الدعوة الى رفع الكوطا على مستوى الأحزاب لدور ذلك في الرفع من مشاركة المرأة في البلديات وفي البرلمان، كما حدث في ألمانيا وبعض الدول الاسكندنافية.
5- دعم وتثمين مشاركة المرأة في نشاط المجتمع المدني لكنه إحدى آليات التدريب السياسي للمرأة.
6- إعداد وتكوين المرأة للمشاركة في العملية الانتخابية لما تتضمنه من فعاليات وممارسات وأنشطة وحشد، وتعد أفضل مدرسة للتدريب السياسي على الممارسة الديمقراطية.
7- إنشاء مرصد وطني للمرأة المنتخبة؛ يتكلف بجمع المعطيات والمعلومات، والمساهمة في التكوين، وتقديم الاقتراحات والتوصيات، وإعداد تقارير دورية.
وختاما.
لا يمكن للمجتمع أن يحقق التنمية الشاملة وبناء مجتمع جديد إذا لم يكن للمرأة دور في صياغة القرارات المتعلقة بحياتها الخاصة والعامة، وإذا لم تأخذ حصتها من الأعمال المهنية والإدارية والاقتصادية، وإذا لم تشارك في مؤسسات السلطة في مختلف المستويات وفي مؤسسات صنع القرار، فتمكين المرأة بات يشكل التحدي الأهم لتحقيق التنمية على أساس المشاركة والفرص المتساوية.”
نعيمة الفتحاوي
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.