وتعود هيمنة أوروبا وأمريكا الجنوبية على أدوار نصف نهائي بطولات كأس العالم إلى أسباب أبرزها المال والتقاليد، لكن في ظل عولمة الساحرة المستديرة، كان اللاعبون ومحبو كرة القدم في آسيا وإفريقيا وأمريكا الشمالية يأملون في إنهاء هذه الهيمنة.

وعلى وقع إداء مذهل ودعم جماهيري كبير في أول بطولة كأس عالم في العالم العربي، تمكن المغرب من كسر هذه الهيمنة في مونديال يراه كثيرون بانه يحمل مفاجئات كروية من العيار الثقيل خاصة بخروج منتخبات مثل البرازيل وبلجيكا.

وخلال مؤتمر صحافي، قال مدرب منتخب المغرب وليد الركراكي « يمكن أن تكون لديك موهبة أقل وكفاءات أقل وكذلك أموال أقل، ولكن لو أنك تؤمن وتقاتل، قد تجعل المستحيل ممكنا، إنها ليست معجزة، إنه عمل ».

شق الطريق
وحتى في أدوار الثمانية في بطولات كأس العالم السابقة، كان وصول منتخبات من غير المنتخبات التي تمثل أوروبا وأمريكا الجنوبية استثناء عن القاعدة.

وقبل المغرب، كانت كوستاريكا آخر فريق غير أوروبي ولا يمثل أمريكا الجنوبية يصل إلى دور ربع النهائي في بطولات كأس العالم وذلك في مونديال 2014 عندما خسر أمام هولندا بركلات الترجيح.

كذلك وصل منتخب غانا إلى دور الثمانية في مونديال 2010، فيما بلغت السنغال دور ربع النهائي في مونديال عام 2002 فيما وصلت الكاميرون إلى دور ذاته في نسخة إيطاليا 1990. وفي ذلك، قال أرسين فينغر، المدير الفني الأسبق لنادي أرسنال وعضو مجموعة الدراسات الفنية التابعة للفيفا في قطر، إن قصر فترات التحضير للبطولة نظرا لتنظيم مونديال قطر في منتصف موسم الدوري الأوروبي قد فتح الباب أمام فرق مثل المغرب لتتفوق في البطولة.

وأضاف « كنت حريصا جدا على رؤية كيف ستمضي كأس العالم من دون متسع من التحضير وكيف ستتكيف الفرق مع عدم وجود وقت طويل للاستعداد ».

ويبدو أن منتخب المغرب قد تعلم الدرس جيدا حيث تفوق على منتخبات أوروبية من الطراز الأول مثل بلجيكا وإسبانيا والبرتغال.

سر تألق أسود الأطلس

ويعزو محللون نجاح المغرب في مونديال قطر على عكس نهائيات كأس العالم الأخرى إلى زيادة عدد اللاعبين في تشكيلة منتحب أسود الأطلس وباقي المنتخبات المشاركة إلى 26 لاعبا وذلك لتخفيف حجم تداعيات تفشي فيروس كورونا والحجر الصحي الذي قد يهدد المنتخبات.

وقد منح هذا الأمر الركراكي، الذي يعد عاملا حاسما في تألق منتخب المغرب رغم توليه منصبه قبل ثلاثة أشهر فقط، فرصا كبيرة للاختيار بين اللاعبين.

وأكد الركراكي على ذلك، قائلا: « لدينا 26 لاعبا وإذا كان هناك لاعب يمكنه شغل هذا المركز فسيقدّم كل ما لديه. إذا رغبت في المنافسة على اللقب يجب أن تعول على الجميع ويجب على الجميع أن يكون مستعدا ».

بدوره، قال فينغر إن ثمة عنصرا آخر عزز تألق المغرب يتمثل في اعتماد قاعدة التبديلات الخمسة في عالم كرة القدم بشكل نهائي، مضيفة « التبديلات الخمسة تعزز خطط الدفاع بشكل أفضل للمنتخبات خاصة في الدقائق الأخيرة ».

من جانبه، قال أسطورة ألمانيا يورغن كلينسمان إن الدهاء الذي أظهره اللاعبون من ذوي المهارات الكبيرة، كان أمرا حاسما في مونديال قطر لأن العديد من الفرق عززت خطوط الدفاع وهو أمر برع فيه لاعبو منتخب المغرب خاصة حكيم زياش وأشرف حكيمي.

وفي ذلك، قال كلينسمان « عندما يتعرض الفريق إلى ضغط كبير من الفريق المنافس، فإنه يُجرى الاعتماد على اللاعبين الذين لديهم القدرة على القتال داخل المستطيل الأخضر ».

كذلك ساعد في تألق المنتخب المغرب ضمه 14 لاعبا ولدوا خارج البلاد من بينهم حارسه ياسين بونو وقد اكتسب هؤلاء اللاعبون خبرة كبيرة في اللعب في بطولات أوروبية كبرى.

 48 فريق في مونديال 2026

يشار إلى أن الاتحاد الدولي لكرة القدم « الفيفا » قد وافق على مشاركة 48 منتخبا بدلا من 32 في بطولات كأس العالم ابتداء من العام 2026
ويرى محللون أن هذا الأمر سوف يؤدي إلى تعزيز فرص الفرق والمنتخبات لكي تحقق مفاجآت في بطولات كأس العالم، لكن البعض يقول إن هذا العدد الكبير من المنتخبات قد يضعف من جودة كرة القدم.

ثورات في بطولات كأس العالم

الجدير بالذكر أنه عندما وصلت الولايات المتحدة إلى دور نصف النهائي في أول بطولة كأس عالم في عام 1930، كانت لعبة كرة القدم مختلفة تماما عن الساحرة المستديرة في الوقت الراهن.

واستضافت أوروغواي البطولة بمشاركة 13 منتخبا فيما كان ستة لاعبين في تشكيلة الولايات المتحدة ولدوا في بريطانيا.

وفي مونديال 2002، وصلت كوريا الجنوبية إلى الدور قبل النهائي في البطولة التي شاركت في استضافتها مع اليابان فيما استفادت من بعض قرارات التحكيم المثيرة للجدل إذ لا يزال مشجعو إيطاليا يتذكرون ما اعتبره البعض « فضيحة تحكيمية » في دور الستة عشر أمام كوريا الجنوبية.

وفي المونديال المقبل عام 2026 في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، تأمل الفرق الثلاث خاصة المكسيك، التي وصلت إلى ربع النهائي في مونديال 1986 التي استضافته، في تحقيق أداء مميز وسط الجماهير، رغم أن استضافة قطر لمونديال 2022 لم يساعد منتخبها في تحقيق إنجاز كروي إذ خسر المنتخب العنابي مبارياته الثلاث في البطولة.

ولا يعتقد غراهام أرنولد، المدير الفني للمنتخب الأسترالي، أن الفجوة كبيرة رغم تحقيق نتائج مفاجئة في مونديال قطر مثل فوز المغرب على بلجيكا وإسبانيا والبرتغال وفوز السعودية على الأرجنتين وخسارة ألمانيا أمام اليابان وفوز الكاميرون على البرازيل وتونس على فرنسا.

وقال « تنفق الدول الأسيوية الكثير من الأموال في عالم كرة القدم . قد يجلس الجمهور في منازلهم دون تأثر ويقولون إن منتخبات السعودية أو اليابان ليست في حالة جيدة. انظروا ما فعلوه. »

بيد أنه حتى استمرار وصول منتخبات خارج أوروبا وأمريكا الجنوبية إلى أداور نصف النهائي في بطولات كأس العالم، فإن الوضع الراهن المتمثل في هيمنة منتخبات أوروبا وأمريكا الجنوبية سواء بالأموال أو التاريخ أو القوة الكروية ربما سوف تستمر.

مارك ميدوز (الدوحة) – عن موقع منارة