من هو بول شاتنيير الطبيب الذي عالج المغاربة من تيفوس وأحب تارودانت إلى أن دفن بها

يرجع الفضل في تحقيق هذا الكتاب الى الاستاذ الباحث نورالدين صادق فهو كمال قال ناشر الكتاب ، “مهووس بسوس، وبالتاريخ السوسي ، وله كتابات اخرى تشهد له .بذلك” ص 3.

وحسب تقديم حافظ الجمعية الفرنسية لتاريخ الطب Michel Pierre Rox فقد بادرت سلطات مدينة تارودانت بمعية القنصل العام لفرنسا باكادير بالاحتفاء بذاكرة الدكتور بول شاتنيير الذي اودى به وباء التيفوس قبل ثمانين سنة يوما بيوم”.

والكتاب الذي انجزت غلافه الباحثة الدكتورة زهرة صادق الموسوم ب “بعثة الى سوس -يوليوز 1914(القسم المتعلق بسوس من كتاب “،الاطلس الكبير الغربي ) “الصادر سنة 1919م “والذي لم يعد من الممكن العثور عليه”.

يتحدث عن الدكتور شاتنيير الذي جاء الى تارودانت مرتين في زي مدني وزي عسكري ،الرحلة الاولى سنة 1914م و الثانية سنة 1927م وقضى بها الشهور الاخيرة من حياته. مات من اجل المغرب ومن اجل فرنساحيث كان يداوي المرضى المصابين بوباء التيفوس الفتاك الذي كان ينتقل بين الناس بشكل سريع ويؤدي الى وفياتهم.

قال ميشيل بييير روكس “ان التقديم يلزم كاتبه الاستاذ صادق يصغي لماضي تارودانت، وهو يعمل من اجل التعريف بتراثه ، وعلينا ان نكون بجانبه ، وان نسهل تداول وثائق الارشيفات، احدى هذه الوثائق احصائية من مستشفى شاتنيير تعود لاواخر سنة 1939م. صفحة 7.

يتضمن الكتاب الدي بين ايدينا محاور اساسية يستهلها المؤلف بتقديم الجنرال ليوطي المقيم العام لفرنسا بالمغرب .

تقديم المؤلف الباحث نور الدين صادق الذي قال في صفحة 11 “في يوم التاسع من شهر فبراير 2008م حلت الذكرى الثمانون لوفاة الدكتور بول شاتنيير…”

كتاب بول شاتينيير

وقد استدعيت للمشاركة في ندوة تكريمية ، فحالفني الحظ لالتقي من ضمن المشاركين باكبر تاريخ واخبار المحتفى به ، وهو الدكتور ميشيل بيير روكس المؤرخ الفرنسي المختص في تاريخ الطب ، فكانت اللقاءات التي دارت بيننا ، ولتبادل المعلومات والوثائق اثر كبير في كثير مما اجهل عن الرجل ، وفتح لي ذلك نافذة للتعرف عليه اكثر فاكثر .

وحدث ان حضر حفدة الدكتور شاتنيير واهدوا لخزانة الحسن الثاني بتارودانت نسخة اصلية من كتابه القيم والناذر،  “في الاطلس الكبير المغربي…” صفحة11 ، مما مكن المؤلف اذن من الاطلاع على مايزخر به الجنوب المغربي من عادات وفنون الرقص والغناء وطقوس الاحتفال والشخصيات والاماكن والفيسيفاء التراثية التي تبين تنوع روافد التراث الثقافي المادي والتراث الثقافي اللامادي الذي يوضح التنوع داخل الوحدة بمنطقة الاطلس الكبير المغربي.

هذا الكتاب الذي، كان لي شرف المشاركة في ندوة علمية في تقديمه يوم 10 دجنبر 2015م بفضاء النخيل بدعوة من رئيس الجمعية المحمدية لحوار الثقافات وصيانة التراث الحضاري بتارودانت الاستاذ الباحث نور الدين صادق رفقة ثلة من الاساتذة الباحثين كالدكتور جمال بوراس مدير المستشفى الاقليمي بتارودانت.

ويتضمن الكتاب التعريف بالبنيان ايرنيست بول شاتنيير 1884-1928″، فهو طبيب فرنسي مشهور استهواه جمال مدينة تارودانت وطيبوبة ساكنتها فاخلص لهم وقرر الاستقرار الى جانبهم وبين ظهرانيهم واسس المركز الصحي الاهلي بها.

“فمن مراكش انتقل بول شاتنيير الى تارودانت صيف 1914م في ركاب الجنرال دولاموط كطبيب للاسعاف الاهلي ضمن المجموعة المتحركة لمراكش ، وكان في استقبال الجميع الباشا حيدة اوميس، وابنه الحاج حماد والاهالي (indégénes) واقيمت حفلات الفروسية التقليدية في ساحة القصبة ، كما غنت وعزفت على شرف هذه البعثة فرقا تراثية محلية وجهوية “.

فما هي اهم المحطات الببيوغرافية التي ميزت حياة بول شاتنيير؟

اسمه الكامل البنيان ارنست بول شاتنيير ازداد 1884م بكاستل سارزانو بفرنسا ونشأ بين احضان عائلة كاثوليكية . بعدما استكمل الدراسة دخل كلية الطب وتخرج منها سنة 1907م، وبعد مناقشة اطروحته حول “الامراض الصدرية” درس في المدرسة التطبيفية لمصالح الصحة وتخرج منها سنة1908م .

استقر بالجزائر سنتان ، قادما منها نحو المغرب في مارس1911 م حيث عين في بعض الثكنات العسكرية، في قبائل بني يزناسن المغربية بالمغرب الشرقي قبل ان يحل بفاس، عاش داخلها حصار القبائل الشهير سنة 1912م بعد عقد الحماية على المغرب ثم التحق بمدينة صفرو مع الجنرالكورو Gourou.

في مرحلة استقراره بمراكش، اسس مع الجنرال الفرنسي Mourass المجموعة الصحية لمراكش ، وقام هناك بعمل جيد داخل المدينة وخارجها عند قبائل الرحامنة في وقت حرج يتسم بانتشار الفتن وانتشار السيبة والفوضى في العديد من المناطق المغربية.

كانت المجاعات والاوبئة تفتك بالمغاربة مما ادى لخلو جميع المناطق من سكانها، وكان يجازف ويغامر بحياته ويتوغل في مناطق لم يصلها الجيش الفرنسي ، فاين نحن من هذا النموذج ؟

كما اسلفنا استقبل بول شاتنيير استقبال الابطال ، كان في استقباله الباشا حيدة اوميس وابنه القائد حماد والاهالي بتراث الفروسية الخالد ، والاهالي بالتراث الموسيقي التليد انظر للمزيد من التفاصيل كتاب تارودانت حاضرة سوس للاستاذ الباحث نور الدين صادق.

ايضا يرى الدكتور الباحث مصطفى بن عمر المسلوتي في مقال تحت عنوان “وفاء لروح الطبيب بول شاتنيير ” نشر بجريدة ” اخبار الجنوب عدد13 ابريل2009م ” ان السيد Doré ممثل الحماية الفرنسية في المدينة الذي تغلغل الى ان اصبح واحدا من الاهالي في لباسه وكلامه”.

وقد اعجب شاتنيير باهل تارودانت حيث وصفها وصفا دقيقا في كتابه “في الاطلس الكبير المغربي”، قائلا  “ان تارودانت عبارة عن قصبة ضخمة، وقبل كل شيء هي بستان كبير، مهيأ بعناية ودقة، وهي مملوءة باشجار الزيتون والنخيل، وأهم المساجد بها مسجد جامع الكبير من بعيد يبدو بصومعته العتيقة”، صفحة 160.

“لقد قمنا بزيارة الاسواق المغطاة حيث يباع مستخلص ازهار البرتقال المشهور واعواد العطر النادر المستورد من السودان والذي يقوم الاهالي باحراقه في ادوات معدة لذلك، مع تمور مجلوبة من واحات الجنوب المغربي وبعض الحلي الصحراوية المنقوشة التي يبذعها صناع تقليديون ماهرون “.

وقد اقام paul chatinîre مدة عشرة ايام بتارودانت للتجول في ازقتها ودروبها ودخل بيوتها لاسعاف سكانها وقد قدم وصفا باحوالهم المعيشية وعاداتهم والامراض التي اصابتهم ويعانون منها، مما ينشرون

بعد ذلك انتقل الى مدينة اكادير بحضور قواد الجنوب المغربي التي جرى بها احتفال رسمي لخضوع البلد ضمن سلطة المخزن المغربي تم استدعى الجميع لزيارة الفرقاطة الفرنسية البارجة لوشاتلييه le chatelliére بميناء مدينة اكادير.

العودة الى تاروداننت والوفاة:

انتقل الى فرنسا للمشاركة في الحرب العالمية الاولى سنة 1916م وقام بين سنوات 1916م و1924م متنقلا بين فرنسا وسوريا وفلسطين .

سيعود شاتنيير الى المغرب ويستقر بعاصمة التفاح ميدلت ثم انتقل بالحاح الى تارودانت مع زوجته catherine وابنائه ايزابيل وماريون ( انظر ملحق الوثائق بالكتاب).

وكانت مدينة تارودانت تعرف واحدا من اكبر الاوبئة التي تفتك بالانسانية انه وباء الايفوس الذي كان يتفاقم يوما بعد يوم ويقضي على المئات من الارواح وابرز بان الاهم المهم الذي قام به هذا الطبيب الفرنسي انه عزل المنازل والدروب والمداشر الموبوءة، كما كان المرضى يحرقون الملابس والاغطية من اجل القضاء على ما بها من خوار، وقد تم احصاء قرابة 1800ضحية في سوس وحدها والرقم كان  مرشحت للارتفاع مادام ان هناك حالات غير مصرح بها رسميا.

رغم كل الاحتياطات والاحترازات التي قام بها الدكتور بول شاتنيير فقد اصيب بالمرض الفتاك وهو يداوي مرضاه ، فسقط بدوره وعانى معاناة شديدة 13 يوما.

يقول في رسالة مؤرخة في28 يناير 1928م” انا في اليوم الثالث لاصابتي بالمرض كنت اظن خلال 48 ساعة بان نوع من الملاريا …او بداية لداء الكبد ، والان انا مرتاح البال ومعنوياتي جيدة للغاية لكن زوجتي مضطربة غير انها شجاعة ….ينبغي ان نغتنم مابقي لنا من لنا من الحياة ، لم نندم يوما على مجيئنا لتارودانت.

وهذا ما ينطبق على مقولة المؤلف قائلا “سحر المدينة اذن وبساطة وطيبة اهلها قد يكون ضمن دوافع اختيار الرجل الاقامة بتارودانت.” ص 16.

لقد مات شاتنيير بمنزله بتارودانت ودفن بجانب الدكتور بيير بابتيست لوكونط الذي حل مكانه إلى الآن.

تم تكريمه بوسام عال ومنحت لزوجته الميدالية الذهبية للاوبئة ،كما منحته اكاديمية الطب الفرنسية جائزة هشار ومن يومها اطلق اسمه على مستشفيين بالمغرب ،بالصويرة وتارودانت ليحل اسما اخر محله وهو مستشفى المختار السوسي بتارودانت بعدما قررت وزارة ابصحة المغربية استبدال الاسماء الفرنسية باسماء مغربية.

لقد تم الاحتفال بالذكرى الثمانين لوفاته سنة 2008م من خلاله التقى المؤلف المترجم ببعض افراد اسرة بول شاتنيير، والقنصل العام لفرنسا باكادير، رجال السلطة المحلية والمنتخبون وبعض الاكاديميين ورجال السلطة قدماء وجدد ومن اهم العروض التي القيت.

عرض جمعيةةالاطباء والصيادلة وجراحي الاسنان بتارودانت. وعرض،الدكتور ميشيل بيير روكسMichel pierre Rox .وعرض الاستاذ،الموساوي حول تاريخ الاوبئة بالمغرب ..وعرض الدكتور اخميس حول المجاعة والمواد البديلة . وعرض الاستاذ نور الدين صادق حول مدينة تارودانت فضاء ،تاريخا ومجتمعا .

ومن اهم توصيات هذه الندوة العلمية، اقامة متحف لاحياء ذكرى هذا الرجل بمدينة تارودانت تعرض فيه كل اعماله ووثائقه وادواته وصوره الكثيرة التي التقط الكثير منها بنفسه .

لذلك فتثمين اعمال هذه الندوة العلمية جميل والاجمل فيها تحويل توصياتها وترجمتها الى واقع وهو ماتحقق بالفعل من خلال تواجد المتحف بمستشفى تارودانت الذي كان يحمل اسم هذا الطبيب الفرنسي شاتنيير الذي ضحى بحياته من اجل تارودانت والمغرب وفرنسا .

عموما لقد كان paul chatinîre صادقا مع نفسه يؤمن بكل مصداقية وفيا كل الوفاء بمبادئه ضحى بحياته من اجل الاخرين علما ان قلبه ينبض بحب تاروداننت واهلها منذ ان وطئت قدمه ارضها ليتمكن من الرجوع اليها والعيش والتعايش معها مع الاهالي البسطاء ،ولم يكن لعمري يدرك انه سيقضي نحبه فيها ويدفن فوق ترابها قرير العين، بعد ان أدى واجبه كاملا بلباس ميداني ليدخل بذلك تاريخ حاضرة سوس تارودانت من بابه الواسع.

لقد طاف بول شاتنيير في رحلة ممتعة طاف وجال في قبائل الاطلس الكبيرر، عند قصبات معظم قواد قبائل الاطلس الكبير المغربي ، فكان في ضيافة قصبة العربي الضرضوري باولوز ، الى قصر حيدة اوميس التاريخي باولادبرحيل ، مرورا بقبائل ثلاثاء لمنابهة وبعد ان مكث عشرة ايام بتارودانت سيواصل المسيرة الى اكادير التي اقيم في ضيافة قبائلها كسيمة ومسكينة ، ليعود الى تارودانت قاصدا مراكش، مارا عند قبائل ايت سمك تحت اشجار الزيتون الفيحاء، مارا عند قبائل كندافة “اكنتافن ” عبر واد انفيس وغيغاية “اغاغاين “وصولا الى مراكش الحمراء نقطة الانطلاق والعودة في نفس الان.( انظر “ي”جدول صفحات 71’و72 و73 مراحل رحلة الدكتور بول شاتنيير من 8 يونيو الى19يوليوز 1914م.

لقد كان بول شاتنيير صادقا مع نفسه مخلصا لمهنته وفيا لمبادئه الى ابعد الحدود ضحى بنفسه من اجل انقاذ، مرضى وباء التيفوس حيث ظل قلبه ينبض لحب تارودانت واهلها منذ ان وطئت قدمه ارضها ليتمكن من الرجوع اليها والعيش الى جانب البسطاء الذين يسكنونها ، ولم يكن يدري ان قدره كان سيقوده ليدفن في ترابها قرير العين بعد ان ادى واجبه كاملا ليدخل تاريخ الطب بالجنوب المغربي من بابه الواسع .

في اخر الكتاب يقدم المؤلف طبق شهي من الوثائق التاريخية من صور لبول شاتنيير في زيه المدني والعسكري اضافة لصور خرائط وقصبات ميزت تاريخ المرحلة التاريخية القائدية التي تحفل بها قبائل الاطلس الكبير الغربي المغربي ، ويحق بشكل جلي تصنيف هذه الرحلة ضمن الادب الجغرافي في تاريخ الجنوب المغربي..

  • بقلم ذ،محمدامداح.

*باحث في التاريخ الجهوي والتراث الثقافي بالجنوب المغربي المملكة المغربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد